يدخل مسلسل التعديلات المقترحة من قبل الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات على القانون المنظم للبريد والمواصلات والمراسيم المصاحبة له مراحله النهائية، في أفق المصادقة عليه، مع انتهاء المهلة الممنوحة للاستشارات المفتوحة للعموم بعد يومين من الآن، وهي المرحلة التي تلت مرحلة أولى تميزت بتوصل الوكالة بعدد من المقترحات والملاحظات من طرف الفاعلين في القطاع، وخاصة «اتصالات المغرب» و«ميدتيل» اللتين قدمتا، على خلاف «إينوي»، أكبر عدد من المقترحات التي سعى من خلالها الفاعلان إلى إعادة صياغة النصوص المعروضة على التعديل بما يخدم مصالحهما، في حين اكتفت الوكالة بإدراج بعض الملاحظات الطفيفة، ورفضت بالمقابل التعديلات الجوهرية التي تمس روح القانون، بمبرر أنها تصب أكثر في مصلحة الفاعلين، وتتعارض مع رغبة الوكالة في ضمان نمو على المدى البعيد للقطاع الذي تطور بشكل كبير خلال العشرية الأخيرة. وفي هذا الصدد قال مسؤولو الوكالة، جوابا على استفسارات «المساء» بخصوص الملاحظات التي أبداها المتعهدون على التعديلات المقترحة، «من الطبيعي أن تدافع الملاحظات الخاصة بكل متعهد، التي يمكن أن تختلف أو تتفق مع رؤية الوكالة بخصوص تطوير قطاع الاتصالات، عن وجهة نظره وعن مصالحه الذاتية. ومن المحتمل، أيضا، أن تكون بعض المبادئ والتدابير المنصوص عليها في مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية لا تتماشى وأهداف ومصالح الفاعلين المتواجدين في السوق». وأثارت التعديلات المقترحة على القانون والمراسيم المصاحبة له عددا من ردود الفعل من قبل الفاعلين خاصة في ما يتعلق بتقاسم البنية التحتية، إذ أدخلت الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات فصلا يروم تحسين نظام تقاسمها، لكنه لا يجد ترحيبا، خاصة من طرف «اتصالات المغرب»، التي تبرر رفضها ومطالبتها بحذف الفصل المقترح نهائيا بأن الأمر من شأنه أن يحد مستقبلا من الاستثمارات والابتكار في سوق الاتصالات، وهو ما ردت عليه الوكالة بتأكيدها أن التعديل الجديد سيكون له أثر إيجابي على تحسين الاستثمارات وتقليص مصاريف الاستغلال، ما سينعكس إيجابا على أسعار الخدمات المقدمة. وتبرر الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات موقفها من هذا التعديل بقولها «يعتبر «اقتسام البنية التحتية» إحدى «رافعات التنظيم» التي نصت عليها مذكرة التوجهات العامة لتنمية قطاع المواصلات في أفق سنة 2013. ومن شأن اقتراح تعديل الإطار التنظيمي الخاص باقتسام البنية التحتية أن يؤثر على سوق الاتصالات بشكل كبير. و لهذا الغرض، يمنح هذا الاقتراح لجميع المتعهدين إمكانية توفير خدماتهم بالاعتماد على البنيات التحتية للمتعهدين المنافسين. فعوض أن تتركز المنافسة بين الفاعلين بطريقة حصرية على البنيات التحتية، تتيح هذه الرافعة للفاعلين التركيز على المنافسة في الخدمات،عن طريق توفير أحسن الخدمات بأقل التكاليف. و هذا من شأنه تأمين استمرارية أحسن للخدمة لفائدة المستعملين وبتكاليف أقل بالنسبة إلى المتعهدين. ما يمكن أن تنتج عنه تخفيضات مهمة لتعريفات خدمات بالتفصيل لفائدة المستهلكين». وبالإضافة إلى تنظيم تقاسم البنية التحتية بين الفاعلين يروم التعديل ذاته توضيح البنود المتعلقة بتعريفة العروض المقدمة من طرف الفاعلين للزبناء، وحسب التعديل الجديد فالتعريفات يجب أن تكون خاضعة لموافقة الوكالة، كما يجب أن تتضمن العروض معلومات أساسية قابلة للتعديل أو التحفظ عليها بطلب من الوكالة، وهو ما ترفضه الشركات الثلاث التي تطالب بالمقابل بتخفيف أو الحذف النهائي لدور المراقبة الذي تمارسه الوكالة على التعريفات، بمبرر اشتداد المنافسة ووجود ميكانيزمات تسمح بتنظيم السوق، فضلا عن أن تطور المنافسة في سوق الهاتف المحمول، لم تعد تسمح بضرورة تصديق الوكالة على الأسعار، ويجب أن تمنح للفاعلين حرية تحديد أسعار