قال السيد نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، إن زيارته الأخيرة لسورية كانت للتباحث مع النظام السوري وليست مساندة له. وحاول في مقابلة له ضمن برنامج «العاشرة مساء» في تلفزيون «دريم» أمس الأول (يقصد الاثنين) أن يشرح أكثر بصيغة تقترب من التوضيح: «حتى يبدأ الأمين العام بداية جديدة في منصبه، عليه أن يتشاور مع جميع الدول وحصل تشاور في موضوعات مختلفة. وفي ما يخص الأوضاع في سورية التي نشاهدها من خلال الإعلام، فقد أشرت إلى ضرورة الإصلاح، وسورية حاليا في طريقها نحو الإصلاح». وأضاف: «وُعِدت بإصلاح حقيقي في سورية وبانتخابات رئاسية حرة ونزيهة قبل نهاية هذا العام، وتحدثت مع فاروق الشرع، نائب الرئيس، وأكدت له ضرورة اتخاذ خطوات كثيرة وتحقيق إنجازات واضحة في كل مرحلة، فالكلام وحده لا يكفي». واضح من هذا الكلام أن العربي شعر على الأقل، وإن متأخرا، بأن زيارته لدمشق لم يكن بالإمكان أن تفهم، وهكذا كان، إلا على أساس أنها دعم للحكم السوري ولا شيء غير ذلك. وهنا، لا بد من استحضار ذلك الكلام القوي الذي عبر عنه العربي بعد لقاء الرئيس بشار الأسد من رفض لأي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية للدول العربية وتشديده على أنه «لا يحق لأحد سحب الشرعية من أي زعيم»، وأن الأمانة العامة لا تقبل التدخل في الشؤون الداخلية للدول وهي ملتزمة باستقرار كل الدول العربية. حينها لم يقل كلمة واحدة، ولو عرضا، عن عشرات السوريين الذين يسقطون يوميا بسلاح الأجهزة الأمنية و«شبيحتها»، وهو من كان قبل أسابيع قليلة وزير خارجية حكومة مصر بعد الثورة. أكثر من ذلك، رأى أنه يمكنه أن يصرح بلغة الجازم الواثق بأن «سورية دخلت مرحلة إصلاح حقيقي»!! ما قاله العربي في دمشق جعل بعض المصادر الأوربية تسرب إلى صحف عربية القول بأن زيارة الأمين العام إلى دمشق ولقاءه بالرئيس الأسد وإعلان رفضه ما سماه تدخلا أجنبيا في الشؤون السورية يعتبر رفضا لأي موقف غربي يتحدث عن فقدان رئيس عربي الشرعية (بعد تصريح كلينتون القوي في هذا الشأن)، مما يعني نزع ورقة الضغط القوية المرتقبة من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوربي على الأسد، لكون هذه الدول تحتاج إلى تغطية عربية في أي قرار أو موقف قد تتخذه مما يجري في سورية. واعتبرت هذه المصادر أن موقف العربي في دفاعه عن نظام الأسد ربما جاء بطلب عربي وليس شخصيا أو مرتجلا، ولاسيما أن دولا عربية تخشى مما يمكن أن يجري هناك في حال تداعي النظام السوري وسقوطه. وإذا ما تأكد فعلا الآن أن العربي يحاول تدريجيا وبلطف التخفيف من قوة ما قاله في دمشق واعتُبر، قصدَ ذلك أو لا، وقوفا صريحا إلى جانب النظام ضد قطاعات واسعة من شعبه تطالب بسورية مختلفة، فإن هذا التوجه جدير بالمتابعة وربما بالتقدير إذا ما تأكدت صحته. ليس مطلوبا من الأمين العام للجامعة العربية أن يكون مبشرا بالثورات العربية أو محرضا لها، ولكن من غير الحصافة أيضا أن يبدو في موقف المدافع عن أنظمة تمعن في قتل شعبها المتظاهر الأعزل. موجة التغيير في البلاد العربية لن تتوقف أو تهدأ لأن ذلك هو اتجاه التاريخ بعد عقود من الاستبداد والفساد والإمعان في امتهان كرامات الناس وسلب حقوقهم. في هذه اللحظة المفصلية، كما يحلو لعاشقي التنظير السياسي القول، لا بد للمسؤول الأول في الجامعة العربية أن يحدد موقعه بالضبط. طبعا هو مجرد موظف سام يدير إرادات رسمية متعددة ويحاول التوفيق بينها، ولكن هذا ليس قدره المحتوم دائما. لا أحد في النهاية يجبره على لعب هذا الدور إذا كان يريد أن يختار لنفسه مصيرا مختلفا. أما إذا آثر السلامة واستفحلت داخله عقلية الموظف فذلك شأنه بالتأكيد، لكنه سيبدد كل رصيد شخصي إيجابي له، أما رصيد الجامعة فمبدد من زمن طويل.