محمد أحداد لم يكن يتوقع أحد أن تثير اللائحة الوطنية المخصصة للشباب والنساء كل هذا السجال الحاد، سيما بعد أن صعدت الجمعيات النسائية من لهجتها تجاه وزارة الداخلية بخصوص عدم دستورية هذه اللائحة. سجال تعدى صفحات الجرائد والمؤتمرات ليصير موضوعا شائكا داخل لجنة الداخلية بالبرلمان المغربي. لكن الثابت من فورة هذه النقاشات أن الوثيقة الدستورية الجديدة الداعية إلى مبدأ المناصفة هي التي أذكت مطالب النساء للدفع باتجاه البحث عن آلية جديدة لتكريس ما بات يعرف في أبجديات الجمعيات النسوية ب«الثلث في أفق المناصفة». في المقابل، لا يتوانى الشباب، على اختلاف مشاربهم السياسية، عن انتقاد الجدل «المفتعل» و«الحملة الشرسة»، التي تقودها الجمعيات والحركات النسوية ضد اللائحة الوطنية المختلطة، معتبرا الصراع المستعر الآن حول اللائحة «نقاشا مغلوطا» ومحاولة غير مقصودة للتراجع عن هذا المكسب، الذي سيساهم في محاربة العزوف السياسي في صفوف الشباب وترسيخ مبدأ أساس أصبح يفرض نفسه بحدة ويتمثل في تجديد النخب الحزبية السياسية المغربية. لكن، هل تشفع هذه الحجج التي تدافع فيها الشبيبات الحزبية عن«غنيمة» اللائحة الوطنية لتسويغ بعض انتقادات أساتذة القانون الدستوري، الذين يرون في تخصيص لائحة وطنية مختلطة خرقا في تنزيل بنود الدستور الجديد؟ يبدو أن هذا النقاش أو هذا السؤال حول «الشرعية الدستورية للائحة الوطنية» لا يغري كثيرا القيادات الشبابية الحزبية، إذ يبدو في نظرها غير ذي جدوى مادامت اللائحة الوطنية الجديدة ستفسح المجال أمام الوجوه الشابة للدخول إلى أول برلمان في عهد الدستور الجديد. في هذا الصدد بالذات، لا يخفي مهدي مروازي، عضو الشبيبة الاتحادية، استغرابه من «النقاش الخاطئ» الدائر حاليا في صفوف الحركات النسائية، معتبرا أن اللائحة الوطنية مكسب تاريخي للشباب من شأنه أن يعمل على تجديد النخب السياسية. بيد أن مروازي يؤكد أن نضال الشباب لا يمكن أن يتوقف في هذه العتبة فقط، بل «نقترح أن يتم العمل بهذه اللائحة لمدة دورة برلمانية واحدة أو دورتين على أكثر تقدير، لأن مطلب تجديد النخب، الذي أصبح ملحا بعد إقرار الدستور الجديد يقتضي عملا جادا تسهم فيه كل الفعاليات السياسية، ومن اللازم في هذه المرحلة التاريخية أن يمسك الشباب بزمام المبادرة السياسية في ظرفية حساسة من تاريخ المغرب». ويرى مروازي في تحليله للآثار الإيجابية، التي يمكن أن تترتب عن تبني اللائحة الوطنية، أنها «ستساهم بشكل كبير في تطبيع العلاقة بين الشباب والمؤسسات الحزبية». ولئن كان الكيحل ثمن هذه الخطوة الجديدة، فإن نبيل الشتيوي، عضو الشبيبة الحركية، يؤكد أنه على المسؤولين البحث عن صيغة أخرى لإقرار مبدأ المناصفة. لكن هذا الأمر لا يعني، في تقدير الشتيوي، أن تأخذ انتقادات الحركات النسائية للائحة الوطنية بعدا مغايرا ينحو باتجاه إلغائها. اللائحة الوطنية هي تجربة ديمقراطية رائدة استنادا إلى تصريحات القيادي في الشبيبة الحركية، موضحا أن ألمانيا مثلا تتبنى مثل هذه الطريق الديمقراطية، بل تتجاوزها إلى عدم تسمية المرشحين حتى ظهور نتائج الانتخابات، ومن ثم فإن القول، يضيف الشتيوي، بأن هذه اللائحة هي من قبيل الريع السياسي والتمييز السلبي ضد النساء هو أمر خاطئ تماما. ويشير الشتيوي إلى أن اعتماد اللائحة الوطنية للشباب لحظة فارقة ستسمح بضخ دماء جديدة في قبة البرلمان، بل ستمنح الأمل من جديد للشباب بغاية الانخراط في العمل السياسي بشكل فعال، فليس من المعقول-يضيف الشتيوي- أن تحتكر بعض الوجوه القديمة وأباطرة الانتخابات مقاعد البرلمان، وهي آلية ناجعة لمحاربة العزوف السياسي لدى الشباب وتنزع عن البرلمان المغربي الصورة السلبية التي التصقت به من جراء تكرار بعض الوجوه المعروفة. ويتحتم على الحركات النسائية، في اعتقاد عبد القادر الكيحل، عضو الشبيبة الاستقلالية، الدفاع عن التمثيلية النسائية في منظومتها المتكاملة، وليس الاقتصار على توجيه سهام النقد إلى اللائحة الوطنية وتأجيج نقاش خاطئ يبتعد عن المبادئ الجديدة، التي أقرها الدستور الجديد والمتمثلة بالأساس في تجديد النخب السياسية المغربية وجعلها قادرة على مواكبة التغيرات على كافة المستويات. ويرفض الكيحل أن تتحول اللائحة الوطنية إلى نوع من الريع السياسي، الذي يكتسي ثوبا جديدا، موضحا أن ترشيح أبناء الزعماء وأفراد عائلاتهم أصبح أمرا متجاوزا لا مناص من القطع معه بجميع الوسائل حتى يتولد الإحساس لدى المواطنين بأن المغرب ماض فعلا صوب تأسيس تجربة حزبية جديدة تنأى بنفسها عن بعض الأساليب القديمة من مثل العمل بمبدأ القرب العائلي أو الولاء الحزبي بدون الرجوع إلى الرصيد النضالي للمرشح، يضيف الكيحل، الذي يدعو في معرض تعداده لبعض مظاهر العطب، التي يمكن أن تسيء إلى اللائحة الوطنية، الشبيبات الحزبية إلى القيام بثورات وانتفاضات داخل الأحزاب المغربية للدفاع عن حقها المشروع في تمثيل الحزب، وكذا دفع قادة الحزب إلى إنهاء ما كان يسمى بالريع السياسي. ويرى محمد مدني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن «اللائحة الوطنية للشباب والنساء تندرج ضمن الآليات الرامية إلى إقرار التمييز الإيجابي بغية إعطاء المرأة المكانة اللائقة بها في المجتمع المغربي». غير أن المشكل المطروح، كما يومئ إلى ذلك محمد مدني، يتجلى في كون بعض الحركات النسائية رأت في هذه اللائحة خرقا لمبدأ المساواة المنصوص عليه دستوريا. وهو خرق يعتبره مدني غير مبرر، سواء من الناحية السياسية أو حتى من الناحية القانونية، وهو المشكل الذي تمخض عن الصياغة الفضفاضة لبعض بنود الدستور الجديد، خاصة فيما يرتبط بالمساواة بين المرأة والرجل وسمو القوانين الدولية على القانون الداخلي. ويبرز مدني أن الجمعيات النسائية التي «هللت» للدستور أصيبت بنوع من خيبة الأمل جراء الخروقات التي شابت تنزيله، والتي كانت منتظرة في كل الأحوال. ومع ذلك، يؤكد مدني أن اللائحة الوطنية هي آلية ديمقراطية يجري بها العمل في عدة بلدان ديمقراطية. على هذا الأساس، يظهر أن النقاش حول اللائحة الوطنية المختلطة وضع وزارة الداخلية ومعها الفرق البرلمانية أمام مهمة صعبة وشاقة تتمثل في امتصاص غضب الحركات النسائية وكذا استحضار بعض التحليلات الدستورية بشأن عدم «شرعية اللائحة»، لكن مع ذلك، ستلفى هذه الأطراف نفسها مسنودة بالهيئات التنفيذية للأحزاب السياسية المتبارية على كرسي رئاسة الحكومة، التي تبحث بشتى الوسائل لاحتواء شبيباتها، التي أصبحت تسبب الكثير من «وجع الرأس» للقيادات الحزبية.