أدلى معتقلون موريتانيون سابقون في سجون جبهة البوليساريو بشهادات حية عن حالات التعذيب والاختفاء القسري الذي ذهب ضحيته عدد منهم خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، أثناء المواجهات العسكرية بين المغرب والبوليساريو حول قضية الصحراء. وقال محمد علي الخرشي، أحد المواطنين الموريتانيين الذين التحقوا بجبهة البوليساريو للقتال إلى جانبه ضد المغرب عام 1979، إنه تم تعصيب عينيه ووضعه في زنزانة معزولة طيلة خمس سنوات لم يكن يميز خلالها بين ضوء النهار وظلمة الليل، كما تعرض لمختلف أشكال التعذيب وسوء المعاملة بعد اتهامه بالعمل لفائدة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ومصالح سرية لدول أخرى. وأوضح الخرشي، في تحقيق بثته قناة «أورونيوز» الفرنسية أول أمس عن المعتقلين الموريتانيين في سجون البوليساريو، أنه كان محظوظا لأنه رأى أمام عينيه بعض المعتقلين يموتون تحت التعذيب في معسكرات البوليساريو. وكشف التحقيق أن العديد من الموريتانيين التحقوا بميدان القتال ضد المغرب بعد خروج إسبانيا من الصحراء عام 1975 واندلاع الحرب بين المغرب والبوليساريو، للدفاع عما «كانوا يعتبرونه قضية عادلة». وأظهر التحقيق أسر ولد مولاية محمد، أحد الموريتانيين المختفين في تيندوف منذ ثلاثين عاما، دون أن تعلم أسرته ما إن كان حيا أو ميتا، وقال شقيقه إن أخاه تعرض للتعذيب الهمجي وعانى جميع الويلات في سجون البوليساريو، وإن بعض الأشخاص الذين كانوا معه في مخيم تيندوف وعادوا إلى موريتانيا يؤكدون أنه مات، أما رسميا فهو في عداد المختفين. ويقول والده: «لقد كان الابن الأكبر لي، أدخلته إلى المدرسة وكنا ننتظر أن يصنع شيئا في الحياة، لكننا لن نرتاح بعد موته، إلى أن يحاكم المسؤولون عن قتله ويعاقبوا». في الفترة الأخيرة بدأ ضحايا البوليساريو من الموريتانيين الذين قاتلوا إلى جانبه سابقا، وكانوا ضحايا التغرير بهم، يتجمعون في ما بينهم من أجل طرح قضيتهم على الساحة الدولية بوصفهم ضحايا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والتعذيب المنهجي والاعتقال التعسفي، ويقول جون عبود، وهو محام لبناني مقيم في بروكسيل، إنه أعد في أكتوبر الماضي تقريرا معززا بالصور والوثائق حول حالات التعذيب والاختفاء القسري لعدد من الموريتانيين في تيندوف جنوبالجزائر، وقبل أسابيع قدم عبود تقريره في ندوة صحافية بنواكشوط، بحضور عائلات المختفين وضحايا التعذيب، ويسعى إلى رفع التقرير أمام أنظار الأممالمتحدة والمطالبة بفتح تحقيق دولي حول تلك الانتهاكات، ووصف عبود حالات التعذيب بأنها «جرائم ضد الإنسانية» و«إبادة حقيقية». ومن ناحيتها قالت دلفين بورجوا، رئيسة جمعية «ميد أورو كار»، إنها صدمت لما عاينته من آثار التعذيب لدى زيارتها لموريتانيا ولقائها مع ضحايا البوليساريو السابقين، وأضافت بورجوا: «إذا كنا نريد حقا إنجاح الشراكة بين ضفتي المتوسط وبين العالم العربي وأوربا، فيجب ألا نبقى مغمضي الأعين حيال هذا الموضوع».