حالة رعب حقيقي عاشتها ساكنة مدينة آسفي ابتداء من الساعة الثامنة مساء من ليلة أول أمس الخميس إلى حدود الثالثة صباحا، بعد هبوب غازات خانقة على المدينة، قادمة من أقصى جنوب المدار الحضري من مداخن المركبات الكيماوية ل«مغرب فوسفور»، التابعة للمكتب الشريف الفوسفاط، حيث سُجِّلت حالات إغماء جماعي للساكنة وتوافد أعداد كبيرة من ضحايا الاختناقات بالغازات الكيماوية على المصحات الخاصة وعلى مستشفى محمد الخامس وعلى أطباء القطاع الخاص، فيما اضطر عدد كبير من المواطنين إلى إقفال نوافذ بيوتهم والاستعانة بكمامات وضعوها على أنوفهم. و قد أعاد هذا الحادث فاجعة المعمل النووي بمنط قة تشرنوبل السوفياتية سنة 1986 التي راح ضحيتها آلاف المواطنين الروس ما بين جرحى وقتلى. وقال مصدر رسمي من مستشفى محمد الخامس، في حديثه إلى «المساء»، إن مختلف مصالح المستشفى استقبلت 61 حالة، أغلبها من النساء والأطفال، من بينهم حالتان كانتا في حالة اختناق قصوى اضطر الطاقم الطبي إلى وضعهما في قسم الإنعاش، إحداهما حالة طفل لم يتجاوز الخامسة من عمره، وقال المصدر ذاتُه إن أغلب الحالات التي كانت ضحية تسرُّب غازات «كيماويات المغرب» كانت تعاني من اختناق حادّ في الجهاز التنفسي ومن صعوبات كبيرة في التنفس، مع حالة غثيان وفقدان للتوازن والوعي. من جهتها، نفت إدارة «كيماويات المغرب»، من خلال أحد مسؤولي التواصل لديها، في حديثه إلى «المساء»، وجود تسرب للغازات عن طريق الخطأ، وعن نوعية الغاز الذي تسبب في اختناق مدينة بأكملها، قال المتحدث ذاتُه إن الأمر يتعلق ب»ديوكسيد الكبريت»، مضيفا أن هدوء واستقرار أحوال الطقس وانعداما تاما في حركية الرياح هما اللذان تسببا في جر الغازات من مداخن المعامل الكيماوية إلى وسط المدينة بعد مرور رياح على المنخفض الجوي، مشيرا في الآن نفسه إلى أن إدارة المكتب الشريف للفوسفاط تفاجأت، بدورها، بهذا الحادث ولم يكن مطلقا مدرجا في فرضيات المخاطر المهنية التي تتوفر عليها الإدارة. إلى ذلك، وصفت ساكنة مدينة آسفي، مع عدد من الفعاليات الحقوقية، ما وقع أمس ب»الإبادة الكيماوية»، وقال الفاعل الحقوقي عبد الدائم الغازي، في هذا الصدد، إن مداخن المعامل الكيماوية مفروض فيها توفّرُها على مصفاة حمايةً لصحة الساكنة، متسائلا في الآن نفسه إلى متى ستتحمل مدينة بأكملها، وبأجيالها، مخاطر التلوث الكيماوي، قبل أن يشير إلى أن ما تسرب من «كيماويات المغرب» في آسفي لا يُعَدّ جريمة في حق البيئة وصحة الساكنة فقط بل دمارا للتنمية والاستثمار ولمستقبل العيش في المدينة، على حد قوله. من جهة أخرى، التزمت ولاية آسفي الصمت إزاء الحادث وتركت عشرات الآلاف من المواطنين في حالة ذعر وهلع، في غياب الإسعافات الضرورية. وقد كان ملفتا للانتباه غياب دوريات خاصة بسيارات الإسعاف تجوب الأحياء الشعبية والمناطق السكنية الآهلة بالسكان واختفاء رجال السلطة. وقد اضطر عدد كبير من السكان إلى صب المياه على وجوههم، بعدما تَعذّر عليهم استنشاق الهواء بفعل هبوب ضباب كيماوي كثيف عبارة عن «ديوكسيد الكبريت»، وتَحصَّن أغلب السكان إلى بيوتهم وعمّت الفوضى والهلع مستشفى محمد الخامس وشوارعَ المدينة، ولم تجد ساكنة مدينة بأكملها مخاطبا رسميا يُطمْئنها أو يقدم الإسعافات الضرورية لها في الأحياء السكنية البعيدة عن المستشفى الإقليمي. وطالب إدريس الثمري، الكاتب المحلي لحزب العدالة والتنمية بإيفاد لجنة تحقيق مركزية عبر مكتب خبرة دولي للبحث والتقصي في رواية المكتب الشريف للفوسفاط، الذي استبعد حادث التسريب واعتبر الأمر «عاديا ناتجا عن الأحوال الجوية»، قبل أن يضيف أن إدارة الفوسفاط فقدت «كل المصداقية»، حسب قوله، وأن عليها الخروج عن صمتها ومصارحة الساكنة بالحقيقة، لأن الأمر لا يتعلق بتلويث للبيئة فقط، بل تعدى ذلك إلى تعريض حياة وأمن سكان مدينة بأكملها إلى خطر الموت، حسب تعبيره.