بوريطة يجدد التأكيد على الدعم الدائم لجلالة الملك لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة    المغرب يعزز دعمه للأسر المقدسية والنازحين من غزة بمساعدات غذائية في رمضان    رام الله.. اتفاقية شراكة بين وكالة بيت مال القدس ووزارة الثقافة الفلسطينية والمكتبة الوطنية الفلسطينية    منظمة العفو تدعو للتحقيق بهجمات إسرائيلية على قطاع الصحة اللبناني بوصفها "جرائم حرب"    أوزين: "الهمزة" تتربص بالسياسة .. و"المغرب الأخضر" بلا نحر لن يُنسى    وقفة احتجاجية وسط الرباط ترفض "تنصل إسرائيل" و"مقترح ترامب"    دوري أبطال أوروبا لكرة القدم .. ليل يعود بتعادل ثمين من ميدان دورتموند    دياز: "لا أحب الحديث عن نفسي"    دوري أبطال أوروبا لكرة القدم.. أرسنال يتفوق بنتيجة عريضة على إيندهوفن (7-1) ويضمن بنسبة كبيرة تأهله إلى الربع    دياز يقود ريال مدريد لهزم أتلتيكو مدريد ب 2-1 فى قمة مثيرة بدوري أبطال أوروبا    انطلاق فعاليات المعرض الدولي للسياحة ببرلين بمشاركة المغرب    المغرب وإسبانيا يوقعان إعلان نوايا مشترك لتعزيز التعاون القضائي استعدادا لكأس العالم 2030    إحداث أزيد من 95 ألف مقاولة بالمغرب عند متم 2024.. هيمنة القطاع التجاري والشركات ذات المسؤولية المحدودة    الرباط تشهد وقفة احتجاجية حاشدة تضامنا مع الشعب الفلسطيني وتنديدا بالعدوان الإسرائيلي    دياز يقود ريال للفوز 2-1 على أتليتيكو في دوري الأبطال    بوريطة: إعلان القاهرة يعكس موقفًا عربيًا قويًا في دعم لجنة القدس ويُبرز أهمية الدور الذي تقوم به وكالة بيت مال القدس    لقاء دبلوماسي بين المغرب ومصر    القمة العربية غير العادية تتبنى خطة شاملة لإعادة إعمار غزة    أسعار اللحوم في رمضان: انخفاض في أزمور وارتفاع في باقي جماعات إقليم الجديدة    نشطاء إسبان ينددون بالتجنيد العسكري لأطفال مخيمات تندوف    موقف واضح يعكس احترافية الكرة المغربية وتركيزها على الميدان بدل الجدل    الاستئناف يرفع عقوبة آيت مهدي    لقاءات بوريطة على هامش القمة    من بينها الحسيمة.. تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    قرعة كأس العرش تفرز مباريات قوية    انطلاق فعاليات المعرض الدولي للسياحة ببرلين بمشاركة المغرب    خلال أسبوع.. 15 قتيلا و2897 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية    النيابة العامة تكشف تفاصيل توقيف متهمين في قضية التشهير والابتزاز    تساقطات مطرية وثلجية في تنغير    بطمة تعود بحفل فني بالبيضاء    عمرو خالد يكشف "ثلاثية الحماية" من خداع النفس لبلوغ الطمأنينة الروحية    أخصائية حمية وتغذية تقدم نصائح لمرضى السكري لصيام صحي وآمن    المصادقة على عقد برنامج تنموي بقيمة 5.8 مليار درهم لتعزيز التنمية الجهوية بالشمال    في رمضان.. توقيف أربعة أشخاص بحوزتهم 2040 قرص مخدر وجرعات من الكوكايين    "شفت أمك بغا طول معنا".. جبرون: التلفزة تمرر عبارات وقيما مثيرة للاشمئزاز ولا تمثل أخلاق المغاربة    ارتفاع التحويلات النقدية للمغاربة المقيمين بالخارج خلال يناير    الذهب يواصل مكاسبه مع إقبال عليه بفضل الرسوم الجمركية الأمريكية    وزارة