ينتهي الاحتفال أحيانا: فعلى صوت هتاف السوق من قبل حضور «مؤتمر الرئيس»، أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، في نهاية الأسبوع، أنه أمر بتشديد «ظروف الرفاه المفرطة» للسجناء الفلسطينيين. قال إن «احتفالهم» قد انتهى، فلن تكون بعد الآن «إجازات ماجستير للقتل وإجازات دكتوراه للإرهاب». قرر نتنياهو، عشية الذكرى السنوية الخامسة لأسر جلعاد شاليط، أن يطرح عظمة غوغائية أخرى للمحتجين وللبرهان على أنه يفعل شيئا ما للإفراج عنه. ردت عائلة شاليط برضى يثير الدهشة وتنافست وسائل الإعلام في ما بينها على عرض احتفال السنوكر للسجناء الفلسطينيين، فجيء بصور لنشاطات في السجن وسجناء يقرؤون الملحق الصحي لواحدة من الصحف مع دعوة متحمسة إلى تشديد أوضاعهم أكثر. لم يتحدث أحد عن حقوقهم القانونية وعن صورتنا الأخلاقية. ولم يصف أحد، على الوجه الصحيح، ظروف سجنهم ولم يسأل أحد أيضا أي فائدة في هذا الإجراء. الشعب متعطش للانتقام والقتل ونتنياهو ووسائل الإعلام سيُشبعان شهوته. شاليط مسجون في ظروف غير إنسانية وغير قانونية وآثمة. وتشديد ظروف السجن الصعبة، التي هي أصعب من أن تحتمل للسجناء الفلسطينيين، لن يُقرب قيد شعرة الإفراج عنه أو تحسين ظروفه، بل سيُقرب صورة إسرائيل من صورة حماس فقط. إن متحمسي الأستوديوهات والأعمدة الصحافية، الذين تزعزعهم صورة سجين فلسطيني يحضن طفله ويشتاقون إلى أن يروا معاناته، يُحركهم عدم المعرفة وعدم الإنسانية والتحريض والغوغائية. ربما يمكن أن نتفهم غرائزهم إزاء مصير شاليط، لكن لا يجوز أن تصبح قسوة حماس معدية. ينبغي أن نردد، مرة بعد أخرى، أن الإفراج عن شاليط سيأتي بصفقة فقط حُددت شروطها. يمكث نحو 5400 سجين فلسطيني الآن في السجن الإسرائيلي، وذاق مئات الآلاف من الفلسطينيين طعمه المر على مر السنين. ليس الحديث عن «آلاف القتلة» كما يحبون عرضهم، فقد أدين جزء منهم فقط بالقتل، وعدد منهم بأعمال مخيفة على وجه خاص، وسجن 220 معتقلا بلا محاكمة وثمة في السجن أيضا 180 من صغار السن، بينهم بضع عشرات من الأولاد تحت سن ال16. إن جزءا منهم سجناء سياسيون من جميع الوجوه: فقد حُكم عليهم بسبب «الانتماء» وسائر المخالفات السياسية. وحَكم على أكثرهم جهازُ القضاء العسكري الذي تعتبر الصلة بينه وبين القضاء العادل كالصلة بين النشيد العسكري والموسيقى بالضبط، بينهم ضحايا افتراءات المتعاونين الذين سُجنوا بلا ذنب. ليس كل هؤلاء «آلاف القتلة». على كل حال، لجميعهم حقوق حسب القانون الإسرائيلي والقانون الدولي لا تُمنح لهم دائما، ولا يحظى جزء منهم، ولاسيما سكان غزة، بزيارات العائلات منذ سنين، وليس هناك ما نقوله عن عطل للفلسطينيين، ولا يحظى السجناء المؤبدون من العرب الإسرائيليين حتى بتحديد عقوبتهم بخلاف أدنى القتلة اليهود رتبة، وهذا أمر فاضح في حد ذاته. أجل، يحظى بعضهم بالدراسة. التقيت، منذ وقت ليس بالبعيد، الوالد الثاكل سعيد عياش من سلوان: أصبح الإرهابي مترجما للأدب العبري باحثا عن السلام بفضل دراسته في السجن. كلهم سجناء في ظروف شديدة، أقل سوءا من ظروف شاليط، وهذا أمر جيد. كشف تقرير نشرته مؤخرا «بتسيلم» ومركز حماية الفرد، مثلا، عن ظروف الاعتقال المزعزعة في موقع «الشباك» في بيتح تكفا: إن «مشروع جلعاد» الذي افتتح في نهاية الأسبوع، والذي يمثل ظروف اعتقال الجندي الإسرائيلي، يُذكر بها على نحو عجيب، فالمعتقلون مسجونون في زنازين عرضها كعرض الفراش، في ظروف فاسدة مزعزعة، مع ضوء دائم ومنع من النوم. يحمل عشرات آلاف الفلسطينيين منذ سنين ندوبا جسمانية ونفسية بسبب أعمال التعذيب التي جرت عليهم في غرف التحقيق. يرى جزء كبير من الإسرائيليين أن كل هذا غير كاف، فهم يريدون معاناة وانتقاما أكبر. إن منظر «المقلوبة» التي طبخها السجناء لأنفسهم في زنازينهم الضيقة يثير غضبهم أكثر بكثير من منظرنا الذي يظهر في المرآة. يُمتحن المجتمع بمعاملته لأسراه، ومع كل ذلك لو أنني آمنت بأن هذا العقاب الجماعي يأتي بتخليص شاليط فلربما انضممت إليهم.