يؤكد شيوخ سلا أن الكثير من العادات الرمضانية إندثرت ولم يعد لها وجود، بعد أن رحلت معظم العائلات السلاوية عن المدينة العتيقة باتجاه الجارة الرباط، أو نحو مدن أخرى هربا من مستقبل غامض للمدينة، لتختفي مظاهر الاحتفال بصورتها الأصيلة من خلف أسوار سلا، التي ودعت طقوسا جميلة مازال بعض من يربطون علاقة الحنين مع الماضي يتذكرونها بحسرة. كما أن نمط الحياة العصرية فرض أشكالا أخرى من التعامل بين العائلات، حيث يكتفي البعض، حسب الحاج الكرومبي، برسالة قصيرة عبر الهاتف للتهنئة، عوض أن يعمل على زيارة العائلة و صلة الرحم في شهر العبادة والغفران. كانت الأسر السلاوية العريقة تشرع في الاستعداد لاستقبال شهر رمضان بشكل مبكر، حيث تغزو الأزقة والدروب الضيقة للمدينة العتيقة مع بداية شهر شعبان رائحة «الزمتية السلاوية»، التي يتم إعدادها من بذور الدلاح والحمص والقمح أو الشعير. هذه المواد يتم إرسالها إلى فرن الحومة من أجل تحميصها، قبل إرسالها من جديد إلى المطحنة، وبعد الحصول على المسحوق يتم خلط هذه المكونات مع البهارات أو ما يعرف ب«راس الحانوت»، الذي يضم لائحة من الأعشاب ذات الرائحة النفاذة والتأثير القوي، إضافة إلى الزبدة البلدية أو السمن والزعفران الحر ويتم تكويرها ووضعها في مكان بارد. وكانت الأسر السلاوية تعتمد كثيرا على «الزميتة السلاوية» في صيامها، بالنظر إلى توفرها على مواد تعد مصدرا للطاقة، وتساعد الصائم على أداء عمله وتجاوز الإحساس بالتعب أو الجوع. كما أن الاستعداد لشهر رمضان كان يظهر من خلال حفل «شعبانة»، حيث يقام حفل ذكر من طرف النساء يسمى «الفقيرات» وتتم فيه تلاوة القران والأمداح، فيما كان الرجال يخرجون إلى الجنان والسواني ويستمتعون بالملحون و الطرب الأندلسي، قبل القيام بجولة بالقوارب في نهر أبي رقراق. من مظاهر الاستعداد لشهر رمضان كذلك الإقبال على اقتناء القطاني من فول وعدس، والتي يتم استعمالها في إعداد الحريرة السلاوية المعروفة ب«الحريرة الحامضة»، بفعل كمية الطماطم التي كانت تستعمل في تحضيرها، و إضافة الحامض والقزبر والمعدنوس والشعرية والأرز إليها. وللحريرة السلاوية مميزات خاصة حافظت عليها وأعطتها شهرة خاصة، مقارنة ب«الفرتونة» التي اشتهر بها الرباطيون، وهي المميزات التي يشترك في صنعها حسب الحاج أحمد الكرومبي، باحث في التراث، توازن المقادير والسر الخاص بالطباخ. أما بالنسبة إلى الإفطار فإن العادة السلاوية القديمة كانت تقضي بتناول حبتين من التمر أو ثلاث وشرب جبانية الحريرة بدون خبز، يليها مباشرة الطاجين السلاوي الذي قد يكون معدا باللحم والبرقوق أو بالخضر، ويتم تناوله بالموازاة مع الفواكه، حيث يؤكد الكرمبي أن عادة أكل الفواكه بعد الانتهاء من الوجبة، مرتبطة بالاستعمار الفرنسي وما أدخله من تغيير على سلوك وعادات المغاربة. بعد الإفطار يتم الذهاب إلى المسجد لأداء الصلاة صحبة الأطفال الصغار، وبعد العودة تجتمع العائلة حول كؤوس الشاي المصحوبة ب«سلو» المعد من السميد المحمص، واللوز المطحون، والنافع والزنجلان والكوزة، حيث يتم مزج هذه المواد وخلطها بالسمن البلدي والزيت. وغالبا ما يلي ذلك تنظيم زيارة عائلية وفق برنامج يحرص على صلة الرحم، واستغلال شهر رمضان لتوطيد العلاقة بين أفراد العائلة وتجاوز خلافات السنة. بعد صلاة العشاء يستمتع عشاق فن الغيطة السلاوية إلى معزوفات على آلة الغيطة، تقدم