الثقافة تطلق برنامج دعم المشاريع الثقافية والفنية لسنة 2025    دراسة: البدانة ستطال ستة من كل عشرة بالغين بحلول العام 2050    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    أحوال الطقس ليوم الأربعاء: برد وزخات مطرية في مناطق واسعة من البلاد    مصرع شخصين في اصطدام عنيف بين شاحنتين بطريق الخميس أنجرة بضواحي تطوان    انتخاب المغرب نائبا لرئيس مجلس الوزارء الأفارقة المكلفين بالماء بشمال إفريقيا    التفوق الأمريكي وفرضية التخلي على الأوروبيين .. هل المغرب محقا في تفضيله الحليف الأمريكي؟    "مرحبا يا رمضان" أنشودة دينية لحفيظ الدوزي    مسلسل معاوية التاريخي يترنح بين المنع والانتقاد خلال العرض الرمضاني    ألباريس: العلاقات الجيدة بين المغرب وترامب لن تؤثر على وضعية سبتة ومليلية    الركراكي يوجه دعوة إلى لاعب دينامو زغرب سامي مايي للانضمام إلى منتخب المغرب قبيل مباراتي النيجر وتنزانيا    القناة الثانية (2M) تتصدر نسب المشاهدة في أول أيام رمضان    الإفراط في تناول السكر والملح يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان    الفيدرالية المغربية لتسويق التمور تنفي استيراد منتجات من إسرائيل    القنوات الوطنية تهيمن على وقت الذروة خلال اليوم الأول من رمضان    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    كرنفال حكومي مستفز    وزارة الصحة تكشف حصيلة وفيات وإصابات بوحمرون بجهة طنجة    فيروس كورونا جديد في الخفافيش يثير القلق العالمي..    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    المياه الراكدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايات صادمة لجنود مغاربة عادوا من سجون البوليساريو
تعرضوا للتعذيب دفاعا عن الوطن و”تنكرت” لهم الدولة ويعتصمون حاليا أمام البرلمان
نشر في المساء يوم 21 - 07 - 2011

عجز لسانهم عن وصف معاناتهم في مخيمات «الحمادة» في تندوف، جنوب غرب الجزائر. وحدها النظرات والدموع التي يذرفونها مع كل حكاية يروونها تختزل حجم المعاناة،
والأجسام التي نُحتت عليها خارطة جميع أنواع التعذيب الجسدي الذي مورس عليهم بعد سنوات من الأعمال الشاقة والعيش في زنازين كانوا «يقتسمونها» مع الجرذان والقمل والدود والجوع تقول كل شيء... الصبر هو العنوان الوحيد في «معركة» قد يخرج منها البعض «معطوبين» ويلقى آخرون حتفهم لينضافوا إلى الرؤوس المدفونين في مقابر جماعية. كان حلم العودة من مخيمات تندوف بالنسبة إلى المغاربة أسرى الحرب الأمل الوحيد الذي طالما طمحوا إلى تحقيقه. مضت سنوات طويلة وعانقوا أرض وطنهم، الذي انتظروا منه الشيء الكثير لينسوا ما احتفظت به ذاكراتهم من لحظات التعذيب والتنكيل هناك، بعد أن صارت أجسادهم أشبهَ ب«خارطة» رسمت عليها وسائل تعذيب «ملشيات» جبهة البوليساريو أبشع «اللوحات»، فمنهم من خرجوا سالمين ومنهم من خرجوا بعاهات مستديمة ومنهم من قُتلوا شنقا أمام الملأ، فيما آخرون ما زالوا في عداد المفقودين أو مجهولي المصير... «المساء» تنقل لكم قصصا وشهادات حية لأسرى حرب نجوا من الموت المحقق في مخيمات تندوف. ويواصلون اعتصامهم اليوم أمام البرلمان للمطالبة بإنصافهم.
