في تحد لعباس الفاسي، رئيس الحكومة، والاستقلالي عبد اللطيف معزوز، وزير التجارة الخارجية الاستقلالي، علمت «المساء» من مصادر مطّلعة أن لجنة تقصي الحقائق حول الاختلالات التي عرفها مكتب التسويق والتصدير قررت، أمام ما تعتبره عرقلة لعمل اللجنة وتسترا على حالة من حالات الفساد التي طالت إحدى المؤسسات العمومية الأكثر حيوية، ترْكَ القاعة المخصصة لها في مجلس المستشارين لتُباشر أعمال التقصي في مقر مكتب التسويق والتصدير في الدارالبيضاء. وكشفت المصادر أن اللجنة قررت الانتقال، يوم الخميس القادم، إلى مدينة الدارالبيضاء من أجل مباشرة مهمتها الرقابية داخل المكتب، حيث ينتظر أن يستمع أعضاؤها إلى نجيب ميكو، مدير المكتب، وتطّلع على الوثائق التي تراها ضرورية لاستكمال عملها، خاصة في ظل حديث أعضائها عن تلكؤ مسؤولين سياسيين وإداريين عن تزويد اللجنة بتلك الوثائق وسيادة تخوف من أن تلجأ الجهات الإدارية والسياسية المسؤولة إلى «تكتيك» تزويد اللجنة، في الأنفاس الأخيرة من عمرها، بالوثائق والمعلومات التي طالبت بها. وقالت المصادر المذكورة إنه «لا يمكن للجنة، وهي في منتصف عمرها، أن تنتظر إلى ما لا نهاية تزويدها بالوثائق التي تطالب بها، لذلك قررت الانتقال إلى مرحلة أخرى من التعامل من خلال زيارات ميدانية وإجراءات أخرى»، مشيرة إلى أن اللجنة قررت كذلك توجيه مراسلة لرئيس الحكومة ليتحمل مسؤوليته بخصوص التعنت الذي يُبْديه مسؤولون إداريون وسياسيون بخصوص تزويد اللجنة بالوثائق اللازمة. إلى ذلك، أفادت المصادر أن خيار التهديد بالاستقالة من اللجنة، الذي يُلوّح به رئيسها وعدد من أعضائها، ما يزال قائما، مشيرة إلى أن بداية الدورة الخريفية لمجلس النواب ستكون مناسبة لاتخاذ القرار بهذا الشأن. وفيما تتحدث مصادر متابعة لملف مكتب التسويق عن تصفية وتفويت نحو 17 شركة تابعة للمكتب بطرق أثارت الكثير من الشكوك لمسؤولين وقياديين حزبيين، اكتفت مصادر مقربة من اللجنة بقولها، في اتصال مع «المساء: «هداك الشّي كارثي، ولا حول ولا قوة إلا بالله». وقد استأنفت اللجنة، التي يرأسها عبد الحكيم بنشماش، نائب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، أعمالها باستدعاء سعد بنعبد الله، مدير المركز المغربي لإنعاش الصادرات (مغرب تصدير) أول أمس الأربعاء، إلى مجلس المستشارين. وحسب مصادر مقربة من اللجنة، فقد اضطر مدير «مغرب تصدير» إلى الحضور وتلبية الاستدعاء الثالث للجنة، بعد أن كان هذا الأخير، ولمرتين متتاليتين، قد رفَض المثول أمام اللجنة، بحجة عدم وجود صفة قانونية تؤهّله لحضور جلسات استماع اللجنة، وهو التبرير الذي لم تقبله اللجنة، حيث عاودت مراسلته عن طريق انتداب مفوض قضائي، فكان جوابه الثاني الموقع من طرف الكاتب العام للمركز الوطني لإنعاش الصادرات الاعتذار عن إمكانية حضور مديره بدعوى أن هذا الأخير في مهمة رسمية خارج أرض الوطن، سيتبعها مباشرة دخوله في فترة إجازة إدارية، وهو ما تطلب توجيه استدعاء ثالث له. ورغم حضور المدير، فإن اللجنة لم تتمكن من الاستماع إليه بسبب ما أسمتْه مصادر «المساء» تخلف بعض أعضاء اللجنة عن الحضور نتيجة سوء تفاهم وقع بخصوص ساعة عقد جلسة الاستماع، ليتم إرجاء ذلك إلى يوم الأربعاء القادم. وكان بنشماش قد اعتبر، في ندوة صحافية نُظّمت مؤخرا وقاطعها الأعضاء المنتمون إلى حزب الاستقلال، أن «مسؤولية رئيس الحكومة ثابتة في عدم تسهيل مأمورية اللجنة وحث وزرائه على تزويدها بالوثائق والبيانات الضرورية لعملها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى القطاعات الحكومية التي لم تُبْدِ تعاونا مع اللجنة»، معتبرا أن الحكومة لا تتوفر على الإرادة الكافية للانخراط في المبادرات الدستورية الرامية إلى تخليق الحياة العامة وإلى محاربة الفساد وتنزيل أحد المرتكزات الأساسية التي يتضمنها الدستور الجديد، والمتعلق بمأسسة الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة. وعدّد بنشماش العراقيل التي اعترضت عمل أول لجنة تقصٍّ في تاريخ الغرفة الثانية، مشيرا إلى توجيه رئيس الحكومة، في نهاية الشهر الماضي، رسالة لرئيس مجلس المستشارين، مطالبا إياه بترتيب الآثار القانونية المرتبطة بالشكاية التي تَقدّم بها وزير التجارة الخارجية والمدير العام للمكتب إلى الوكيل العام للملك، ومطالبا من خلالها بفتح تحقيق قضائي حول بعض الاختلالات التي عرفها المكتب. واعتبر أن إحالتها في هذه الظرفية خطأ سياسي لا يخلو من سوء نية، ما دامت الاختلالات قد ظهرت منذ سنوات ولم يتمَّ تحريك أي مسطرة أو إجراء قضائي. وكشف بنشماش أن اللجنة قررت الاستمرار في عملها إلى أن تتوصل بمراسلة من رئيس مجلس المستشارين، باعتباره الجهة المخول لها قانونا إيقاف عملها، دون أن يسقط خيار طلب تحكيم المجلس الدستوري من خيارات اللجنة لمواجهة ما تعتبره محاولات التخلص منها، موضحا أن اللجنة قررت التشبث بمتابعة أشغالها والمضي في ممارسة وظيفتها الرقابية، مع استثناء الفترة موضوع الشكاية.