بعد مرور أكثر من عقدين على اختراعها لازالت ألعاب الفيديو تشكل جزءا لا يتجزأ من عالم الترفيه والتسلية. اليوم أصبح الأمر أكبر من مجرد استمتاع، الرهانات تجتاح قاعات اللعب وحتى المنازل ممن يمتلك أصحابها أجهزة اللعب، شباب يتوق للقاءات حميمية والوجهة قاعات اللعب، وأخطار لا يدركها جل مدمني اللعب... يصرخ بانفعال في الشاشة وهو يتحسر على ضياع هذه الفرصة من طرف لاعبه «الافتراضي»، يقاطعه زميله في اللعب «خلينا نلعبوا أصاحبي راه من الصباح وانا تانزكل». لم تمر إلا دقائق معدودة حتى نهض اللاعبان من مكانيهما، دفع اللاعب الخاسر مبلغا لصاحب المحل ومبلغا لزميله في اللعب الذي ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة وشامتة بصديقه المنهزم، هذا الأخير غادر محل اللعب وهو يجر أذيال الخيبة وسط صفير واستهزاء الجمهور الحاضر. يعد محل سعيد «الريالي» كما يلقبه الزبناء الأوفياء، من أشهر محلات ألعاب الفيديو بالقامرة أحد الأحياء الشعبية بالرباط فعلى الرغم من ضيقه وعدم توفره على عدد كافي من أجهزة اللعب إلا أنه يستقطب عددا لا بأس به من اللاعبين يوميا، فالقرب من إحدى الثانويات يضمن لسعيد ربحا محترما. يستمر اللعب والتنافس، الصرخات تتعالى من طرف الجميع: الجمهور أو اللاعبين على حد سواء في حماس يتجاوز مجرد الترفيه وقضاء أوقات الفراغ.. متعة الرهان محل سعيد ليس الوحيد بالقامرة، الذي لا يكاد يخلو درب بهذا الحي من محل لألعاب الفيديو، غالبيتها تتواجد قرب المؤسسات المدرسية فتردد التلاميذ بمختلف أعمارهم لا ينقطع، بعضهم يغادر الأقسام للاستمتاع بالتكنولوجيا الحديثة عوضا عن الدراسة والاستعداد للامتحانات، والبعض الآخر يذهب للرهان على أحد اللاعبين.. سيناريو يتكرر كل يوم وبشكل دائم، يصرخ أحد اللاعبين بغضب شديد: «لقد خسرت مصروف الجيب اليومي... بداية يوم منحوس فعلا» ويغادر المكان بعد أن سلم كل ما لديه وسط تصفيق الحاضرين وسعيد أيضا الذي لم يتدخل ولن يتدخل، بكل بساطة الرهانات هي مصدر الربح الأساسي لأصحاب المحلات وليس الثمن الذي يؤديه الزبون العادي، فصاحب المحل يأخذ نسبة مهمة من كل رهان وفي بعض الأحيان يكون طرفا في أحد الرهانات. وتنظم بشكل غير منظم دوريات في ألعاب الفيديو بأحد المحلات الموجودة هنا حيث لا مكان للاعبين هواة، مبلغ الاشتراك في دوري كهذا قد يبلغ في بعض الأحيان مائتي درهم للاعب الواحد، يأخذ صاحب المحل ما يقارب نصف المبلغ وأصحاب المراكز الثلاثة الأولى يقتسمون الباقي. جشع أصحاب المحلات جعل اللاعبين يفكرون في تنظيم دوريات بمنزل أحدهم حتى يكون هامش الربح أكثر، الكثيرون أصبحوا يفضلون الدوريات المنظمة بالمنازل حتى على مستوى الراحة، والنظافة وجودة أجهزة اللعب. تبقى لعبة كرة القدم هي اللعبة الأولى في هاته الدوريات، شعبية اللعبة الحقيقية وشغف الجمهور بها جعلها تحتل الصدارة حتى في العالم الافتراضي تأتي بعدها ألعاب الحرب الاستراتيجية وألعاب الفنون القتالية. غير بعيد عن القامرة، بأكدال أحد أحياء العاصمة وفي بناية حديثة العهد يحتل مقهى للأنترنت طابقا بأكمله، مقهى الأنترنت لا يوفر خدمة