سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
العميد حمدان: جهات استخباراتية وظفت مغربيات لتوريط حزب الله في ملف اغتيال الحريري العميد اللبناني قال للمساء إن مهمة هؤلاء الفتيات كانت هي استدراج أسماء بعينها عبر المتعة الحرام
في هذا مع «المساء»، يقول العميد مصطفى حمدان، القائد السابق للحرس الجمهوري في الجيش اللبناني، الذي قضى قرابة أربع سنوات من الاعتقال في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إنه تم توظيف 5 فتيات مغربيات هذا الملف. وقال حمدان إن هؤلاء الفتيات أسندت إليهن مهمة تقديم المتعة الحرام لضباط وأسماء بعينها بهدف توريط 4 ضباط لبنانيين كبار في ملف اغتيال الحريري، لكن حمدان أشار في المقابل إلى إنه لم يتهم هؤلاء المغربيات بامتهان الدعارة وإنما قال إنه تمت الاستعانة بهن من طرف القاضي الألماني ميليس المكلف بالتحقيق في ملف الحريري بهدف توريط أطراف سياسية، منها حزب الله وسوريا، في هذا الملف لخدمة الأمن القومي الإسرائيلي. - قبل أكثر من أسبوعين، تحدثت في برنامج «مع الحدث» على قناة «المنار»، عن استخدام فتيات من المغرب وتونس في ملف اغتيال الحريري، ما هي ملاباسات هذه القضية؟ طبعا، أنا أُكنّ كل التقدير للشعب المغربي وأكن كل الاحترام لنضال الشعب المغربي، وحتى نحن «المرابطين» إرثنا وتاريخنا وليد المغرب، ونحن نفتخر بهذا الاسم «المرابطون» لكونه خرج من المغرب العربي، لذا عندما تحدثت عن هؤلاء الفتيات المغربيات لم أتحدث عن كونهن شبكة عاهرات، أنا لم أقل إنهن عاهرات، بل قلت إن هؤلاء الفتيات المغربيات اللواتي كان مركزهن في أحد الفنادق، استُخدِمن من طرف المحقق غيرهارد ليمان، الذي شاهدنا فساده بالدلائل والقرائن التي قدمها حسن نصر الله، وكذلك من خلال شخصية التونسية سمية، التي أتحفظ عن اسمها الكامل... هذه الأخيرة كانت أهم من ليمان عند القاضي الألماني ديتليف ميليس، حيث كانت تمثل قمة الفساد، إذ كانت تأتي بالهدايا والأموال من جماعة فؤاد السنيورة وسعد الحريري. وكانت تأتي بالساعات والمجوهرات من أحد المحلات المشهورة في منطقة «الأشرفية» في بيروت. أما بالنسبة إلى مجموعة الفتيات المغربيات، وعددهن خمس، فكن يُستخدَمن من أجل إغراء بعض الشهود والضباط الذين أدلوا بإفادات كاذبة أدت إلى اعتقالنا.. هؤلاء شكلوا خلية عرفت باسم خلية «الفاندوم»، المغربيات، نسبة إلى الفندق الذي كن ينزلن به. - وهل صحيح أن هؤلاء المغربيات كانت مهمتهن هي تقديم المتعة الحرام لزبناء وأسماء محددة؟ هذا صحيح، لكنني لم أصفهم في حديثي بالعاهرات، بل قلت إن ما قامت به الفتيات المغربيات الخمس عمل تجسسي كبير، عمل يخرق القوانين باستخدام هؤلاء الفتيات المغربيات من أجل إغراء بعض الضباط وبعض الشهود الذين أدلوا بشهادات كاذبة تتعلق باعتقالنا وفق مخطط محبوك سلفا، بهدف تصفية حسابات سياسية مرتبطة بأطراف تهدد أمن إسرائيل. كما كان هناك دور كبير للدبلوماسي التونسي نجيب فريجة، الذي كان ملحقا إعلاميا للأمم المتحدة في فترة تولي المحقق الدولي ميليس مهامَّه، وكانا معا على نفس