«كانت النتيجة إيجابية جدا، لِما تحقق من إنجازات هامة، ولكن ثمة مشاكل مهيكلة ما تزال تعوق نمو الاقتصاد الوطني»... هكذا لخص الخبير الاقتصادي زكريا أبو الذهب الحصيلة الاقتصادية للمغرب في ال12 سنة الماضية. وقد تجلت هذه الإنجازات بوضوح في مستويات عديدة حسب أبو الذهب، أهمها «البنيات التحتية التي عرفت تطورا هاما جدا وملموسا على جميع الأصعدة». ذلك أن شبكة السكك الحديدية وصلت، لأول مرة، إلى مدينة الناظور، بالموازاة مع تدعيم أسطول المكتب الوطني للسكك الحديدية بقطارات جديدة والشروع في تنفيذ مشروع القطار فائق السرعة، المتوقَّع أن يربط بين طنجة والدارالبيضاء. كما تعززت الموانئ المغربية بميناء طنجة المتوسط، الذي يُصنَّف ضمن المشاريع الكبرى التي براهن عليها المغرب لتحسين تنافسية اقتصاده. غير أن أكبر التطورات كانت من نصيب شبكة الطرق السيارة، التي كانت في سنة 1999 تنحصر في خط «يتيم» يربط بين الدارالبيضاء وفاس، وتحولت إلى شبكة ممتدة يفوق طولها 1400 كيلومتر، بعد أن وصل مداها إلى طنجة وأكادير ووجدة، في زمن قياسي، مقارنة مع الوتيرة التي أُنجِز بها شطر الدارالبيضاء -الرباط. غير أن انسحاب شركات أجنبية من مشاريع كبرى أثّر على وتيرة إنجازها، كما كان الشأن بالنسبة إلى انسحاب الشركة البرتغالية «كونديرول» من مشروع تثليث مسارات الطريق السيار، الرابط بين الدارالبيضاءوالرباط، قبل تعويضها بشركة أخرى (تركية) بالإضافة إلى تأثير الأنباء التي تحدثت في سنة 2009 عن انسحاب إحدى الشركات الخليجية من مشروع تهيئة ضفتي أبي رقراق. جاذبية الاقتصاد عمل مغرب العهد الجديد على «تطوير الوجهة المغربية على مستويي السياحة وجلب الاستثمارات الأجنبية»، على حد تعبير زكرياء أبو الذهب. ورغم أن المغرب لم يستطع تحقيق جميع أهداف رؤيته السياحة 2010، التي كانت تروم استقطاب 10 ملايين سائح بمتم العقد الأول من الألفية الثالثة، فإنه استطاع تحقيق جزء غير يسير من أهداف تلك الرؤية غير المسبوقة في تاريخ المغرب. أكثر من ذلك، استهلّ المغرب العقد الثاني من العهد الجديد ببلورة رؤية جديدة على أساس التجربة الأولى. وقد حددت وزارة السياحة والصناعة التقليدية هدفها الأسمى في استقطاب 20 مليون سائح في أفق سنة 2020. وفي هذا السياق، تم إطلاق محطتين سياحيتين كبريَيْن في إطار «المخطط الأزرق»، وهما السعيدية و»مازاغان». كما شهدت الأيام القليلة الماضية استئناف الأشغال في ورش بناء محطة «تاغازوت» في ضواحي مدينة أكادير، التي يُراهَن عليها من أجل تسويق المنتوج السياحي لمنطقة سوس. وفي ما يخص الاستثمارات، فقد تم تسجيل ارتفاعات متباينة من سنة إلى أخرى للاستثمارات العمومية، رغم مخاوف تأثرها بالالتزامات الاجتماعية التي تعهدت بها الحكومة في السنة الجارية، خصوصا التشغيل المباشر وارتفاع نفقات صندوق المقاصة. وفي المقابل، كان من البديهي أن تتأثر الاستثمارات الأجنبية بالأزمة المالية العالمية الأخيرة، خصوصا أنها ضربت اقتصادات دول أوربية كثيرة وتوشك أن تودي ببعضها إلى الإفلاس، لكن الاستثمارات الأجنبية في المغرب واصلت منحاها التصاعدي وبلغت المباشِرة منها 24.1 مليار درهم في 2010، مقابل 23.7 مليار درهم في السنة التي سبقتها، وفق إحصائيات مكتب الصرف. الانفتاح تميّز العهد الجديد بانفتاح المغرب، على نحو غير مسبوق، على الأسواق الدولية. ويتضح هذا الانفتاح، بجلاء، في عديد اتفاقيات التبادل الحر، التي أبرمها المغرب مع أكثر من دولة في السنوات الماضية. وقد كانت البداية مع دول الاتحاد الأوربي، التي تعتبر الشريكَ الأول للمغرب، قبل أن تعقبها اتفاقيات مماثلة مع كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية وتركيا، في ظل حديث عن اتفاقيات في الطريق. وإذا كانت اتفاقية التبادل مع الولاياتالمتحدةالأمريكية قد أثارت جدلا كبيرا حول جدواها للاقتصاد المغربي، خصوصا في شقها الفلاحي، فإن علاقات المغرب مع الاتحاد الأوربي تعدت هذا الإطار، لتشمل وضعا متقدما يُنتظَر أن يؤدي في السنوات المقبلة إلى تشكل فضاء مشترَك بين الطرفين، يكون أرضية خصبة لتبادل حر شامل، على حد تعبير الخبير