أفضت أحداث نهاية الأسبوع في الأممالمتحدة إلى سلسلة تخمينات عن مستقبل طلب الانضمام الفلسطيني إلى المنظمة، فالفلسطينيون يعتقدون أنه سيُجاز في نهاية الأمر، أما في الجانب الإسرائيلي فيعتقدون أنه لا احتمال لذلك. ما زال من السابق لأوانه أن نعلم، لكن يمكن أن نبين أنه من جهة مستقبل حقوق الإنسان لجميع الأطراف في المنطقة، يفتح إمكان أن يتم الاعتراف بأن فلسطين دولة إمكانات إيجابية أيضا. حتى لو لم تُقبل الدولة الفلسطينية عضوا في الأممالمتحدة بفعل النقض الأمريكي في مجلس الأمن، فستظل قادرة على تطوير مكانتها تطويرا كبيرا لأن العضوية في الأممالمتحدة، حسب القانون الدولي، ليست شرطا لوجود دولة. ومن جهة إسرائيل، سواء تم اعتراف أم لا، لن تتغير مكانتها باعتبارها قوة احتلال وستظل تنطبق عليها واجبات الحفاظ على حقوق الإنسان للفلسطينيين الواقعين تحت سلطتها. ومن جهة الدولة الفلسطينية، إذا اعترف بها عدد كاف من الدول، فستستطيع الجمعية العامة دعوتها إلى الانضمام إلى مواثيق مختلفة. وإذا حدث هذا سيستطيع الفلسطينيون الانضمام إلى مواثيق حقوق الإنسان واتفاقات تجارية، والى منظمات دولية كثيرة أيضا لا تتطلب عضوية في الأممالمتحدة شرطا للانضمام. وهكذا يستطيع الفلسطينيون، مثلا، الانضمام إلى وثيقة جنيف والميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وميثاق حقوق الطفل وغيرها. الأثر المباشر للانضمام إلى هذه المواثيق هو قبل كل شيء إلقاء واجب على الدولة الفلسطينية قوامه أن تحافظ على حقوق الناس تحت سيطرتها، وإخضاعها لأجهزة رقابة الأممالمتحدة. ومن هذه الجهة، سترتفع واجبات فلسطين بالنسبة إلى إسرائيليين، ومنهم مستوطنون رُتبة. ستتحمل الدولة الفلسطينية واجب منع الإخلال بحقوق الإنسان من قبل سلطات حاكمة، وقد تتحمل المسؤولية حتى عن تهديدات من قبل منظمات ومواطنين يعملون داخلها موجهة إلى إسرائيليين. وهناك أفق عمل آخر سيُفتح أمام فلسطين وهو الانضمام إلى المحاكم الدولية. إن الخوف الرئيس لدى إسرائيل هو أن ينضم الفلسطينيون إلى محكمة الجنايات الدولية، المخولة أن تحاكم حينما يوجد ارتياب في جريمة دولية في منطقة دولة عضو أو حينما يكون ذلك الفعل قد نفذه مواطن منها. وتخشى حكومة إسرائيل أن يفتح انضمام فلسطين إلى المحكمة بابا لمحاكمة جنود الجيش الإسرائيلي أمامها. وهذه الخشية مفهومة لكنها ليست صادقة: فإذا كان يوجد ارتياب في تنفيذ جرائم، فإن واجب التحقيق ومحاكمة المشتبه فيه ملقى على دولته قبل سواها. وإذا فعلت ذلك على نحو مناسب، فإن المحكمة لا تستطيع استعمال سلطتها. تستوي المصلحة الإسرائيلية مع هذا الواجب. فمن غير صلة بوجود المحكمة، من المناسب في حالات جرائم بشعة إجراء تحقيقات متعمقة مستقلة وعدم جعل المجرمين يتهربون من عقوبتهم. لهذا فإن الخشية في هذا المجال محدودة جدا، فالمحكمة لن تستطيع العمل أصلا إذا تمت مخالفات قانونية وجرى التحقيق مع المشتبه فيهم. ومن جهة ثانية، سيفضي الانضمام إلى محكمة الجنايات إلى احتمال محاكمة فلسطينيين مشتبه فيهم على أساس أنهم نفذوا جرائم دولية أمام المحكمة إذا لم تفعل الدولة الفلسطينية الواجب عليها، مثل شبهات أعمال تعذيب تجري على أيدي جهات من الإدارة الفلسطينية أو من قبلها أو قتل مواطنين تعسفي، أو إطلاق صواريخ قسام على سكان مدنيين في إسرائيل، وكذلك احتجاز جلعاد شاليط رهينة، قد يؤتى بها للتداول في محكمة الجنايات الدولية وأمام لجان الأممالمتحدة ذات الصلة. إن أكثر السيناريوهات إخافة في نظر إسرائيل هو محاكمة إسرائيليين مسؤولين عن إنشاء مستوطنات أو توسيعها لأن دستور المحكمة يقضي بأن نقل سكان الدولة المحتلة إلى الأرض المحتلة جريمة حرب. ولمنع هذا تستطيع إسرائيل التوصل إلى تسوية سياسية أو الامتناع عن إنشاء مستوطنات وتوسيعها.