الخط. وإذا كان هذا الأخير قد حوكم، فيجب أن يحاكَم نجيب فريجة أيضا، لإدلائه بالكثير من المعلومات المغلوطة التي أدت إلى اعتقالنا، حيث كان نجيب فريجة أيضا من المشاركين الأساسيين في «صناعة» شهود الزور. وأستحضر الآن أنه ما يزال موظفا تابعا للأمم المتحدة في مكتبها في البحرين، للأسف الشديد، والكل يعرف ما الذي يحدث في البحرين حاليا. - لكن هل يعتبر هذا كافيا للطعن في شرعية المحكمة، خاصة أن القاضي بيلمار لم يعد يشتغل لفائدتها؟ بالتأكيد، لأن ما يحدث اليوم لمن عوض ميليس، وهو المدعي العام دانييل بيلمار (في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان) ولهذه المحكمة الأجنبية هو نفس ما حدث مع ميليس دون تغيير في السيناريو، ففي تقريره الثالث، أصدر ميليس قرار اتهاميا واضحا جدا، يتمثل في أننا (يقصد الضباط الأربعة) والنظام الأمني السوري والنظام الأمني اللبناني في التفاصيل، يعني أننا نحن من سقنا السيارة التي تفجرت ومن أخذها وقتلنا رفيق الحريري. وقد بنيت على هذه الفرضية الكثير من المتغيرات السياسية على الساحة اللبنانية. من هنا، ما الذي يمنع بيلمار من تزوير واستخدام وسيلة جديدة لاتهام المقاومين والمجاهدين في حزب الله لأهداف سياسية تتعلق بالمرحلة التي تعيشها الأمة العربية ويعيشها لبنان، مع تأكيدي على أنه مكلف بتلك المهمة القذرة. فما الذي يؤكد لنا إذن أن بيلمار يسير على الطريق الصحيح؟ مسألة واحدة تؤكد لنا ذلك، إذا عرفنا ماذا حدث مع ميليس وإلى أين أخذ التحقيق في اغتيال الحريري.. هذه ليست مسؤولية لبنانية، هذه مسؤولية الأممالمتحدة في إنشاء هيأة قانونية دولية تتعاطى مع مرحلة ميليس لتحديد ماذا حدث. أنا لا أقول شهودَ زور، أنا أقول مرحلة ميليس، لأن الأممالمتحدة هي المسؤولة، عليها أن تحدد ماذا فعل ميليس وأن تحاكمه. وإضافة إلى الموضوع القانوني القضائي الجنائي، هناك الموضوع المالي، إذ هناك «مسلسل» من الفساد اعتمدته اللجنة، طبعا رأينا فصولا منه مع «ليمان» في الأمور التي أعلن عنها حسن نصر الله حول موضوع الرشوة التي كان يقبضها هذا القاضي والكثير من الفساد في قلب هذه المحكمة الأجنبية. وأعطي مثالا آخر بعيدا عن ليمان، عندنا المحقق المصري نجيب كاليداس، أسترالي الجنسية، والذي استلم منصب المحققين لمدة سنة فقط، ورئيس المحققين إذا أراد مجرد قراءة الملف تلزمه سنتان، على الأقل، أو ثلاث، إلا أنه لبث لسنة واحدة وقبض 560 ألف دولار. ماذا فعل ولماذا غادر؟ ناهيك عن الأمور المادية الأخرى التي تحتاج إلى توضيح. أما المستوى الثاني من الفساد فكان أخلاقيا، ويتمثل في تقديم إغراءات المتعة الحرام لشهود الزور، وهو الدور الذي أسند، مع كامل الأسف، للمغربيات الخمس. -كيف يمكن مواجهة ما تتحدث عنه من فساد؟ من أجل ذلك نحن نقول للسلطة اللبنانية ولحكومة نجيب ميقاتي إنه يجب إنشاء لجنة محاسبة، لا نقول تدخلوا في القضاء، إنما أجروا محاسبة.. أين ذهبت الأموال وكيف ستذهب؟ - هل صحيح أن جهات استخباراتية كانت وراء استقدام هؤلاء الفتيات المغربيات والتونسيات بالتعاون مع أطراف لبنانية؟ أكيد أن هؤلاء الفتيات المغربيات جزء من عمل استخباراتي كبير، يصب كله في خانة لجنة التحقيق الأجنبية. ونحن نعرف أن هذه اللجنة، حسب اعتراف ميليس نفسه وحسب ما نقرأ في الكثير من الاعترافات، كان لإسرائيل دور كبير في تمويلها بالمعلومات وبإدارة بعض فصولها أيام ميليس، لذلك فإن هذا العمل الاستخباراتي الضخم يقف وراءه، بالتأكيد، جهاز استخبارات دولي على مستوى «السي آي إي»، الأمريكي، و«الموساد»، الإسرائيلي. وانطلاقا من تحديد المستفيد من اغتيال الحريري ومن مآلات القضية، يتضح أن هناك دورا إسرائيليا خطيرا في هذه القضية لا تخطئه العين، وهو أمر يتجاوز مجرد الارتباط بجهات مخابراتية محلية لبنانية أو حتى عربية. - هؤلاء المغربيات الخمس هل جيء بهن من المغرب مباشرة أم عبر بلد ثالث أم كنّ يشتغلن في لبنان؟ لم نستطع أن نؤكد من أتى بهن، ولكن رصدنا وجودهن، كما رصدنا عملهن، وكانت كل تحركاتهن داخل الفندق المذكور مرصودة بدقة وعناية. - هل تستحضر أسماءهن أو اسم واحدة منهن، على الأقل؟ أتحفظ عن ذكر أسمائهن، وأرجو أن تعفيني من ذكر الأسماء الأسماء لعدة أسباب... - ما هي هذه الأسباب؟ الأمر مرتبط بالتوقيت المناسب، وهؤلاء لا بد من طرح أسمائهن في المكان المناسب. - وما هو المكان المناسب؟ في المحكمة، التي سنتابع فيها كل المشاركين في جريمة التزوير. -هل لديك الأسماء الكاملة لهؤلاء المغربيات؟ نعم، لدي كل المعطيات المرتبطة بهوياتهن. - هل ما تزال الفتيات المغربيات موجودات في لبنان حاليا؟ لا، معلوماتنا تؤكد أنهن خرجن من لبنان. - هل يتحدرن من مدينة مغربية بعينها؟ أولا، لم نستطع تحديد الطرف الذي جاء بهن، والمهم أننا رصدنا أعمالهن واتصالاتهن مع بعض الشهود ومع بعض الضباط الذين أدْلَوا بإفادات كاذبة في حقنا، مقابل متعة عابرة، للأسف. - معنى هذا أنهن كن يتصلن بالضباط ومن وصفتهم أنت بشهود الزور خارج إطار اللجنة المكلفة بالتحقيق؟ نعم، خارج إطار اللجنة، لكن من قاموا بالاتصال بهم كانوا يدركون أن هؤلاء يعملون لصالح اللجنة بصورة غير مباشرة. - هل هناك دور لجهاز مخابرات عربي، مثلا، في هذه القضية ما دام أن ضمنها مغاربة وتونسيين؟ لقد قلت لك إنني غير قادر على تحديد ما هو خارج الإطار اللبناني، لأننا لم نرصد من الخارج ونحن رصدناهم أثناء وجودهم في فندق «الفاندوم». -ما هي اللغة التي كن يتحدثن بها؟ -اللغة العربية، وأحيانا، بلكنة مغربية، والأهم أننا تأكدنا من جنسيتهن المغربية. - من أي مدينة مغربية يتحدرن في المغرب؟ يتحدرن من ثلاث مدن مغربية مختلفة. - هل يمكنك تحديدها؟ -قلت لك إن الإعلام ليس هو المكان المناسب لهذا الأمر. - طيب، هل يمكنك تحديد المنطقة؟ بعضهن من إحدى مدن شمال المغرب وأخرى من إحدى المدن المغربية المعروفة بنشاطها السياحي... - أوردت بعض وسائل الإعلام أن الجهاز الأمني لحزب الله قام بالتحقيق مع اثنتين من هؤلاء الفتيات المغربيات، هل هذا الخبر صحيح؟ أنا لا أستطيع تأكيد هذا الخبر، لا أملك هذه المعلومة. وأنا أعطيك فقط ما أملكه من معلومات مؤكدة. - كنت من أبرز الداعمين لحكومة ميقاتي الجديدة بعد قرابة أربع سنوات من السجن في قضية اغتيال رفيق الحريري. ما هو سبب هذا الخيار؟ لقد تشكلت حكومة نجيب ميقاتي في أجواء تختلف كليا عن الأجواء التي أصبحت سائدة على الصعيدين اللبناني والعربي، حيث تشكلت هذه الحكومة في وقت لم يكن قد بدأ الحراك الشعبي العربي بعدُ، كما تشكلت في جو إخلال سعد الحريري بالاتفاق السوري -السعودي للتسوية، الذي كان نتيجة لحضور الملك عبد الله بن عبد العزيز وبشار الأسد على الساحة اللبنانية وهروب الحريري نحو الأمريكيين، عوض الالتزام بهذا الاتفاق بناء على أوامر الأمريكيين، عبر سفيرهم السابق في بيروت، فيلتمان. ولكن، مثل ما رأينا، فإن يوم خروج الحريري من الحكم كان فيه تهديد مباشر من قِبَل المحكمة الأجنبية بأن المحقق الدولي بيلمار أرسل قرار الاتهام إلى قاضي الأمور التمهيدية في المحكمة، دانييل فرانسين، لتتتالى الأحداث، حيث اندلعت الثورة المصرية بعد نجاح نظيرتها في تونس، وعم الحراك الشعبي معظم أنحاء الوطن العربي، فصار لزاما الإسراع في تشكيل الحكومة بعد تباطؤ البدايات، بفعل الضغوط التي تعرَّض لها الرئيس نجيب ميقاتي من الولاياتالمتحدة وفرنسا وغيرهما من الدول العربية، لكي لا يشكل هذه الحكومة، خاصة أن هناك من هدده في مصالحه المالية باعتبار ثروته الطائلة ومشاريعه المتنوعة المتعددة، حيث إنه حاصل على مجموعة من التعهدات في الخارج، خاصة على صعيد الاتصالات. كما كان هناك تهديد بمحاصرة البنوك اللبنانية ذات المصالح المالية المتنوعة عبر العالم، وغير ذلك من الأمور الكيدية التي تعرَّض لها من طرف سعد الحريري، الذي لا يمثل إلا أداة من أدوات «التحريك» في الساحة اللبنانية من طرف السفارة الأمريكية. -ما هي الملفات المطروحة على طاولة هذه الحكومة؟ إن أول استحقاق ينبغي لهذه الحكومة مواجهته هو تركة سعد الحريري وفؤاد السنيورة من مخلفات سنوات الباطل الماضية، وخصوصا ما تعلق بالواقع الاقتصادي والمعيشي، حيث أوصلوا اللبنانيين إلى حافة الإفلاس وجعلوا منهم طوائف ومذاهب تعتاش على المساعدات من الخارج أو من بعض المتنفذين في الساحة اللبنانية، وهو ما يتطلب الكثير من الجهود لأن حجم الفساد كبير وفاقت المديونية 60 مليار دولار. كما أن التخريب على مستوى الوزارات بلغ مستويات قياسية ولم يعد هناك التزام تجاه الدولة. ورغم أنهم رفعوا شعار «العبور إلى الدولة»، فإنهم، في الحقيقة، عملوا وفق شعار «الخروج من الدولة»... فأصبحنا أمام مجموعة من الأتباع الذين لم يعودوا مرتبطين بالوزير أو بالمدير العام، بل أصبح الأمر مرتبطا بالانتماء الطائفي، حيث يقصد الموظفون المسؤول الطائفي والمذهبي عوض الارتباط بالتسلسل الإداري أي بالمدير العام أو بالوزير، لذلك وقعت عملية تخريب كبيرة على صعيد الإدارة اللبنانية. وأنا أرى أن الجهد المطلوب كبير بينما الإمكانيات ضئيلة. وباختصار، يمكن وصف خارطة الواقع اللبناني بكل بساطة بالصراع بين توجهين بعيدا عن التصنيف التبسيطي اللسطحي للأمور: توجه يراهن على استرجاع سيطرته على السلطة في لبنان، مراهنا على سقوط النظام وانهيار الدولة في سوريا بمساعدة أمريكية