بمجرد ما أدار فاروق عينيه بحثا عن منفذ للنجاة أحس بآلة حادة تخترق فخذه عند مستوى العضو التناسلي، كما لو كان مُسدِّدُ الضربة يريد طعن رمز الرجولة ويعدم عند الشاب الفحولة. انفجرت عروق الفخذ دما قبل أن يَسُلَّ الفاعل السكين الملطخة بالدماء وينسحب مبتسما أمام جمهور صغير من الأطفال بعد أن أنهى مهمته وأطفأ ناره ورمى بعدها بأداة الجريمة. كان الشاب فاروق في ربيعه السابع عشر وكان يحب أن يكون له أصدقاء كُثر، بحيث لم يكن يُشاهد وحده ولا يتجول إلا مع أقرانه، كان أقرانه يحبون فيه المرح ويجدون في مجالسته الفرح ويستمتعون بحكاياته. كانوا يقضون الليالي الباردة في ساحة الحي أمام أبواب البيوت في رواية المغامرات وكيفية اصطياد الفتيات. كان كل واحد منهم يحاول أن يخترع القصة الباهرة وينسج الطريقة الماهرة ويسرد الحيل الماكرة في فن الإيقاع بالحسناوات. كان الأقران يضحكون ويصرخون كلما تعثر أحدهم في سرد قصته أو اكتشفوا مبالغات في روايته ويوصونه ب»النزول» إلى أرض الواقع والتزام الحقيقة رغم إصراره على صدق ما يقول وقَسَمه بكلامه المعقول. كان أغلب الشبان الأصدقاء يدخنون بل منهم من كان يدخن اللفائف «المُدرَّحة» بغبار الشيرا، الأمر الذي كان يزيدهم نشوة ونشاطا فيكثر ضحكهم.. كان هشام ينظر إلى قرينه فاروق ويبتسم له كلما التقت عينيهما ويؤازره كلما زَلَّ وتلعثم في رواياته التي كانت كثيرة... اتفاق ثم فراق توطدت علاقات الصديقين وأصبح كل منهما يُكمِّل الآخر رغم اختلاف مزاجيهما وتنافر طباعيهما وتباعد فكريهما. وبقدر ما كان «فاروق» محبا للحديث كان هشام منصتا له. كان هشام يكبر صديقه بسنة واحدة، وبقدر ما كان عنيفا وعدوانيا كان فاروق وديعا وخدوما. كان الصديقان لا يفترقان ولا يتباعدان وأصبحا يشكلان زوجا فريدا من نوعه وملتحما إلى درجة أن تواجدهما وحيدين كان يرسم علامات الغرابة على وجوه الأصدقاء.. لكن الأغرب من هذا كله أنه جاء يوم تمزق فيه حبل صداقة الرفقين وانفصمت لُحمة الود والويفاق واستبد بالوضع الفراق والشقاق بعد أن دخل القريينان في معاتبة بعضهما البعض بسبب كلام تافه وساقط. كان عتاب فاروق لصديقه هشام أمام أصدقائهما أشد مرارة على هشام الذي يكبره سنا ويحترمه الكل. لم يتقبل الكلام وهَمَّ بالانسحاب من المكان دون التحية والسلام ونظر إلى الغريم الصديق الحميم وألقى بكلمات في وجهه «والله ما تبقى فيك أدين أمك...»، ودلف إلى البيت دون أن ينتظر الجواب «أللي ما يرضاش، ما يكعدش مع الرجال» أجابه «فاروق» وهز كتفيه وواصل الحديث مع أقرانه عن المغامرات والحب والفتيات... حقد وغل وتخطيط لم يتمكن هشام من إغماض عينينه لم يفهم كيف كتم غيظه وبلع ريقه لحظة التلاسن ولم يقم بما كان عليه أن يقوم به لتأديب صبي تجاوز حده وتحداه أمام رفقائه. كان كلما فكر في المشهد خُيِّل إليه شبح صديقه يتحرك ويهدده ويتوعده أمام أقرانه. وكان يرى ابتساماتهم مرسومة على الشفاه... كانت ابتسامات الاحتقار والسخرية والتهكم.»أنا يضحكو علي؟ أنا شماتة؟ الله يلعن أماتهم كاع». لقاء ثم عراك فجريمة التقى الغريمان في ذلك اليوم المشؤوم، تذكر هشام ما حصل له ثم أرغىوأزيد ومن جيبه استل سكينا ولوح بها من يد إلى أخرى. اندهش الصبي «فاروق» ولم يع ما جرى للصديق ولا ما يجب أن يفعل تجاهه. كان يحاول أن يَرُدَّه إلى جادة الصواب ويطلب منه، إن أخطأ في حقه، الصفح والثواب.. لكن هشام كان هائجا وقلبه مجروحا وإلى الدم محتاجا ولم يكن يسمع إلا صوتا شيطانيا ينبعث من دواخله ويدفعه إلى إطفاء ناره ومسح عاره بالدم . لم يكن يسمع نداءات الصبي ولا توسلاته ولم تشفع له دمعاته ولا ذكرياته معه. كان هشام يتحرك ويركز ولنقطة ما ينظر، وكان فاروق يتتبع حركات السكين ويفكر في طريقة الخلاص وفي لحظة غفلة من غريمه للإفلات. وبمجرد ما أدار عينيه بحثا عن منفذ للنجاة أحس بآلة حادة تخترق فخذه عند مستوى العضو التناسلي، كما لو كان مُسدِّدُ الضربة يريد طعن رمز الرجولة ويعدم عند الشاب الفحولة. انفجرت عروق الفخذ دما قبل أن يَسُلَّ الفاعل السكين الملطخة وينسحب مبتسما أمام جمهور صغير من الأطفال بعد أن أنهى مهمته وأطفأ ناره وفي طريقه رمى بسكينه. أحس فاروق بالأرض تسحب من تحت قدميه وثَقُل جسده على ساقيه وفقد قوة الصراخ والصياح لطلب النجدة والإسعاف لإلقاء قبل أن يَخِرَّ جثة هامدة. فرار ثم اعتقال أخبرت عناصر الأمن الولائي بوقائع الجريمة حيث تلقى قاصر طعنة بسكين على مستوى فخذه الأيسر نقل على إثرها إلى مستشفى الفارابي حيث فارق الحياة بمجرد وصوله إليه بسبب نزيف حاد داخلي لم تنفع معه إسعافات الأطباء. وبعد انتقال مصالح الأمن الولائي بوجدة إلى عين المكان وبعد التحريات تمكنت من التعرف على الجاني الذي اقترف الفعل البشع وتمكن من الفرار دون أن يدري أن شهودا صغارا حضروا المبارزة وتفرجوا على الجريمة. كانت شهادات التلاميذ الخمسة حاسمة في تحديد هوية القاتل ووجهة هروبه. كانت ساعات معدودات كافية إلقاء القبض عليه. وبعد محاصرته اعترف بجريمته التي اقترفها بعد أن نشب صراع بينه وبين الضحية بسبب خلاف قديم تطور إلى مشاجرة ثم عراك بتبادل الضرب استعمل فيه الجاني سكينا كبير الحجم وجه به طعنة إلى فخذ الهالك بمحاذاة جهازه التناسلي قبل أن يتخلص منه في ساحة فارغة، يتم تقديم الجاني إلى العدالة بتهمة الضرب والجرح المفضيين إلى الموت. فارق «فاروق» الحياة ورحل إلى مثواه الأخير في عز شبابه في الوقت الذي أعدم هشام شبابه ووضع في زنزانة مظلمة لا شمس فيها ولا قمر بعيدا عن الأقران والخلان...