لم يكن عبد الله سامر (ضابط الصف في القوات المسلحة الملكية) يظن، يوما، أنه سيعيش بقية حياته حرا طليقا ليروي معاناته في مخيمات تندوف بأعلى صوته، بعدما أُسِر في سنة 1980 فقضى 24 سنة في «الويلات والجحيم». يقول سامر إنه من الصعب سرد كل ما عانوه في المخيمات من أعمال شاقة وتعذيب وإهانة لكرامة الإنسان داخل المعتقل: «عشناها كلها ويل»، خاصة من 1975 إلى حدود سنة 1991، بعد توقيف إطلاق النار. ويحكي سامر أن الجنود الأسرى في مخيمات البوليساريو كانوا أسوأ من «العبيد» وقال «النملة خيرْ مْنّا».. فما يسود هناك هو الأعمال الشاقة 16 ساعة فأكثر بدون توقف وبدون أكل. فقد منعوا عليهم وجبة الفطور، أما الغذاء فلا تصلهم إلا في حدود الساعة الثالثة بعد الزوال، وعادة ما تكون عبارة عن قليل من العدس بدون خبز، أما وجبة العشاء ف«حدّث ولا حرج»: قليل من الأرز، ويسمى محليا، «مارو» يتم طبخه في الماء العكر ويوزع ب«البالة والبرويطة»، وهذا جانب فقط مما يعيشه الأسير في مخيمات «العار». وبالنسبة إلى اللباس فيقول سامر إن «كل لون «يُمحى»، لكثرة الأوساخ وغياب النظافة، فالقمل يغزو رؤوسهم وأجسادهم، علاوة على كون الأسرى يعانون من قلة الماء الشروب، إذ تُوزَّع عليهم خمسة لترات فقط من الماء «العكر»، يسمى محليا «الماء الحار»، على مدار 24 ساعة. ولا تكفيهم حتى لهيب الحر ومتاعب الأعمال الشاقة...
ويتذكّر سامر مشهدا لم يستطع نسيانه، عندما أثار القمل غضبه فحاول التخلص منه بنزع ملابسه تم دفنها في الرمال، ليفاجأ وهو يرى القميص الذي غطاه القمل «يتحرك» وكأن «كائنا» كبيرا يقوم بتحريكه... ابتسم قليلا وواصل حديثه قائلا: «قد لا يتصور أحد كيف يعيش الأسير في المخيمات داخل زنازين ضيقة لا تسع الفرد الواحد»، مضيفا أن المعاناة الحقيقية التي يعيشها أسرى حرب لا تعد ولا تحصى. ويحكي قصة أحد الأسرى، يدعى «علي»، الذي كان يمارس مهنة التمريض في الميدان العسكري، وقد أمره أحد الانفصاليين في جبهة البوليساريو بتولي «مهمة» تنظيف الأسرى من القمل وغسل الملابس فقال له بالحرف «احرق بوك أشّلوحا.. راكوم عبد عندنا وراكم غير مخينزات»!.. ورفض الممرض أوامر عسكريي البوليساريو...
تنهمر الدموع من عين سامر وهو يسترجع المشهد المؤلم قائلا: «دفنوه حيا في صندوق إلى أن مات»، مضيفا أنه كان شاهدا على عدد من الوقائع المرعبة، وفي كل مرة يحس فيها أن نهايته قد اقتربت. وقد كان سامر شاهدا، أيضا، على قتل أحد الملازمين شنقا أمام أعين الأسرى، عندما حاول صديق له كان يعمل في مجال الطيران، الفرار واتهموه بأنه هو من ساعده على ذلك، فكان مصيره القتل شنقا... لم يكتفِ سامر بسرد هذه القصة الأليمة فقط، بل إن أحد زملائه أضرموا فيه النار وأحرقوه... في مركز يطلق عليه اسم «الرشيد»، يتم وضع كل أسير في زنزانة فردية لا تتجاوز مساحتها مترا واحدا لا يمكن تصوره. قال سمير: «ضاقْ بيا الحال مْع المينوط والباندا على العينين.. لا يمكن تحمل ذلك»...
محاولة الفرار مسألة حياة أو موت
بعد أن وصف سامر الأجواء التي كانوا يعيشونها في مخيمات البوليساريو، يحكي لنا عن تفاصيل المغامرة «المصيرية» التي قام بها رفقة مجموعة من الأسرى، حيث خططوا للخروج من مخيمات تندوف. يقول سامر إن ثلاثة مسؤولين من البوليساريو، يعرف الكل مدى قسوتهم وصلابة قلوبهم، انهالوا على رأسه بالضرب بعصا حديدية حتى سالت دماؤه واختمر الجرح، وفي ظل غياب النظافة والعناية والتطبيب، وجد الدود طريقه إلى الجرح.. فقط لأن سامر «تجرأ» على مخاطبتهم بالحرف «حنا مغاربة شادّينْ السلاح باش نْدافعو على بلادنا.. أنتوما مغاربة كتتفلّى عليكومْ الجزائر»..
