يرتقب أن يفضي مشروع قانون المالية الذي تعده الحكومة إلى اتخاذ إجراءات تخول الرفع من القدرة الشرائية التي تآكلت بفعل ارتفاع الأسعار، وبث المؤشرات التي تبشر بالأولوية التي يفترض أن تحظي بها الطبقة الوسطي، والاستجابة لمطالب الباطرونا، غير أن حركة الحكومة مطوقة بإكراهات تتمثل في ارتفاع أسعار البترول والمواد الأولية والمواد الغذائية المستوردة، مما يجعل من الصعوبة بمكان الضغط على النفقات، علما بأن السلطات العمومية تحرص على الحفاظ على النواة الصلبة لموارد الميزانية الممثلة في العائدات الضريبية. وتفيد المعطيات، التي رشحت في الآونة الأخيرة والتي تتماشى مع تصريحات وزارة المالية، بأن السلطات العمومية تراهن على معدل نمو اقتصادي ب6 .8 في المائة من الناتج الداخلي، مقابل 6.1 في المائة في السنة الجارية، في نفس الوقت الذي تتوقع فيه عجزا موازنيا ب3 في المائة وتضخما ب3 في المائة.. توقعات طموحة في ظل ظرفية اقتصادية تبقى متقلبة لتحكم التساقطات المطرية وضعف الطلب الخارجي الموجه إلى المغرب وارتفاع أسعار بعض المواد المستوردة التي تتمتع بالدعم عبر صندوق المقاصة، مما سيدفع الحكومة إلى بناء توقعاتها على أساس برميل نفط ب120 دولارا عوض75 دولارا في السنة الجارية. ويبدو أن اهتمام واضعي مشروع قانون مالية السنة القادمة سينصب على كبح جماح نفقات الدعم، بحيث توقع وزير الاقتصاد والمالية حصرها في حدود 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام، أي 20 مليار درهم بعدما ذهبت التوقعات إلى إمكانية بلوغها 34 مليار درهم في السنة الجارية، في نفس الوقت الذي يفترض أن ترتفع نفقات الاستثمار خاصة في ظل المشاريع التي انخرطت فيها بعض الوزارات، غير أن مراقبا مطلعا يرى أنه لن يطرأ أي تغيير على نفقات التسيير والدين على اعتبار أنها غير قابلة للضغط عليها، فنفقات التسيير سيصعب حصرها في ظل تداعيات الحوار الاجتماعي، علما بأن السلطات العمومية سعت في السنوات الأخيرة إلى محاصرة ارتفاع الأجور، خاصة من خلال التقليص التدريجي لمناصب الشغل المحدثة بالقطاع العام، والتي لا تتعدى في الغالب 7 آلاف منصب، تخصص في الغالب للسلالم العليا. وإذا كان متوقعا تقديم تقرير حول النفقات الجبائية كما في الثلاث سنوات الأخيرة، والتي تحيل على الإعفاءات الجبائية والأنظمة الاستثنائية، بحيث تحاول السلطات العمومية تقليصها عبر تضريب القطاعات التي تستفيد منها، فإنه ينتظر أن تفي الحكومة بوعدها بتخفيض المعدل الأعلى للضريبة على الدخل من 42 في المائة إلى 40 في المائة ورفع الشريحة المعفاة من25000 إلى 30000 درهم، مما سيؤشر إذا ما كانت التوترات التضخمية ستؤثر على وفاء الحكومة بدعم الطبقية الوسطى ورفع التأطير داخل المقاولات الصغرى والمتوسطة وتحسين القدرة الشرائية للفئات التي تضررت أكثر من ارتفاع الأسعار. وفي الوقت الذي قد تلجأ فيه السلطات العمومية إلى خفض الضريبة على القيمة المضافة من 20 في المائة إلى 19 في المائة، يبدو أن الباطرونا المغربية، قد تجد صعوبات كبيرة في الحصول على تخفيض للضريبة على الشركات، بعد تخفيض معدلها من 35 إلى 30 في المائة، إذ تعول الدولة على عائداتها من أجل تغذية مواردها، فقد انتقلت حصة الضريبة على الشركات من 14 .7 في المائة في 2002 إلى 20.3 في المائة في 2007، متقدمة لأول مرة على الضريبة على الدخل، وهو ما سيجبر السلطات العمومية على التمسك بهذه العائدات، لكن هل تستجيب لمطلب تكييف معدل الضريبة على الشركات حسب حجمها؟ الأكيد أن الباطرونا سوف تضغط على السلطات العمومية من أجل تلبية بعض انتظاراتها الضريبية التي ضمنتها في كتابها الأبيض، خاصة وأن مسؤولي الاتحاد العام لمقاولات المغرب سيحاولون تحقيق إنجاز قبل انتخابات الباطرونا في الصيف القادم.