حميد الكانوني هو ثالث حالة وفاة حرقا حتى الموت. بينه وبين محمد البوعزيزي مفجر ثورة الياسمين قواسم مشتركة، فكلاهما كانا شابين في مقتبل العمر واشتغل كلاهما كبائع متجول بعربة مجرورة. لم يكن حميد الكانوني، الشاب الذي غادر مدينة فاس بحثا عن مصدر رزق، يدري أن حياته ستنتهي بشكل مأساوي في مدينة بركان، بعدما أقدم في ال7 غشت المنصرم على الانتحار حرقا أمام مقر للشرطة. لم يكن حميد يعاني من أي مرض نفسي وإنما من مرارة وصعوبة العيش بعدما طُرِد من عمله في إحدى المخابز دون تمكينه من مستحقاته، ليجد نفسه دون عمل، وسط دوامة الحياة وغلاء المعيشة. لم يجد بدا للخروج من أزمة بطالته سوى أن يتخذ لنفسه عربة يجرُّها، يبيع عليها الخبز في سوق «الطحطاحة»، الواقع وسط المدينة. اعتاد الكانوني، البالغ من العمر قيد حياته 27 سنة، أن يضع عربته في مكان قريب من المخبزة التي طُرِد منها، إلا أنه وفي ذلك اليوم حدثت مشادات بينه وبين صاحبة المخبزة وأحد عمالها، نُقِلا على إثرها إلى مركز للشرطة. ففي حوالي الساعة الخامسة من زوال ذلك اليوم، فوجئ سكان المدينة بإقدام شاب على إحراق نفسه أمام مقر مركزي للشركة في المدينة بعدما صبّ على نفسه البنزين وأضرم النار فيها بولاعة، ظل ممسكا بها حتى بعد أن أطفئت النيران المشتعلة في جسده. نُقِل حميد وهو فاقد الوعي إلى قسم المستعجلات في مستشفى «الدراق»، المحلي، قبل أن يتم نقله إلى مستشفى «ابن رشد» في الدارالبيضاء، نظرا إلى خطورة الحروق التي أصيب بها. وهناك، توفي صباح يوم الثلاثاء، 9 غشت 2011، متأثرا بجروحه. وأفادت شهادات أن الراحل أقدم على هذا الفعل احتجاجا على الإهانة التي تَعرَّض لها في المركز من طرف مسؤوليْن أحدهما مسؤول في الضابطة القضائية، وأنه توفي بعدما صب 5 لترات كاملة من البنزين على نفسه وأشعل النار في جسمه، دون أن يلاقي محاولات جدية لإنقاذه. فيما أكد صديقه أن حميد الكنوني كان يبيع الخبز على متن عربة مجرورة، طيلة الأيام الخمسة الأولى لشهر رمضان أمام المسجد الكائن بشارع محمد الخامس في قلب مدينة بركان، قبل أن تباغته دورية لرجال الشرطة قامت بمصادرة عربته والاعتداء عليه بالصفع والكلام النابي، بناء على طلب صاحبة المخبزة. وفي المقابل، صرّحت مصادر أمنية أن الكانوني أنهى حياته بتلك الطريقة بعدما فوجئ، عقب مغادرته قسم الشرطة، بتعرُّض بضاعته للتلف من طرف شخص مجهول وأن رجال الأمن حاولوا التدخل لإنقاذه... وبين هذا القول وذاك، تبقى الحقيقة الوحيدة المؤكدة هي أن روح الكانوني أُزهِقت بسبب «الحكرة»، التي أحس بها، وهي كلمة رددها مرارا، رغم تدهور حالته الصحية وظلت «تُعذّبه» حتى مماته. في ليلة الأٍربعاء، 10 غشت 2011، شُيِّع جثمان الراحل من منزل أسرته في «حي الوفاق» في فاس في اتجاه مقبرة «باب الكيسة»، تاركا وراء أسرة كان معيلَها الوحيد بعد وفاة الأب.