تألم سامر وواصل كلامه عن حكايات وقصص لم تنته بعد، فتحدث عن المبادرات التي تقوم بها المنظمات الدولية والصليب الأحمر، إذ إن المشاريع التي تمولها هذه المنظمات غير الحكومية في الجزائر وتؤدي أجر اليد العاملة. يقول سامر «لمحابس هما اليد العاملة، اللي كتطلع المشروع في شهر فالتجويع والعصا». لكن الممولين الدوليين لم يكونوا على علم بأن التي تدفعها للجزائر مقابل دفعها للعامل لا يستفيدون منها، بل أكثر من ذلك هو أن هذه المنظمات في جهل تام عن أن اليد العاملة التي تستغلها الجزائر في أشغال البناء هي الأسرى. يقول سامر إن إحدى المسؤولات الأجنبيات تدعى «دانييل» صدمت عندما أخبروها بسرية بأن كل المشاريع التي تسهر على تمويلها هم من شيدوها يشتغلون ليل نهار دون أكل ودون شراب بل تحث الضغط والعصا والتعذيب والإهانة من خلال إجبار الأسرى على العمل دون ملابس.
أضف إلى ذلك أن التموين الغذائي الموجه إلى الأسر يتم تسخير هؤلاء الأسرى المغاربة من طرف قادة البوليساريو ومناصريه إلى سرقة ذلك والخطة التي يتم بهذا ذلك هو توزيعهم على شكل مجموعات كل حسب المهام الموكولة إليه ويشرف على كل مجموعة حارس من الموالين لجبهة البوليساريو لمراقبة السلع المسروقة. ويتم التنسيق مع المتواجدين على الحدود الجزائرية المغربية وبالضبط في منطقة أحفير ووجدة من أجل تسهيل العملية. وذلك بعيدا عن أعين المنظمات الدولية التي ترسل هذه الإعانات لفائدة الأسرى لكن عندما بلغ السيل الزبا، كما عبر عن ذلك سامر، قرر حوالي 130 أسيرا البوح لهذه المنظمات بالحقيقة فيما الحقيقة يقول مصدر ثاني عكس ذلك وهي أن البوليساريو التي تتظاهر بها جبهة البوليساريو، التي «تتاجر بأسرى الحرب وتلبس قناع البراءة»، ونجحت خطتهم لتكون هذه بالنسبة للأسرى بصيص أمل نحو التحرر من العبودية بعد الويلات التي عاشوها في مخيمات تندوف واستطرد سامر قائلا إن سيف الإسلاف القذافي حضر مع إحدى المنظمات غير الحكومية، معبرا عن ذلك المشهد بالقول «ملي شفنا سيف الإسلام قلبنا تكلع»، وبرر ذلك بتخوفهم من أن يكون الهدف من وراء زيارته لمخيمات تندوف هو الحديث عن جمهورية البوليساريو، ليتفق الأسرى فيما بينهم بمهاجمته إذا تحدث عن مناهضته للمغرب. قال سامر إنهم تفاجؤوا بالطريقة التي خاطبهم بها سيف الإسلام، وصفها سامر ب«الحكيمة» خاصة عندما أوضح أنه أتى من أجل طلب الإفراج عن الأسرى المغاربة. وأكد المصدر ذاته على أن ابن الزعيم الليبي لم يتحدث أبدا عن الجمهورية، التي انتظروا أن تكون من بين أولوياته إلا أنه اكتفى بوعدهم بالإفراج عن بقية المعتقلين والمسجونين في المخيمات، ومن تم أفرج عن سامر في الدفعة التي دخلت أرض الوطن سنة 2004.