الخدمات والسياسة التسويقية. وهي المطالب التي ترفضها الوكالة بمبرر الأخطار التي يمكن أن تمس تطور المنافسة والنمو المتناسق لأسواق الاتصالات بالمغرب. نقطة أخرى تثير الخلاف بين الفاعلين والوكالة الوطنية للتقنين، وتتعلق بمقترح تعديل المرسوم المتعلق بالربط البيني والولوج إلى شبكات المواصلات بين الفاعلين، وتهم المقتضيات بشكل خاص الولوج الجزئي أو الكلي إلى الحلقة المحلية للمتعهدين ذوي نفوذ مؤثر على مستوى بعض أجزاء السوق، ويلزمهم بنشر عروض تقنية وتعريفية للولوج إلى حلقاتهم المحلية، وتكون شروط هذا الولوج موضوع تعاقد بين المتعهد المالك للحلقة المحلية والمتعهد المستفيد. وبصورة أكثر تبسيطا ينص التعديل على منح منافسي اتصالات المغرب إمكانية الولوج إلى الخطوط الهاتفية وصولا إلى الزبون، ما يضع حدا للاحتكار الذي مارسته الشركة على المكالمات المحلية. وعلى هذا الأساس يمكن للمتعهدين الآخرين كراء الخط الهاتفي أو جزء منه، واستغلاله في تقديم عروضه الخاصة لزبنائه وضمنها العرض المتعلق بالخط الهاتفي المحلي التقليدي، إضافة إلى الولوج إلى خدمات الانترنيت ذي الصبيب العالي. المقترحات الجديدة للوكالة، جاءت لتسد الفراغ في مجال لم يكن مؤطرا من قبل، واعتمدت فيه على تجارب دولية، وهو ما رفضته اتصالات المغرب التي اقترحت حذف النص المقترح بدعوى وجوب إجراء دراسة شاملة للسوق قبل إقراره، وهو ما لم تستجب له الوكالة وعمدت بالمقابل إلى تضمين المقترحات التي تروم إدراج التزامات في العقود الموقعة بين المتعهد المالك للحلقة المحلية والمتعهد المستفيد، وأيضا إدراج جزاءات في حال عدم التزام أحد الطرفين ببنود العقد. وفي ما يتعلق بمرسوم النزاعات والممارسات المنافية لقواعد المنافسة وعمليات التركيز الاقتصادي، فلم تخل التعديلات المقترحة فيه بدورها من عدد من الملاحظات التي أبداها الفاعلون في المجال، والتي رفضت أغلبها من قبل الوكالة، ومن بينها مقترح تقليص مدة النظر في النزاعات من أربعة أشهر إلى شهرين، وبالمقابل كانت أكثر مرونة مع المقترحات التي تهدف إلى منح الفاعلين تبريرات في حال فشل المفاوضات، أو في حال رفض الطلبات المعروضة على الوكالة لفض النزاعات. على صعيد متصل تمنح التعديلات المقترحة على المراسيم سلطة أكبر للوكالة، خاصة في ما يتعلق بتوقيع عقوبات على الفاعلين في حال الإخلال ببعض البنود، وهو ما يثير حفيظة الفاعلين حول جدوى وضع هذه العقوبات، ومدى انعكاسها سلبا على روح القانون المنظم للقطاع. وهو ما ترد عليه الوكالة بكون هذه «الصلاحيات الجديدة المقترحة للوكالة تندرج ضمن إطار تخويل هذه الأخيرة جميع الوسائل الضرورية لتمكينها من تأمين شروط تنمية فعلية و دائمة للسوق. ونصت مذكرة التوجهات العامة لتنمية قطاع المواصلات على إرساء نظام تدريجي للجزاءات، سيما المالية، التي تدخل في اختصاص الوكالة و المطبقة في حالة عدم احترام المتعهدين لالتزاماتهم أو للنصوص الجاري بها العمل، قصد تمكينها من التأكد من احترام المتعهدين لالتزاماتهم، ضمن شروط المنافسة العادلة والآجال والشفافية المتوافقة مع الإطار التشريعي والتنظيمي، وعلى هذا الأساس تم اقتراح منح الوكالة سلطة إصدار العقوبات المالية من طرف لجنة المخالفات يعينها مجلس إدارة الوكالة. المصدر ذاته شدد على أن نظام العقوبات المقترح سيكون تدريجيا وينص على أن تكون العقوبات متناسبة مع حجم الإخلال المعاين و مطبقة في حالة عدم احترام المتعهدين للنصوص التنظيمية الجاري بها العمل. وتعتبر العقوبات المقترحة، إذا ما تم اعتمادها على حالها، جد رادعة و من شأنها أن تحث المتعهدين، مبدئيا، على اتخاذ مزيد من الحذر. كما يهدف هذا الاقتراح، إلى تمكين الوكالة من التصرف وفق آجال متوافقة مع متطلبات السرعة التي يتطلبها تطور وتنمية القطاع. كما يمكن للمتعهدين المعنيين بالأمر الطعن أمام القضاء المختص في القرارات الصادرة عن الوكالة.