ووجه بعض الأمناء العامين للأحزاب السياسية، خلال بعض التجمعات التي عقدوها في عدد من الجهات والمناطق لشرح مضامين مشروع الدستور الجديد والدعوة إلى التصويت عليه ب«نعم»، باحتجاجات واسعة من طرف المواطنين وصلت إلى مهاجمة هؤلاء المسؤولين الحزبيين والدعوة إلى طردهم أو نسف تجمعاتهم التعبوية. إنها مشكلة سياسية كبيرة أصبحت تواجهها الأحزاب في المرحلة الجديدة، مرحلة ما بعد الدستور الجديد والحراك الذي يعيشه الشارع المغربي. وإذا كان من غير الممكن الاستحمام في النهر مرتين، كما قال هيروقليطس، فإن ذلك ينطبق على الأحزاب السياسية التي لم يعد يمكنها منذ اليوم أو الغد إنتاج نفس الخطاب مرتين للجماهير التي بلغ وعيها السياسي مبلغا جعلها ترفع شعار «لا» في وجه هذه الأحزاب، في الوقت الذي تدعو فيه الأخيرة إلى التصويت ب«نعم» على الدستور. الأحزاب تعتقد أن «نعم» الدستورية هي «نعمٌ» لها هي أيضا، وهذا خطأ فادح، فالأحزاب لم تظهر أي استعداد لتغيير نفسها ومواكبة التغيرات الكبرى التي تخترق المجتمع. وإذا كان البعض يصف الدستور المعروض للاستفتاء بكونه «دستور الدولة» بالرغم من الإيجابيات التي جاء بها، فإن الحقيقة هي أن الدولة تجاوزت حتى هذه الأحزاب نفسها بقدرتها على التجاوب مع حراك الشارع المغربي، بينما ظل قادة أحزابنا مستغرقين في سباتهم القديم، يستهلكون نفس الخطابات التي ملَّت منها الجماهير. إن احتجاجات الناس اليوم على بعض قياديي الأحزاب السياسية نذير شؤم لهذه الأحزاب، التي بات عليها أن تبدأ بنفسها أولا، بدل أن تعتقد أنه ما زال يمكنها الصعود فوق المنصات والمنابر للخطابة بعيدا عن الواقع.