في مقال سابق، كنا قد وصفنا الإعلام المغربي بالعذاب، ولا زلنا على تلك الصفة، فلا شيء تغير، ولا مؤشرات تدل على أن حال هذا الإعلام سيتغير. وفي ذات المقال، أشرنا إلى أن جرعات الرداءة تتضاعف في الشهر الفضيل الذي استقبلناه هذه السنة بدون أمل، وكنا متأهبين لاستقبال كل الوجبات الرديئة التي تطبخ على عجل في القنوات المغربية، فكيف لا والمتلقي هو مجرد مواطن مغربي...! لقد علمتنا تجربتنا المريرة مع قنواتنا أن نتعايش مع هذا المعروض ونقبله في صمت أو نهجره. لا داعي إلى أن أتحدث للقارئ عن برامجنا، فأنا أخجل من ذلك.. لكن لا بأس: هناك مسلسلات كثيرة، طبعا بلهجتنا المغربية، ولكنها ليست مغربية الأصل، فقد توصل القيمون على هذا الإعلام إلى أن الاقتصار على دبلجة هذه المسلسلات باللغة العربية، كما كان عهدنا بها، سيحرمهم من فئة من لا يجيد العربية، وهي فئة كبيرة جدا في مجتمعنا المغربي بفعل فاعل، فأصبحت هذه المسلسلات -المنتقاة بعناية فائقة بهدف الإساءة وفقط الإساءة إلى هذا الشعب وأخلاقه- مثل لوحات كوميدية مرئيها شيء ومسموعها شيء آخر. بعد هذه المسلسلات، هناك مسلسلات تشبه التي حدثكم عنها تماما، ولا يفصل بينها شيء إلا وصلات الإشهار، الذي يستحق هذه السنة صفة أفضل وسيلة عذاب... لا تستعجبوا من أمر هذا الحكم فالتبرير آتٍ... في هذا الشهر المبارك، لاحظ كل المغاربة تهافت مجموعة من الفنانين على الاشتراك في مختلف الوصلات الإشهارية، من كل المجالات حتى التافه منها، أوان مطبخية ومواد منزلية ومواد نظافة وأشياء أخرى كثيرة جدا... قد تقول لي أيها القارئ الكريم إن الوصلات الإشهارية هي أشياء اعتيادية مألوفة في كل القنوات، وأنا لا أخالفك الرأي في ذلك، فلكل فنان الحق في الاستفادة من نجوميته للتسويق لمنتوج -له معايير محددة- يعود عليه بالربح، لكن الذي ليس مألوفا أن نتابع يوميا في وقت الذروة، أي بعد الإفطار مباشرة، إعلانا لشركة عقارية اسمها «الضحى» تشارك فيه مجموعة من الفنانين المغاربة. عندما شاهدت هذا الإعلان للوهلة الأولى، ظننت أن الأمر يتعلق بحملة للتبرع أو حملة للتحسيس ببعض المظاهر السلبية التي تنخر جسد المجتمع المغربي أو حملة لمساندة بلد عربي في ثورته، بل ذهبت بي الظنون أبعد من ذلك وخلت هذا الجمع من الفنانين قد اجتمع فقط لقول: «رمضان مبارك»... لكن لم يكن أي من ذلك صحيحا، ولم يكن أيضا أي من أولئك الذين شاهدتهم في هذا الإعلان مخلصا لقيمة الفن، وبدا بينه وبين هذه الصفة -من البعد- ما كشف أنها كانت فقط قناعا وسقط. كيف يجتمع كل هؤلاء الممثلين والمغنيين والمنشطين، في المشاركة في إعلان لشركة عقارية لم تترك بقعة خضراء إلا وجعلتها أبنية إسمنتية، بل بلغ بها الجشع حد حرمان بعض المدن من حدائق الحيوانات والمرافق العمومية، هل تحمّل أيٌّ من هؤلاء -قبل إمضاء تعاقد الإعلان واستلام مائة ألف درهم- الذهاب في جولة قصيرة إلى أحد تلك المركبات السكنية للوقوف على معاناة الناس الذين اقتنوا شققها بناء على هذه الإعلانات الكاذبة، لينتهي بهم الأمر في شقق من جحيم؟ كيف سمح هؤلاء لأنفسهم بأن يقدموا إعلانا لشركة تساهم في إشعال أزمة السكن بدل حلها، كيف سمحوا لأنفسهم بأن يقدموا إعلانا لشركة تحصل على بقع أرضية بطرق مشبوهة؟ هل تساءلوا عن مصدر الأموال التي دفعت لهم بسخاء؟ كيف استطاعوا قبل كل هذا التنازل عن صفة نبيلة هي الفن مقابل مائة ألف درهم...؟ سأتحفّظ منذ الآن في إطلاق صفة فنان وسأسحبها من كل الذين باعوا المغاربة كذبا، وفي مقابل ذلك أتمنى أن يكون من بين الفنانين المغاربة من اعتذر عن المشاركة في هذا الإعلان أو ما شابهه، لسبب من الأسباب التي ذكرتها أو غيرها، فأنا أرسل إليهم ألف تحية ووردة حب.