«بتروا رجلي واتهموني بتوعية السجناء»
لم يستطع علي البالغ من العمر 70 سنة الحديث طويلا عن حالته، وكأنه لا زال يعيشها، يقول علي الذي قضى حوالي 24 سنة في مخيمات البوليساريو، إنه لم يتمكن من نسيان كل ما تعرض له من تعذيب لا يطاق وكأن الأحداث تعيد نفسها. يحكي علي أنه بعد علم المسؤولين في جبهة البوليساريو بأن بعض الأسرى يشكلون خطرا عليها، قامت بنقله مع حوالي 45 منهم إلى إحدى المراكز المعزولة، حيث «لا مجال للرحمة»، يضيف علي إنهم يُجردون من ملابسهم كاملة ك»رقيق القرون الجاهلية» ويُسخرون للأعمال الشاقة لساعات طوال، وتحث الضرب والعصا دون شرب الماء فيضطرون إلى شرب الماء العكر الممزوج بالغبار والطين، تذكر علي أن أحدا من حراس البوليساريو أمره بالتمدد على الأرض وأن يطأ عليه حوالي 500 عامل قال علي» اللي خايف كايوطا واللي ما خايف غير كيقيسني بشويا ويدوز بتخبية»، وأن السبب الذي دفعهم إلى ذلك هو كونهم شككوا في أن يكون علي يقوم بتوعية الأسرى، تم نقلوه مغطى الوجه وملفوف بغطاء رث ك«الميت» إلى مركز آخر عبارة عن حفرة عميقة يتم فيها وضع السجناء وتعذيبهم، والمعروف عن هذا المركز تمارس فيه شتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، وبعد أن أزالوا عنه الغطاء يقول علي إنه صدم عندما رأى أسلاكا كهربائية وخيوطا معدنية وحبالا ملطخة بالدماء ما يبرهن أنها تستعمل لتكبيل السجناء، وإعدامهم فأحس حينها بأن نهايته اقتربت، وآخر لحظات حياته، خاصة بعدما أصيب بالربو لقلة الأكسجين و»العفن والأوساخ والحشرات»، واستمر الوضع على ما هو عليه لمدة عامين داخل «الحفرة»، كما وصفها، قبل أن يتم تحويله إلى مركز آخر. بألم وحسرة تأسف علي الاستقبال الذي تلقوه من قبل الدولة المغربية التي قالوا عنها لم تعترف لهم بتضحياتهم دفاعا عن كرامة وطنهم واختزل كلامه بالقول «حنا راه الصحراء دافعنا عليها بدمنا وفالأخير حتى ولادنا فاش كنا أسرى ما حسنوا بهم».
استأصلوا عيني وهددوني بالقتل
في مخيمات «لحمادات» قضى أحمد الحمداوي سنوات وهو لم يتجاوز آنذاك ربيعه 20 عندما تم احتجازه في سنة 1987 لم يستطع أحمد مواصلة حديثه وسرد معاناته حتى أردف الدمع. يقول أحمد بمرارة «كواوني بالعافية وحيدو ليا عيني ليسرا بالموس» حرموه من عينه بعد محاولتين فاشلتين من الفرار من مخيمات تندوف، يقول أحمد إنهم حرموه من عينه بعدما كبلوا يديه ورجليه، لم يشعر أحمد حتى أزال عينه الاصطناعية ليرينا الدليل ومدى المعاناة والتعذيب الجسدي الذي تعرضوا له، والذي خلف لديهم تبعات لم تفارق الكثير منهم، بل حولت بعضهم إلى مرضى نفسيا. لم ينس أحمد محاولته الثالثة في الفرار من معتقل تندوف ومغامرته خاصة أنه تعرض للتهديد بالقتل إذا ما كرر المحاولة. إلا أنه نجا ب»أعجوبة» ودخل إلى وطنه سنة 2005.
إعدام ومقابر جماعية
لا تختلف معانا ة حميد عن بقية الأسرى، إلا أن درجة التعذيب هي المقياس. يحس حميد «المرهف الإحساس» وكأنه الوحيد الذي ذاق مرارة المعاناة وحرقة الفراق، قائلا «أنا داكشي اللي عشتوا معاشوا حتى واحد»، لم يشعر حميد بنفسه حتى «نزع» سرواله ليرينا التشوهات الجسدية التي خلفتها معتقلات تندوف، التي قضى فيها حوالي 25 سنة منذ 1979، ولم يبال بمن حوله تم أعاد ارتداءه، وبدأ يسرد ل«المساء» قصة حياته في مخيمات تندوف، وكيف بتروا أصابعه بعدما اتهموه بمحاولة الفرار والسرقة، تم جردوه من ملابسه وتركوه «كما خلق». بحرقة وإشارات عصبية، يقول حميد: «حشوما نجيو لبلادنا أمانشدو حتى تعويض. قطعوا أصابعه عندما رفض وأسيرين أخرين التصريح لإحدى الصحف التابعة للدول المعادية، يضيف حميد إنه على إثر ذلك تم نقلهم إلى مكان خاص لتخزين الأسلحة فبتروا أصابعه فيما كان مصير الأسيرين الآخرينالإعدام. مؤكدا أنه اكتشف بالصدفة مقابر جماعية دفن فيها عدد من الأسرى تحولت في نهاية المطاف إلى مؤسسات.
