الزمان: الثامن عشر من شهر ماي 2011.. المكان الرباطسلا.. الحدث: الملك محمد السادس يدشن الترامواي. إن الحضور الملكي في هذا الحدث يبرز أهمية هذا المشروع للرباط خاصة وللمغرب عامة لأنه نقطة بداية تحول جوهري في عادات التنقل لدى الملايين من سكان الرباط، في انتظار أن تعمم هذه الوسيلة الحداثية على جميع ربوع المملكة خدمة لهذا الجيل و للأجيال القادمة. تشير الساعة إلى الرابعة زوالا. يسود صمت غير اعتيادي على البولفار، أو ما تبقى منه. وفي تقاطع هذا الشارع، تجد بعض المارة يقطعون الطريق دون الالتفات يمينا أو شمالا. عن بعد يسمع دوي صفارة يتعالى مع اقتراب الترامواي، غير أن هذا الصوت لا يحرك ساكنا في الرباطيين، مع أنه يثير انتباههم لأنه أمر لم تعتد عليه أزقة المدينة. «الترامواي آت» يصيح أحد المارة، الذي يحمل آلة للتصوير والابتسامة تعلو وجهه. ها نحن نرى الترامواي يقترب ومع مرور كل ثانية، تتوضح ملامحه. فتصميم هذا الترامواي يوحي لنا ب«الديجا ڤو» لأن الجزء الأمامي للترامواي يشبه تلك المركبات الفضائية الغريبة، ولا شك أن المصممين الفرنسيين استوحوا منها الشيء الكثير.ومع ذلك، فإن التصميمين الخارجي والداخلي، على حد سواء، لهيكل الترامواي يوحي بأنه مصنوع من الزليج. كما أن الرسومات التي يحملها الترامواي مستوحاة من شلالات ضريح محمد الخامس في الرباط. أما بداخل الترامواي، فتجد وجوها هادئة لا تبدو عليها أدنى علامات الإرهاق أو التعب. وبمجرد ما تلج القاطرة، تشعر بالهدوء المخيم على المكان. ومن يلاحظ جودة وإتقان الترامواي لا يشك، ولو لحظة، في جدية هذا العمل. ينعم الراكب بجو مكيف وبتسهيلات للأشخاص المعاقين لكي يسهل ولوجهم. المقاعد المريحة والنوافذ الزجاجية المكبرة توحي لك بأن السيارات وكل ما يوجد خارج المقطورة أكبر حجما. واليوم، لم يتبق لأولئك، الذين شككوا في هذا المشروع، سوى التزام الصمت.كما لم يبق لأولئك، الذين كانوا يعولون على هذا المشروع، سوى التوجه إلى عملهم باستعمال هذه الوسيلة الحديثة للتنقل. عند وصول الترامواي إلى المحطة يفتح أبوابه لركاب أخذوا يعتادون على ركوبه، ولم تعد كلمات مثل التدافع والتزاحم موجودة في قاموسهم اليومي، فالترامواي يضمن مكانا للجميع ولا داعي للتزاحم والتدافع لضمان مقعد للجلوس. وفي انتظار إطلاق خدمة الاشتراك، لا بد للراكبين من التوجه إلى الأكشاك حيث تباع التذاكر. ولأن التجربة مازالت في بدايتها، يعمل الترامواي من الاثنين إلى الجمعة من الساعة السابعة صباحا إلى التاسعة ليلا ويوم السبت من الساعة السابعة صباحا إلى الواحدة زوالا. وتعد شركة الترامواي الرباطسلا بأنها ستوفر، ابتداء من شهر يوليوز الجاري، تذاكر صالحة لمدة ساعة صالحة للتنقل ذهابا وإيابا. كما سيتم إطلاق خدمة الاشتراك، التي ستخول للمشترك مثلا لمدة شهر واحد الاستفادة من ثمن التذكرة بثمن أقل من 5 دراهم، حسب ما صرح به أحد المسؤولين في الشركة. ولازالت خدمة المراقبة الالكترونية غير معتمدة إلى حد الساعة، لكنها ستدخل حيز التنفيذ ابتداء من شهر يوليوز الجاري، حيث ستكون التذاكر مزودة بشرائط مغناطيسية لاصقة ستسمح بتمريرها عبر آلات إلكترونية، مما سيسهل عمل مراقبي التذاكر. وبفضل هذه الآلات سيعرف هؤلاء المراقبون الساعة التي ولج فيها الراكب الترامواي، وما إذا كان قد استهلك ساعة التذكرة أم لا. كل محطات الترامواي مزودة بأكشاك تقدم خدمات للركاب على شكل معلومات حول وجهة الترامواي وتوقيته، وكذا قائمة بجميع محطات وقوف الترامواي. هذه المعلومات ضرورية لمن يستعملون هذه الوسيلة لأول مرة. وإلى حد الساعة، يعمل خطان للتراموي، واحد أحمر والآخر أزرق. وحتى لون الترامواي من الداخل يتبع نفس التقسيم. وعند مدخل كل قاطرة، يجد الراكب خطاطة توضح مسار الترامواي ومحطاته. وبفضل جهاز الدفع الكهربائي، يبقى الترامواي وسيلة التنقل المثلى لأنها الأقل تلويثا للبيئة، حيث يستهلك أربع مرات أقل من الحافلة العادية وعشر مرات أقل من السيارة العادية. هذه الوسيلة الحديثة ليست اقتصادية فحسب، بل تحافظ على البيئة. غير أن النقطة السلبية الوحيدة تكمن في خطوط التغذية الكهربائية التي توجد فوق الترامواي، وتشتغل ب750 ڤولت متواصلة، مما يؤثر على المنظر الجمالي للمدينة. ولتفادي هذا الجانب السلبي، يمكن اعتماد تقنية أخرى تعتمد على تزويد الكهرباء بخطوط كهربائية مدفونة تحت الأرض، بالإضافة إلى سكة ثالثة تقام بين السكتين لتقوم بتزويد الترامواي بالكهرباء، وتكون مصممة بطريقة تجعلها تعمل فقط عند احتكاكها بالترامواي، وبذلك لا يكون أي خطر قائم على الراجلين أو أصحاب الدراجات، سواء النارية أو العادية. وهكذا، تبقى هذه الأسلاك الكهربائية بعيدة عن الأنظار ولا تمس بجمالية المدينة. ولقد اخترعت هذه التقنية «إينورايل»، فرع من فروع «ألستوم»، وهي نفس الشركة التي تكلفت بإنجاز مشروع الترامواي بالرباط، و مع ذلك لم يتم اعتماد هذه التقنية في المغرب لأسباب مادية محضة. حواجز أمنية في محطات الترامواي ومع ذلك، هذه الحواجز الأمنية لا توجد في كل المحطات لأن إحداث مثل هذه الحواجز في كل المحطات غير ممكن، سواء من حيث الميزانية أو الجانب اللوجسيتكي أو الأمني .أما بالنسبة للمراقبين، فتبقى المهمة الأصعب هي القيام بواجبهم خلال ساعات الذروة. ويقول أحد المتمرسين في العمل بالترامواي إن «الصباح يعرف عددا كبيرا من الراكبين، خصوصا القادمين من سلا، الذين استطاعوا بفضل الترامواي رفع تحدي الوصول في الوقت إلى العمل». وفي انتظار أن تنتهي الحملة التحسيسية للمواطنين حول احترام علامات السير الجديدة الخاصة بالترامواي، يؤدي سائقو الترامواي مهمتهم على أحسن وجه، ويبينون عن حنكة في قيادته. ويلاحظ أن انطلاق الترامواي يتم بروية وكذلك توقفه. وهكذا، حتى لو كان أحد المارة أو أصحاب الدراجات يقطعون السكة، فلا خطر على حياتهم لأن الترامواي مزود بكوابح