فرنسية، مقابل توجه يمثل مشروع المقاومة في لبنان، يحمي ساحته ويراهن على بقاء المقاومة وسلاحه قوة ردع أساسية لمواجهة الأطماع الصهيونية في المنطقة. وفي خضم هذا الصراع يتم استخدام كل الأسلحة من طرف الفريق الأول، بما فيها سلاح المحكمة الأجنبية الخاصة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. - ما هي ملاحظاتكم عن المحكمة الدولية التي تكلفت بالتحقيق في ملف الحريري، خاصة أنها تتجه حاليا بعد أربع سنوات من اتهام سوريا في اتجاه حزب الله، حيث اتهمت أربعة من أعضائه مؤخرا بالتورط في اغتيال الحريري؟ أولا، إن هذه المحكمة تشكل جزءا من أدوات المشروع السياسي الذي يستهدف تغيير وجه لبنان، العربي والمقاوم، مثل ما تم العدوان على العراق بحجة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل، التي تأكد المحتل الأمريكي بنفسه أنها غير موجودة. ثانيا، إن من يريد التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري عليه أن يتبنى خيارات سليمة، بعيدا عن أي تجاذب سياسي. والحال أن نقيض ذلك هو ما وقع، لقد بدأت عملية التسييس منذ البداية، وكنا أمام «سيناريو» وحيد تسرب إلى الإعلام، سواء في جريدة «السياسة»، الكويتية، أو مجلة «ديرشبيغل»، الألمانية، أو عبر مجموعة من الإعلاميين «المرتزقة»، المعروفين بتغيير ارتباطاتهم مثل تغيير ملابسهم، قبل صدور قرار الاتهام. فكان استهدافنا نحن الضباط الأربعة تحت مسمى النظام الأمني اللبناني السوري علما أنني لم أكن مسؤولا أمنيا، طبعا بهدف الزج بالرئيس إيميل لحود وسوريا في القضية. ثم بعد تحقيق الهدف من ذلك بإخراج سوريا من لبنان وانتهاء ولاية الرئيس لحود تم الإفراج عنا، ليبدأ استهداف المقاومة وسلاحها عبر اتهام حزب الله بالوقوف وراء الاغتيال. ولم يعد الحديث عن النظام الأمني اللبناني السوري إلا جزءا من الماضي وتم الإفراج عنا، حيث أكدت المحكمة أننا أبرياء تماما من تهمة الاغتيال، دون اعتذار أو إعادة اعتبار... ناهيك عن فضائح كثيرة، مالية وأخلاقية وسياسية، رافقت عمل هذه المحكمة ولجن تحقيقها، طالت إعداد شهود الزور والأساليب المعتمدة في ذلك. - كيف تتصورون مآلات المحكمة بعد ما اعتبرتموه «لخبطة» كبيرة بعد إصدار القرار الاتهامي في نفس يوم تشكيل حكومة نجيب ميقاتي؟ هذه المحكمة أداة سياسية في يد المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة العربية. فمثلما قاموا بهجوم عسكري مباشر على العراق، تحت ذريعة وجود أسلحة دمار شامل، تأكد في ما بعدُ أنها لم تكن موجودة، ومثلما يقومون بتخريب ليبيا، تحت دعوى دعم الثوار، ومثلما يحاولون أن يرتدّوا على الثورات العربية في الوطن العربي، فإن هذه المحكمة هي أداتهم في الساحة اللبنانية. فلنترك كل شيء ولنتأمل توقيت إعلان إرسال القرار الاتهامي، الذي كان هو يوم خروج سعد الحريري من السلطة، بعد أخذ ورد. حيث كان هناك تسابق بين القرار الاتهامي والبيان الوزاري لحكومة ميقاتي، لذلك فإن هذه المحكمة مُسيَّسة وأداة من أدوات المشروع الامبريالي الأمريكي الصهيوني. وأنا دائما أعود للتأكيد على مسألة واحدة مهمة، كي يخرجوا من هذه التهمة وهذه الوصمة التي وصمت بها هذه اللجنة وهذه المحكمة.. عليهم أن يشكّلوا هيأة قضائية دولية تخبر العالم بما جرى أيام ميليس، وقبل ذلك لا يمكن أن نربط أي نزاع قضائي بهذه المحكمة، لأنها ليست أهلا للثقة. - هل ستتابعون كل من شارك، من قريب أو من بعيد، في صناعة شهود الزور؟ بالتأكيد، ستشمل هذه الدعوى ميليس، ليمان، سمية التونسية، نجيب فريجة والكثير من المحققين داخل المحكمة، إضافة إلى الفتيات المغربيات الخمس اللواتي كن جزءا من هذه اللعبة الكبرى التي أنتجتها هذه اللجنة الدولية. وفي هذا السياق، أذكر أن نجيب فريجة كان موضوع طلب رسمي من الرئيس إيميل لحود لكوفي عنان لإزاحته من منصبه كملحق إعلامي للأمم المتحدة في مكتبها في بيروت، وقد استجاب الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الوقت وأقصاه من منصبه بسبب كثرة فساده وكثرة المعلومات الكاذبة التي قدّمها عن التحقيق في فترة ميليس، لو كان هناك، فعلا، قضاء دولي سليم لكان هناك الكثير من الحساب والعقوبات الواجب إنزالها في حق هؤلاء جميعا. - كيف تتصورون مستقبل لبنان والوطن العربي في زمن ما أصبح يسمى «الربيع العربي»؟ أحب أن أعطي نظرة شاملة عما يجري في الواقع على الساحة العربية: لا شك أن الثورتين التونسية والمصرية ثورتان تُعبّران عن حال الحراك الشعبي، الطامح إلى التغيير في الساحة العربية. لكن بسبب الخوف، وخاصة من ثورة مصر التي توجد على تماس مباشر مع الكيان الصهيوني، أخذت الإدارة الأمريكية قرارا بالتدخل غير المباشر عبر التخريب في بقية الدول العربية، فما نشاهده من عملية إبادة في ليبيا، كيانا وشعبا ومنشآت، دون أن يؤدي ذلك إلى عملية تغيير نحو الأفضل، وما يحاولون فعله في اليمن، حيث القرار مرهون بيد واشنطن والرياض، منعا لحصول تغيير لصالح الشعب... هو محاولة لتحويل أولوياتنا وإضاعة الهدف الأساسي لنضالنا من أجل الحرية، وهو العودة إلى القدس وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر. إننا، كقوميين واشتراكيين، نؤمن بهذه الأهداف والمبادئ، شريطة ألا تُنسينا وتعمل على تضييع فعلنا التحرري على أرض فلسطين. إن التدخل الأمريكي على خط الثورة العربية يهدف، من ضمن ما يهدف إليه، إلى إقناعنا بأن الأنظمة المثالية أو مدن أفلاطون الفاضلة هي هذه المحميات والمشْيَخات الخليجية... وهذا يمثل قمة الاستهتار، الذي تمارسه الولاياتالمتحدةالأمريكية على العقل العربي، لذلك فإننا ننظر بحذر إلى الكثير مما يجري حولنا وما يهُمُّنا، أولا وأخيرا، هو أن تبقى هذه المقاومة مصونة وتبقى صواريخ المقاومة مصانة، هذه الصواريخ التي تمثل، فعلا، قوة للردع ليس فقط على صعيد لبنان بل على مستوى الأمة العربية ككل. هذه المقاومة وما تمتلكه من عتاد يمثل، في رأيي قوة الردع الأساسية في مواجهة العقل الإجرامي الصهيوني. أرجو أن نعمل جميعا على حفظها ومواجهة عملية تفتيت هذه الأمة إلى دويلات مذهبية وطائفية متصارعة، تصب في اتجاه ترسيخ فكرة الوطن القومي لليهود ومنطق يهودية الكيان الصهيوني في فلسطينالمحتلة.