سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أحمد الحلبة: بعد الظلم الذي أصابني سأعود إلى المنفى وأموت هناك بعيدا عن وطن أحببته كثيرا ولم يرد إلي الاعتبار حملة دولية واتصالات عديدة تلقتها وزارة العدل قبل أن تفتح تحقيقا في قضيتي وتتم تبرئتي
أحمد الحلبة السميري، المناضل الأممي الذي قدره العالم, أول مغربي قائد ضمن الفرقة 17 في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، جالس كبار الساسة والمناضلين العرب وتنقل بين فلسطينوفرنسا وإيطاليا والعراق والجزائر، شارك في أحداث 20 غشت 1955 التي شهدتها مدينة وادي زم وعمره 15 سنة، وأصيب خلالها بجرح، قبل أن يجد نفسه بعد سنوات معتقلا في درب مولاي الشريف رفيقا لمحمد الفقيه البصري سنة 1963. رحل إلى الجزائر ومنها إلى فرنسا، ثم انتقل إلى إيطاليا قبل أن ينخرط في صفوف المقاومة في فلسطينالمحتلة، وهناك تعرف على كبار رموزها ونسجت بينه وبينهم صداقات متينة، فقد كان صديقا لياسر عرفات وكثير من قادة منظمة التحرير، وجليسا لصدام حسين ومستشارا له، ومفاوضا لإيطاليا لدى الخميني عقب الثورة الإسلامية، وصديقا لزعماء إيطاليا ومفكريها، أما لائحة أصدقائه من المفكرين والشعراء فهي طويلة، ومنهم نزار قباني، أدونيس، محمود درويش، محمد أركون، الفيتوري، جمال الغيطاني، لطفي الخولي، إيميل حبيبي.. يتحدث إلى «المساء» في كرسي الاعتراف عن رحلته الحافلة ونجاته من عدة محاولات للاغتيال، قبل أن يتنكر له بعض أبناء الوطن ولتاريخه الكبير وتتم إهانته باعتقاله وتلفيق تهمة دنيئة له، قضى على إثرها ثمانية أشهر في عتمة السجن قبل أن تتم تبرئة ساحته في انتظار رد الاعتبار إلى شخصه. - كيف قضيت فترة السجن قبل أن تحدد جلسة استئناف محاكمتك؟ قضيت أياما عصيبة، وقد فكرت في لحظات معينة في الانتحار أمام الظلم الذي شعرت به، فكل النضال وكل المحطات التاريخية التي عشتها أصبحت تبدو لي كسراب، وأصبحت أرى نفسي مجرد رقم وسط المعتقلين من القتلة واللصوص، بل ومتهما بترويج المخدرات الصلبة، ولا أحد كان يلتفت إلى ما أقدمه ويقدمه أصدقائي من أدلة وبراهين تثبت بعدي عن تلك التهمة واستحالة قيامي بها، بل اعتقلت لأنني حاربتها حربا لا هوادة فيها.. كنت أعد الساعات، وأتعرض لمضايقات من عناصر العصابة التي يقودها تاجر المخدرات الذي كنت قد شكوته إلى وزير الداخلية وإلى إدارة الأمن الوطني وإلى الدرك الملكي، ولولا أنني كنت أتقن بعض فنون الحرب ودافعت عن نفسي لكنت في عداد القتلى داخل السجن. سألتني: كيف مرت تلك الفترة؟ لقد دمرت معنوياتي بشكل كبير، وتركت في نفسي مخلفات لا يمكن نسيانها بسهولة.. تصور أن زوجتي «حكيمة»، التي كانت حاملا في أشهرها الأخيرة، كانت تتحمل عناء التنقل يوميا من المنزل بالقرب من أبي الجعد إلى السجن الفلاحي خارج الفقيه بن صالح ثلاث مرات في اليوم، ولك أن تتصور حجم المعاناة التي كابدتها جراء ذلك، بالإضافة إلى ما كانت تحكيه لي خلال الزيارات من تفاصيل تعرضها لكثير من الضغوطات والمساومات. - كيف تلقى أصدقاؤك ومعارفك خبر اعتقالك واتهامك بالمتاجرة في المخدرات؟ أحدث اعتقالي واتهامي بالاتجار في المخدرات صدمة وسط الأصدقاء والمعارف داخل المغرب، لكن الصدمة كانت أكبر في الخارج، ولم تتوقف الاتصالات والاستفسارات حول الملف، حيث بعث الصديق الدكتور بطرس بطرس غالي، الأمين العام السابق للأمم المتحدة ورئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، برقية إلى وزير العدل آنذاك عبد الواحد الراضي، يطلب منه فيها فتح تحقيق في الملف لمعرفته الشخصية بي وتأكده من استحالة تورطي في تلك القضية، كما بدأت وزارة العدل تستقبل مراسلات من الأصدقاء والمنظمات الدولية، وكانت من ضمنها رسالة بعثت بها لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الإيطالي، ذيلت بتوقيعات العديد من البرلمانيين، وكان وراءها البرلماني «بيستيلي»، بالإضافة إلى الاتصالات التي كانت ترد على الوزارة وعلى المسؤولين المغاربة من طرف أصدقائي في الحزب الشيوعي الإيطالي ومن مثقفي اليسار الإيطالي، بل اتصل بزوجتي حينها وبعد خروجي من السجن أيضا كثير من الأصدقاء وأخبروني بقرارهم رفع دعوى قضائية أمام المحاكم الأوربية وطرح القضية على أنظار الاتحاد الأوربي لما شهدته تلك القضية من تلفيق للتهمة وخروقات عديدة، لكنني شكرت كل المتضامنين معي من برلمانيين وغيرهم، مفضلا أن يعاد الاعتبار إلي في بلدي الذي قاومت فيه وأنا طفل صغير وساهمت بنصيبي من النضال من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة. - وماذا عن أصدقائك في المغرب؟ لقد اتصل العديد منهم بهيئة المحكمة مستنكرين ما أتعرض له، كما قام مناضلو حزب الاتحاد الاشتراكي في مدينة خريبكة بتنظيم لقاء لزوجتي «حكيمة» بوزير العدل حضره الصديق الحبيب المالكي، وفيه تم تقديم طلب بإعادة النظر في الملف وفتح تحقيق للوقوف على ملابسات القضية الملفقة لي، وهي خطوة زكتها تحركات دولية أخرى. - ماذا كان موقف أصدقائك القدامى في فلسطينوبيروت؟ لقد صدم أغلبهم بنبأ التهمة الملفقة لي، بل اتهموا من يقف وراءها بشبهة علاقته بالموساد الصهيوني، لمعرفتهم بألاعيبه وشبكاته الأخطبوطية في العالم العربي، وكانت رسالة الدكتور سمير غطاس -محمد حمزة- رئيس «مقدس» المركز القومي للدراسات الاستراتيجية والأمنية، إلى وزير العدل المغربي خير تعبير عن الصدمة التي خلفها حادث تلفيق تلك التهمة المفبركة لي، ومما جاء في تلك الرسالة ما يلي: «... نلتمس منكم تأمل وتدقيق وتتبع ما أصاب أحد أبناء المغرب الأوفياء، أخونا المناضل أحمد الحلبة، ابن مدينة وادي زم الشهيدة... والذي وبكل صدق فاجأتنا تلك التهم غير الأخلاقية التي حيكت له، إنه الفعل الذي نجزم قاطعين بأنه بعيد كل البعد عن هذا الرجل المناضل الوطني العربي القومي، الذي أحب قضيته الوطنية وربطها بشكل مقدس بالقضية الفلسطينية،.. رجل نعرفه ونعرف كل التفاصيل عنه.. مما جعلنا نتساءل: ما هي الأيادي الخفية التي نسجت هذه المؤامرة الدنيئة ضده؟ ومن المستفيد من تلطيخ هذا الإرث الوطني القومي الذي يحمله هذا الرجل الشريف؟ هل هي أيادٍ خفية محلية هناك؟ هل هي أيادٍ ملتوية صهيونية هنا وهناك؟.. رجل نؤكد لكم، السيد الوزير،.. الواضع لبصمات مغربية على العديد من المحطات النضالية الفلسطينية والعربية من بيروت إلى دمشق، من بغداد إلى عدن، رجل أضحت خدماته تشكل اليوم إرثا علينا جميعا أن نعتز به، بصمات مغربية وضعها هذا الرجل في العديد من تحركاته وفي علاقته بالقيادة الفلسطينية والعربية، من أبي عمار ياسر عرفات إلى صدام حسين.. ننتظر منك السيد الوزير إنصاف هذا المناضل الذي قضى ثمانية أشهر ظلما،.. وإعادة الاعتبار إلى مناضل حقيقي ناضل على جميع الجبهات..». وقد علمت فيما بعد بأن رسائل عديدة وصلت إلى وزارة العدل من العديد من الأصدقاء السياسيين والمثقفين في العالم العربي وفي أوربا، كانوا يعتزمون تنظيم وقفات احتجاجية أمام السفارات المغربية في الخارج، لاستنكار تلفيق التهمة لي والتساؤل حول علاقتها بالإساءة إلى ذلك الماضي النضالي، وأعتقد أن كل تلك الجهود أسفرت عن مفاجأة إرجاع الأمور إلى نصابها في الاستئناف. - لماذا وصفت ما وقع في مرحلة الاستئناف بالمفاجأة؟ لأن مسار القضية ككل كان غريبا انطلاقا من الشكايات التي تقدمت بها، ومرورا بتحولي من شاهد ومشتك إلى متهم، ثم إلى معتقل وسجين يقضي عقوبة حبسية، وكل الأدلة والدفوعات التي تقدمنا بها في الجلسة الابتدائية والتي لم يتم الاهتمام بها، لنجد أنفسنا في فترة الاستئناف أمام نفس جديد أخذ بكل التفاصيل، بل وأخرجت هيئة المحكمة قضية أخرى كان تاجر المخدرات متورطا فيها، بسبب شكاية كنت قد رفعتها ضده أيضا، وكذا إقحام اسمي في قضية اتجار في المخدرات بناء على عداوة وشكاية كيدية ضدي من قبل رئيس العصابة تاجر المخدرات، وتبين للمحكمة أن الملف المعروض على أنظارها يتعلق بمساطر مرجعية. وبناء على التصريحات المتناقضة لأفراد العصابة ولشهادة الشهود، تبين أن كل المرحلة الابتدائية كانت غامضة، لتقضي المحكمة ببراءتي يوم 11 غشت 2009 وأغادر السجن بعد ثمانية أشهر من الاعتقال بالسجن المدني في مدينة الفقيه بن صالح، كلها معاناة ومآس، وحلت لجنة من المفتشية العامة التابعة لوزارة العدل بمدينة خريبكة لفتح تحقيق في التهمة الملفقة لي واستفسار ومحاسبة الذين نسجوا تلك الحكاية، وذلك بعد أن تطرقت جرائد وطنية للقضية وتساءلت عن الهدف من تلفيق تلك التهمة الرخيصة لي ومحاولة الإساءة إلي، لكن نتائج ذلك التحقيق لا زالت لم تظهر حتى بعد مرور سنتين، وهو ما يشعرني اليوم، كما يشعر كل الأصدقاء، بخيبة أمل كبيرة ستضطرني إلى تنفيذ قرار طالما تجنبته منذ عودتي إلى المغرب. - ما هو القرار الذي تجنبت اتخاذه منذ عودتك إلى المغرب؟ كنت أنتظر رد الاعتبار إلي، لكن يبدو أن تأخر نتائج لجنة التحقيق وراءه أجوبة عديدة، لقد كان الهدف من تلك المؤامرة التي تعرضت لها تشويه مساري النضالي الممتد على مدى خمسة عقود، منذ خمسينيات القرن الماضي، وهي مؤامرة دنيئة جعلتني أفكر، طيلة مدة سجني، في الدرجة التي وصلت إليها النذالة بمن يقف وراءها، فبعد الاعتقال في درب مولاي الشريف مع كبار الوطنيين من أمثال الفقيه البصري وغيرهم، وبعد سنوات المنفى في الجزائر وفي فرنسا والتي جالست خلالها المهدي بنبركة وكبار المناضلين، وبعد مسار طويل في إيطاليا وفي بيروت مع ما رافقه من تقلدي لمسؤوليات جسيمة وتقديمي لتضحيات كبيرة خدمة للقضية الفلسطينية وما تخللها من علاقة وطيدة بياسر عرفات وقادة منظمة التحرير، وبعد صداقة قوية بصدام حسين ومجالسة الخميني وكمال خير بك والأمير الأحمر وأدونيس ومحمود درويش وأركون ونزار قباني... وكل تلك المساهمات من أجل القضية الوطنية، أجد من يكافئني بأن يلفق لي تهمة رخيصة جدا، بسببها قضيت ثمانية أشهر في السجن لم أعان من مثل قسوتها في حياتي، أنا اليوم بصدد بيع ممتلكاتي في المغرب، بعد أن انتظرت طويلا وبلا طائل رد الاعتبار إلي، لأنني قررت العودة إلى المنفى لأموت هناك بعيدا عن وطني الذي بدأت أشعر بندم كبير على أنني فكرت يوما في معانقته بعد سنين من الاغتراب والنأي عنه.