الاقتصادي زكرياء أبو الذهب. غير أن وتيرة نمو الاقتصاد المغربي ظلت رهينة بالتساقطات المطرية ونتيجة الموسم الفلاحي، رغم أن المغرب أطلق برنامجا خاصا للإقلاع بالأنشطة الصناعية. كما تم الاهتمام بالتكنولوجيات الحديثة، وأطلق في هذا الإطار برنامج خاص بالإدارة الإلكترونية، بالموازاة مع تدشين برامج لتأهيل الموارد البشرية المتخصصة في هذا المجال. الموارد تتراجع وحدها تحويلات المغاربة المقيمين في الخارج واصلت منحاها التصاعدي بانتظام، مشكّلة بذلك أحد أعمدة موارد الدولة المغربية. فرغم الأزمة المالية العالمية، التي تؤكد تقارير أنها أثّرت سلبا على الجالية المغربية في المهجر، فإن هذه التحويلات انتقلت في الأشهر العشرة الأولى من السنة الماضية من 41.8 مليار درهم إلى أزيدَ من 45 مليار درهم. كما أن مشاكل عديدة ما تزال تواجه هذه الفئة من المغاربة حين عودتهم إلى أرض وطنهم الأم من أجل تنفيذ استثماراتهم وتهُمّ، أساسا، منح الرخص وصعوبات في الإجراءات الإدارية وانتشار البيروقراطية والرشوة. وفي المقابل، سجلت المداخيل الضريبية في السنة الماضية تراجعا بقيمة مليارين و142 مليون درهم، حيث بلغت 91 مليارا و572 مليون درهم، مقابل 93 مليارا و714 مليون درهم في 2009. وقد همّت الانخفاضات كلا من الضرائب المباشرة، المتمثلة في الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل، ومع ذلك صنّفت دراسة دولية حديثة المغرب ضمن الدول الأكثر ثقلا ضريبيا في العالم. ويبدو أن تقلص موارد الدولة كان سببا رئيسيا في عودة المغرب إلى الاستدانة من جديد. وقد كانت العودة قوية من خلال قرض بات يعرف ب»قرض المليار»، الذي حصل عليه المغرب في أواخر السنة الماضية، بعد طرحه سندات في السوق المالية الدولية بقيمة مليار أورو على مدى عشر سنوات وبمعدل فائدة يناهز 4.5 في المائة. وأرجع مهتمون بالشأن الاقتصادي المغربي لجوء المغرب إلى الاستدانة من جديد إلى حاجة الدولة المغربية إلى تغطية الخصاص الحاصل في السيولة، بعد تراجع المداخيل الضريبية ومحدودية مداخيل قطاعات كثيرة. إنجازات مؤجلة وضعت الحكومة الحالية إصلاح صناديق التقاعد وصندوق المقاصة ضمن أولوياتها في مستهل ولايتها، وهي ولاية توشك أن تنتهي ولم يتم أي من الورشين الإصلاحيين. فبعد أن انطلق صندوق المقاضة هذه السنة بميزانية تناهز 17 مليار درهم فقط، اضطرت الحكومة في ثاني أشهر السنة الجارية إلى ضخ 15 مليار درهم إضافية في ميزانيته، قبل أن يكشف عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، في آخر خروج إعلامي، له أن هذا الصندوق سيمتص في هذه السنة لوحدها ميزانية لن تقل عن 45 مليار درهم. وتوقع الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي أن «يؤدي الاقتصادي المغربي ثمنا باهظا في حالة عدم الإسراع إلى إصلاح المقاصة وتبنّي نظام جديد يضيق نطاق الفوارق الاجتماعية». أما صناديق التقاعد فما تزال تعيش على إيقاع العجز. ويعاني الصندوق المغربي للتقاعد، الخاص بتقاعد موظفي القطاع العام، من عجز يصل إلى 517 مليار درهم، مقابل 112 مليار درهم بالنسبة إلى النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد. وإذا كان هذان الاختلالان «موروثين» عن السنوات الماضية، فإن سنة 2011 ستكون استثنائية في مسار الاقتصاد الوطني في القرن ال21، فقد سجل كل من الميزانية والميزان التجاري نِسَبَ عجز قياسية، في ظل أزمة خانقة في القطاع السياحي ووصول أسعار المواد الأولية والغذائية إلى مستويات غير مسبوقة، إذ يعاني المغرب، استنادا إلى الخبير الاقتصادي زكرياء أبو الذهب، من «مشاكل مهيكلة، أهمُّها غلاء الطاقة وارتباط النمو الاقتصادي بحصيلة الموسم الفلاحي». وعموما، لم ينجح المغرب في السنوات الماضية في كسب رهان تحقيق نمو سنوي بنسبة تتراوح بين 7 و8 في المائة، الضرورية من أجل تحقيق الإقلاع الاقتصادي المنشود، الذي قد يوصل المغرب إلى مستوى تركيا وماليزيا في غضون 20 إلى 25 سنة. ولم يتجاوز معدل النمو السنوي في العقد الأخير 4 في المائة، وهو مستوى «غير كاف» لخلق ملايين مناصب الشغل وتقليص الفوارق الاجتماعية المتفاقمة.