يعتبر الأخصائي النفسي عبد الرزاق وناس أن مرتادي هذه العوالم لا يتوفرون على شخصية قوية ولا يستطيعون الحديث في العالم الواقعي، ولذلك تجدهم عبر الأنترنت يحاولون تسويق أنفسهم وكأنهم شخصيات قوية، مشيرا إلى أن حالة «الإدمان» على الأنترنت تعد درجة «مرضية» خطيرة تستدعي التدخل. لوحظ في الآونة الأخيرة اهتمام شرائح واسعة من المجتمع بما يسمى «العالم الافتراضي»، هل ترى ذلك مؤشرا على هروب الناس من واقعهم ونسيان همومهم؟ - بطبيعة الحال، فقد بدأت هذه الظاهرة تنتشر في المجتمع بشكل يبعث على القلق، حيث نرى أن الكثيرين يعيشون في ما أصبح يطلق عليه العالم الافتراضي أو العالم الخيالي. ويمكن تفسير ذلك بأن البعض من هؤلاء الشباب أو مرتادي هذه العوالم لا يتوفرون على شخصية قوية ولا يستطيعون الحديث في العالم الواقعي، ولذلك تجدهم عبر الأنترنت يحاولون تسويق أنفسهم وكأنهم شخصيات قوية، وهم على العكس من ذلك تماما. وبإمكاننا أن نلمس هذا المعطى من خلال سعي بعض الشباب إلى ربط علاقات عاطفية مع الفتيات، حيث يعمدون إلى وضع صور في حساباتهم الشخصية لا تعبر، بأي حال من الأحوال، عن شخصياتهم الحقيقية. وصحيح أن البعض يلجؤون كذلك إلى العالم الافتراضي للتخلص من بعض المشاكل التي يعانونها في المجتمع، ويكون الأنترنت هو الوسيلة الوحيدة في نظرهم لتحقيق هذا المبتغى، لكنني أعتبر هذا الأمر مغلوطا في أذهان الناس، لأن من شأن الإدمان على الأنترنت أن يُعمّق هذه المشاكل لا أن يحلها، على نحو ما تُبيّن ذلك الدراسات السيكولوجية الحديثة. في رأيك، ما هي الانعكاسات النفسية التي يمكن أن تترتب على ما أسميته الإدمان على الأنترنت؟ أعتقد أن الوصول إلى حالة الإدمان على الأنترنت يعد درجة «مرَضية» خطيرة تستدعي التدخل، فليس من المعقول أو بالأحرى ليس من الصحي، أن يقضي شاب معظم وقته أمام شاشة الحاسوب، ولا يجد حتى الوقت لتناول وجبة العشاء أو الغذاء مع عائلته، حيث تتولد عن ذلك حالة يمكن أن نسميها «الانعزال عن العالم»، الشيء الذي ينجم عنه عدم وجود وقت للتسلية مثلا أو لقضاء بعض الحاجات الحياتية الأخرى، وليس ذلك فقط بل إن الإدمان على العالم الافتراضي قد يؤدي إلى نتائج عكسية على السير الدراسي لبعض الطلبة، الذين يرسبون بفعل هذا المشكل. ومن الناحية النفسية، قد يحدث نوع من الانطواء لدى المدمنين على شبكة الأنترنت، خاصة الذين يرتادون الصفحات الاجتماعية ك«فايسبوك» و«تويتر». وقد أصبح من المستحيل أن يتخلى بعض المدمنين على حواسيبهم، فمن خلال معاينة بعض «الحالات» تبيَّن بالملموس أن تجريدهم منها يشكل لديهم نوعا من»النقص» الذي ينبغي استدراكه مهما كانت الوسائل. يطرح مفهوم «الإدمان على الأنترنت» إشكالا حقيقيا، ما هي المؤشرات النفسية التي تسمح بتلمس هذا الأمر لدى مرتادي الأنترنت؟ لا بد من التأكيد أن مفهوم «الإدمان على الأنترنت» ظهر سنة 1996 في كولومبو حين تحدث عالم النفس المشهور يونغ عن هذا المفهوم، لكن الباحثين حسبوا هذا الكلام، وقتئذ، من قبيل الترف المعرفي، لكن سرعان ما تأكدت أطروحته بسبب التقدم التكنولوجي. طبعا، هناك مؤشرات تتيح معرفة ذلك من قبيل قضاء ساعات طويلة أمام الأنترنت وإهمال الواجبات الدراسية، علاوة على عدم مشاركة العائلة وجبات الأكل والحصول على علامات سيئة في الدراسة، إضافة إلى أن هذه العوارض يمكن أن نستشفها من خلال كلامهم اليومي، الذي لا يخرج عن نطاق الأنترنت، وكل هذه المؤشرات تندرج في إطار ما يسمى «الالتزام بالأنترنت». وما هي الحلول التي تراها مناسبة لتجاوز هذه المشكلة؟ - أود أن أفصح عن أمر هو أن الإدمان على الأنترنت شبيه، إلى حد بعيد، بالإدمان على الكوكايين والمخدرات، وعليه فإنه صار لزاما على وسائل الإعلام، أكثر من أي وقت مضى، أن تولي أهمية خاصة لهذا الموضوع عبر تخصيص برامج توعوية، كما لا يجب أن ننسى دور المدارس والجامعات، التي من شأنها أن تعمل على التحسيس بالمخاطر التي تنتج عن الإدمان على الأنترنت والعيش في العالم الافتراضي. ويبقى دور الأسرة في مراقبة أبنائها أساسيا لمواجهة الآثار السلبية لهذه المعضلة. وأما عن دور المحللين النفسيين فيتمثل في رصد أبعاد الظاهرة والتحسيس بخطورتها على كافة المستويات.