سريعة ومرنة، فالراكب لا يكاد يحس برجة التوقف والانطلاق. أما الشركة فلازالت تعبئ كل العاملين بها لتحسيس المواطنين بكيفية التعامل مع هذا الكائن الجديد ريثما يتعود الناس على استعمال الطريق بالشكل الصحيح. تاريخ الترامواي لقد قطع الترامواي أشواطا كثيرة قبل أن يصبح على ما هو عليه اليوم؛ فأول ظهور له كان بالولايات المتحدةالأمريكية ثم كندا. وفي سنة 1832، كان الترامواي يتنقل في ولاية هارليم الأمريكية. وبعد سنتين، اتبعت فرنسا نفس الخطى بترامواي يقطع مسافة 15 كيلومترا ويربط مونترون لي بان بمونتبريزون في إقليم لوار الفرنسي. غير أن شبكة الاتصالات الكندية، التي كانت تسيرها شركة مونتريال للترامواي، كانت الأكثر تطورا آنذاك. وفي 1933، اتسعت شبكة الترامواي لتمتد إلى 510 كيلومترات. واليوم، تضم أستراليا أكبر شبكة للترامواي في العالم، وتشمل ميلبورن على 27 خطا تمتد إلى 250 كيلومترا. هذه الشبكة الضخمة تسيرها شركة «يارا ترامز»، التي تتحكم فيها المجموعة الفرنسية «كيوليس». أما الرباط، فليست هذه أول تجربة لها مع الترامواي، إذ كان الترامواي بشكله التقليدي حاضرا في الرباط سنة 1910، و كان يقصد به تلك القطارات الصغيرة التي تتنقل وسط المجال الحضري، وكان أول ترامواي ينطلق من باب الأحد. وسنة 1917، كان ترامواي مصغر يربط بين باب الاحد و بلڤيدير حيث كان يقام المعرض آنذاك. وفي دار المخزن، كانت هناك سكة تؤدي إلى أكدال (ساحة مادلين) وخط آخر يؤدي إلى تواركة وحتى باب زاير. وحتى الخريطة الرسمية للخدمة الجغرافية بالمغرب لسنة 1924 تشير إلى شبكة الترامواي بالرباط. الترامواي.. الأكثر كلفة في العالم ليس كل قصص الترامواي سعيدة وأفضل مثال على ذلك، ترامواي «دواي» بفرنسا. كان هذا الترامواي بمثابة جوهرة تكنولوجية، وكان التميز الذي يحظى به هو أن هذا الترامواي يسير على عجلات عوض سكك حديدية، وبشكل أوتوماتيكي. لكن مع مرور الوقت، ظهرت العديد من المشاكل وارتفعت تكلفته دون تحقيق الأهداف التكنولوجية المتوخاة. وفي نهاية المطاف، رأى هذا الترامواي النور، وكان بالفعل يسير على عجلات عوض سكك حديدية، وقد تكلف بقيادته أشخاص مدربون لذلك. كان هذا الترامواي الأكثر تطورا وحداثة والأكثر كلفة في العالم: 150 مليون يورو في العام الواحد. الأمن.. نقطة الضعف ومع كل المزايا التي يقدمها الترامواي، يبقى، في حالة ما لم ينتبه الراجلون، مصدرا للخطر! والنموذج المغربي ليس ولن يكون استثناء، إذ أنه حتى قبل أن يبدأ العمل، تعرض ترامواي الرباطسلا لحادثة سير عندما كان في مرحلة تجريبية، إذ اصطدم بدراجة في شارع محمد الخامس. لكن صاحب الدراجة قفز منها قبل أن يقترب منه الترامواي. هذه الحوادث ليست بالشيء الغريب حتى في الدول التي تعتمد هذه الوسيلة منذ عشرات السنين. ويبقى التحدي الأكبر الآن الملقى على عاتق الشركة المسيرة هو مساعدة المواطنين على التأقلم مع وسيلة التنقل الجديدة هذه.