يواصل حميد كلامه بالقول إن العذاب الذي ذاقه في مخيمات «الحماداة» لا يمكن وصفه، فكل حدث يمر إلا ويترك ذكرى أليمة لا يمكن نسيانها، فويل لمن يقول «عاش الملك» ستكون نهايته مأساوية قال حميد «تجرأت على قولها فعلقوني من رجلي لساعات لدرجة أجبرت على شرب البول أثناء قضاء الحاجة» وقبل أن يعلقوه من رجليه ربطوه بسيارة رباعية الدفع وجروه لمسافة طويلة حتى تشوه جسده. استغرب حميد للطريقة التي «يهان» بها الأسرى المغاربة عن طريق وسائل إعلام مفبركة تقوم ببثها للأسرى في صورة مغايرة تماما لما هو في الواقع. وتُحرضهم على كره الوطن رغبة في استمالة الأسرى من أجل الانضمام إلى الجبهة عبر وسائل إعلام خصصت لهذا الغرض.
فيضان «لحمادات».. بداية الفرج
نظرا إلى كون «الحمادة» عبارة عن وديان جافة شهدت في الثمانينيات إعصارا مفاجئا لأول مرة في تاريخ المنطقة حمل معه جزءا كبيرا من مخيمات البوليساريو فلاذ أثناءها جنود الجبهة بالفرار في اتجاه المرتفع، تاركين وراءهم نساءهم وأبنائهم وسط السيول المخيفة لولا تدخل الأسرى المغاربة، لإنقاد من جرفته السيول، رغم أن الجزائريين طوقوا المكان، لخلف وراءه ضحايا لا تعد ولا تحصى. يحكي سامر الذي كان من بين «رجال الإنقاذ» أن عبد العزيز المراكشي عقد اجتماعا استعجاليا بعد انبهاره بتدخل الأسرى المغاربة. وأكد سامر على أن الزعيم الانفصالي للجبهة خاطب جنوده بالحرف «شوفو يا فضيمات (عبارة تحقيرية)، عنداكم تظنو على أنكم شديتو الجندي المغربي بالكلاشنيكوف». ومن تم أمرهم بعدم التعرض للجنود المغاربة قائلا: «من الآن فصاعدا خليوا عليكم الجندي المغربي في التقار حاجا وحدا اللي حاول يهرب ألا تلقاو عندو السلاح ما تشاوروا معايا فيه».

حلم العودة من تندوف.. مسلسل آخر من المعاناة
«كنا نفتخر بأنفسنا أبطال حرب» هكذا عبر سامر عن حكاية الإفراج عنهم والحلم باعتناق دفئ الأسرة من جديد الذي افتقدوه لسنوات، عادوا إلى المغرب نحو عاصمة الجنوب أكادير، تساءل سامر عن عدم التزام الدولة المغربية بالتعويضات التي وعدتهم بها بعد التضحية من أجل الوطن.
وبحسرة قال سامر «كنا فخورين باعتناقنا وطننا وأننا سنعيش «فوق فيكيك» لكن أملنا تحطم عندما وجدنا أنفسنا في الشارع». وأشار أنهم لم يلقوا من الوعود التي وعدتهم بها الدولة المغربية من التوفر على سكن والاستفادة من التعويضات عن سنوات الغربة والعذاب كاعتراف منها لهم بالتضحيات التي قدموها من أجل وطنهم، يضيف سامر إن منهم من قام بشراء منزل عن طريق الاقتراض في انتظار الحصول على التعويضات، من أجل بناء أسرة في سن متقدم لا يسمح بالتأجيل لأن «قطار الحياة لا ينتظر»، وهو يتنفس بشدة قائلا « حنا جينا من تندوف ألقينا راسنا في الشارع». و»الوعد اللي قطعناه بيناتنا غير الحبس ولا الموت واللا التعويضات».
وحسب شهادات هؤلاء الأسرى الذين اكتووا بنار جحيم مخيمات تندوف فإن معاناتهم وويلاتهم لم تنته بعد بالنسبة لهم ما داموا يقضون أياما وشهورا في العراء أمام البرلمان «ولا من يحرك ساكنا» فقرروا أن يظلوا حيثما هم إلى أن تسوى وضعيتهم ويُرفع عنهم الظلم، و «الحكرة» وأكدوا على أنه رغم ما يتعرضون له من مضايقات وإزعاج المنحرفين أو تدخلات الأمن لإخلاء المكان، إلا أن ذلك لن يغير قرارهم واكتفوا بالقول: «حنا مولفين لحفاري والقمل والوسخ في المخيمات». أما في المغرب «حنا كنباتوا في الزنقة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.