خلالها فقرات من التراث المغربي الأندلسي، في المنارة الكبرى للمسجد الأعظم بالمدينة العتيقة. ويصاحب معزوفات الغيطة «النفار»، الذي يؤدي بعض الوصلات قبل العودة مجددا إلى الصومعة، ساعتين قبل أذان صلاة الفجر حيث كان النفار حسب الحاج الكرومبي، بمثابة ساعة دقيقة يعتمد عليها السكان في ضبط مناسكهم وعاداتهم بكل ثقة، عبر نغمات مميزة تتوزع بين الضربة الأولى، والرشيم، والتشلال، والقطوع، ولكل نغمة رسالة واضحة. وجبة السحور بالنسبة إلى العائلات السلاوية كانت تتشكل إما من طاجين يكون بدون خضر ويعتمد في تحضيره أساسا على اللحم، أوقد يكون عبارة عن سفة بالزبيب، والتمر واللوز أو الرغايف وبعد الانتهاء من وجبة السحور يتم التوجه إلى المسجد لأداء التراويح وصلاة الفجر. قبل ليلة القدر بيومين، كانت المدينة العتيقة تشهد حالة استثناء بفعل الحركة النشيطة التي تدب فيها، حيث يتم طلاء جميع الأزقة بالجير الأبيض الناصع، وإخراج الأثاث لتشميسه وتنظيف البيوت العتيقة استعدادا لاستقبال ليلة تحظى بقدسية كبيرة. وفي ليلة السابع والعشرين يتم إشعال البخور بعد الإفطار، وإعداد الكسكس للمساجد والمساكين، كما تضاء جوانب الأزقة بالشموع، مما يضفي على المدينة هالة من الاحتفالية الصوفية . الاستعداد للعيد بالنسبة إلى السلاويين يكون من خلال إعداد الملابس، وأبرزها كسوة «المحور» وهو زي تقليدي سلاوي موروث عن القراصنة الذين كانوا مكلفين بالمدافع، إضافة إلى إعداد حلوى «لغريبة» بالطحين والسمن، وقائمة أخرى من الحلويات التي يعد العسل أحد أبرز مكوناتها، من أجل تقديمها للضيوف يوم العيد، كما يتم شراء زكاة العيد «الفطرة» والتي جرت العادة أن يتم إخراجها عن كل شخص بالبيت، سواء في يوم العيد أو في ليلة السابع والعشرين. ويتذكر الحاج الكرومبي أن العائلات السلاوية كانت تحتفل بالصيام الأول للطفل بطقوس جميلة من خلال إجلاسه فوق بئر أو مطفية، وتكليف «الماشطة» بإلباس الطفل أو الفتاة زيا تقليديا بهيا، ليتم عرضه على العائلة في إفطار جماعي يحضره جميع أصدقائه، كما يتم وضع «ميدونة» في الوسط لاستقبال الهدايا المشكلة من الحلوى واللوز والزبيب، وتتويجا للطقوس المعلنة عن أول صيام، يتم تقديم العسل للطفل الصائم في إبرة، أما الحليب فيقدم له في حلقة معدنية يستعملها الخياط لحماية أصبعه من وخز الإبر. كما كان الأطفال يستفيدون من حفلة تسمى «الحدقة»، ويتم تنظيمها لمن أبدوا اجتهادا على أقرانهم في حفظ القران، وأتموا عددا محددا من الأحزاب، وكلما ارتفع رقم الأحزاب التي وفق الطفل في حفظها تدرجت طقوس الاحتفال لتصل إلى إعداد الحلوى، وركوب الخيل، والقيام بجولة وسط أزقة المدينة وسط معزوفات الغيطة والطبل. ويؤكد الحاج الكرومبي أن الكثير من هذه العادات، بما فيها من خصوصية مميزة، اندثرت ولم يعد لها وجود، بعد أن رحلت معظم العائلات السلاوية عن المدينة العتيقة باتجاه الجارة الرباط، أو نحو مدن أخرى هربا من مستقبل غامض للمدينة، لتختفي مظاهر الاحتفال بصورتها الأصيلة من خلف أسوار سلا، التي ودعت طقوسا جميلة مازال بعض من يربطون علاقة الحنين مع الماضي يتذكرونها بحسرة. كما أن نمط الحياة العصرية فرض أشكالا أخرى من التعامل بين العائلات، حيث يكتفي البعض، حسب الحاج الكرومبي، برسالة قصيرة عبر الهاتف للتهنئة، عوض أن يعمل على زيارة العائلة و صلة الرحم في شهر العبادة والغفران.