الولوج للويب فقط، ففي كل حاسوب توجد لعبة من ألعاب الفيديو الحديثة «هنا نوفر للزبون إمكانية الولوج للشبكة العنكبوتية واللعب إن أراد ذلك» يقول أحمد مسير المقهى وهو مزهو بعدد الزبناء الذين يتوافدون على المحل كل يوم رغم الثمن المرتفع نسبيا عن باقي محلات ألعاب الفيديو ومقاهي الأنترنت، ثمن كان كافيا لجعل أحمد يمتنع عن السماح للاعبين بالمراهنة داخل محله بل يرفض ذلك رفضا قاطعا، كونه لا يريد أن يتحول محله إلى محل للقمار كغالبية المحلات الموجودة بالعاصمة، سمعة مقهى الأنترنت أهم من كل شيء، يشدد أحمد على هذه المسألة بالذات، لكنه لا يمانع تنظيم دوريات للزبناء بين الفينة والأخرى دون أن يعود عليه ذلك بأي ربح مادي، مشيرا إلى أنه يفعل ذلك من أجل تلبية رغبات الأوفياء منهم والذين يترددون على المحل بصفة دائمة فيجد حرجا في رفض ذلك. الزبناء كذلك لا يأتون هنا فقط من أجل التسلية واللعب بمفردهم، يمكن لهم أيضا اللعب مع منافسين آخرين ومن دول أخرى، فالمواقع الإلكترونية المختصة في ألعاب الفيديو لا تعد ولا تحصى بالويب، الألعاب متعددة وعدد اللاعبين كبير ومتباين في المستوى «اللاعبون المغاربة يعدون من الأفضل عالميا في عديد الألعاب» يقول أحد اللاعبين بافتخار كبير ويؤكد أنه لو كانت لدى المغاربة حواسيب بجودة عالية لكانوا الأفضل من دون منازع. الاهتمام بألعاب الفيديو بالمغرب لا يقتصر فقط على الهواية، فقد أنشئت مواقع مغربية صرفة تعنى بكل ما يتعلق بألعاب الفيديو وآخر الإصدارات في الميدان وكذا تقديم نصائح حول طريقة اللعب. أشهر هذه المواقع marocjeux.net، الذي جاء بعد تأسيس الجمعية المغربية لألعاب الفيديو دجنبر 2006، الموقع حقق نجاحا باهرا وأصبح اليوم مرجعا لرواد الأنترنت من الناطقين باللغة الفرنسية وتعدى عدد زواره من المغاربة 500 ألف. الموقع ينظم كأس المغرب لألعاب الفيديو كل سنة والفائزون في مختلف الألعاب يمثلون المغرب في كأس العالم لألعاب الفيديو. لقاءات تحت «سقف» ألعاب الفيديو مقاهي ألعاب الفيديو بالأحياء الراقية تعرف توافد زبناء من نوع خاص، زبناء ليس غرضهم التسلية والترفيه عن النفس وإنما لقاء أصدقاء غالبا من الجنس اللطيف، من مختلف الفئات دائما تعرف هذه المقاهي توافدا كبيرا خلال نهاية الأسبوع والعطل الموسمية. المقاهي لا تكتفي بألعاب الفيديو الحديثة، فطاولات البلياردو هي أيضا جزء من منظومة الترفيه وهي الأكثر طلبا من طرف «الأزواج». الدخول إلى مثل هاته المقاهي لا يعني بالضرورة الترفيه عن النفس والاستمتاع بأحدث الألعاب، غالبية الزبائن تعتبر المكان فضاء للقاء الصديقة، فأصحاب المقاهي لا يمانعون في رؤية شاب يقبل فتاة أو يدخن سيجارة «مشبوهة» ما دام أنه لا يسبب إزعاجا للآخرين بل إن أصحاب بعض المحلات يرفضون استقبال شاب لوحده دون أن يكون صحبة فتاة وكأن الأمر يتعلق بعلبة ليلية... المقاهي من هذا النوع أصبحت تعتمد على حراس أمن تفاديا لأي مشكل قد يقع داخل قاعة اللعب، المثير أن أصحاب المقاهي يمنعون أي نشاط فيه مراهنة بل يرفضون حتى تنظيم دوريات ودية بين اللاعبين، أحد مسيري مقهى ألعاب الفيديو بأكدال يؤكد بأن «وجود الجنس اللطيف يزيد من حرارة المنافسة، بعض اللاعبين لا يطيق أن تشاهده صديقته يخسر» يضحك ضحكة عالية وهو يفسر كيف أن البنات يشكلن عائقا لتنظيم دوريات المراهنة ولكنهن من جهة أخرى يجلبن الربح للمقهى، فهناك من يأتي فقط للتعرف على إحدى الفتيات. أخطار أخرى... بالكزا إحدى المناطق المعروفة ببيع المنتجات الإلكترونية وكل ما يتعلق بها، يتزاحم عدد كبير من الأشخاص بأحد المحلات لاقتناء إحدى أحدث الألعاب التي وصلت للتو، آباء بصحبة أبنائهم ينتظرون في صف طويل رغبة في الحصول على اللعبة، المثير أن الآباء لا يثيرون أي اهتمام لقراءة محتوى اللعبة أو المعلومات التي تكون واضحة في الغلاف فالهم الوحيد هو إرضاء الأبناء. السي محمد كسر هذه القاعدة فقد تنبه خلال قراءته لأحد المواقع الإلكترونية عن خصوصيات الألعاب وملاءمتها لأعمار الأطفال «الشركات المنتجة تبرئ ذمتها من هذا الموضوع فخلال كل لعبة تجد معلومات تبين العمر المناسب وإذا ما كانت المشاهد عنيفة أو إباحية» يقول السي محمد بثقة ووعي بأخطار ألعاب الفيديو. و إذا كان هذا الأب قد نجح على الأقل في أن يحد من بعض أخطار ألعاب الفيديو وذلك فقط لأن ابنه يمتلك جهازا بالمنزل، فإن باقي الآباء الذين يرسلون أطفالهم للعب لا يدركون المضار التي قد تلحق بهم، هذا حتى وإن افترضنا أن هذا الطفل لم يكن يلعب في لعبة تتضمن مشاهد عنيفة أو إباحية، فإن ضيق المكان قد يسمح له أن يشاهد اللاعب الذي بجانبه وهو يلعب لعبة غير مناسبة لهذا الطفل. أصحاب محلات ألعاب الفيديو يرفضون تحمل المسؤولية مبررين ذلك بأن معظم من يأتي للعب يطلب لعبة كرة القدم المناسبة لجميع الأعمار وحتى وإن أراد لعبة غير مناسبة فلا يمكنه الرفض مادام يؤدي ثمن اللعبة. مشكل الأعمار المناسبة ليس هو الوحيد الذي يواجه لاعبي ألعاب الفيديو، فمع تزايد ساعات اللعب قد يصبح مشكل الإدمان على الألعاب مطروحا والإدمان يعني المشاكل الصحية: ضعف البصر والصداع، تقوس الظهر ومشاكل بالعمود الفقري. وقد أقرت معظم شركات ألعاب الفيديو أن اللعب لأكثر من خمس ساعات يوميا قد يؤدي للصداع المزمن. مشكل آخر يتهدد صحة اللاعبين ممن لا يملكون جهازا بالمنزل يتمثل في نظافة المكان ومعدات اللعب «فالمانيطة» وهي الآلية التي يتحكم بها اللاعب باللعبة التي تظهر في الشاشة تنتقل بين أيدي أكثر من لاعب في اليوم، حتى محلات ألعاب الفيديو إذا استثنينا التي توجد بالأحياء الراقية تكون متسخة وضيقة المساحة مما يجعلها مكانا لانتقال الأمراض والجراثيم. عودة إلى محل سعيد وعودة للأجواء الحماسية في رهان آخر، الكل مشدوه نحو الشاشة والكل يهتف للاعب المراهن عليه، سعيد بدوره يبدو غير عابئ بكبر سنه مقارنة بمن في المحل أو حتى وضعه كمسير لقاعة الألعاب، فيصرخ كباقي المراهنين تارة ومشجعا تارة أخرى. إنه جنون ألعاب الفيديو التي تجذب مختلف الأعمار، جنون تصاحبه ظواهر غير صحية لا يكترث لها أي من أطراف هذا العالم الافتراضي «هذا ترفيه الفقراء بثلاثة دراهم; «أستمتع وأقضي وقت فراغي بعيدا عن الشوارع» يقول أحد اللاعبين الذي لم يكف عن الكلام والسب أحيانا...