استطاعت مظاهرة طنجة الأخيرة، للتنديد بالفساد، تحطيم كل الأرقام القياسية السابقة، حين حشدت أزيد من 50 ألف متظاهر ساروا في عدد من الأحياء الشعبية بالمدينة ورفعوا خلالها مطالب كثيرة تصب كلها في خانة الإصلاح ومحاسبة المفسدين. وخرج عشرات الآلاف من المتظاهرين، أول أمس الأحد، من ساحة «التغيير» بمقاطعة بني مكادة، واتجهت المظاهرة نحو الساحة المقابلة لمسجد «طارق بن زياد» المعروف بالمسجد السعودي، من دون تسجيل أي حادث يذكر، في غياب أمني شبه كلي. ورفع المتظاهرون خلال هذه المسيرة الحاشدة، التي دعت إليها التنسيقية المحلية لدعم حركة 20 فبراير، لافتات تطالب بمزيد من «الحرية و«الكرامة» و«الديمقراطية»، كما دعوا إلى اعتصام يومي 16 و17 من الشهر الجاري. وتميزت هذه المسيرة، أيضا، برفع صور لمدير نشر جريدة «المساء» رشيد نيني الذي حوكم ابتدائيا بسنة حبسا نافذا، وهو حكم وصفه المتظاهرون بالتعسفي والجائر، واعتبروه مسا خطيرا بحرية التعبير في المغرب. وطالب المتظاهرون بإطلاق سراح رشيد نيني ووقف ما أسموها «المهزلة القضائية» التي قضت بالحبس على صحفي بسبب آرائه ومواقفه. وبدت هذه المسيرة وكأنها منقسمة إلى ثلاثة أجزاء، حيث كان متظاهرو الجزء الأول يؤكدون في شعاراتهم على مطالبهم التي سبق أن أعلنوها منذ بداية الحركة الاحتجاجية، وهي حل الحكومة والبرلمان وإسقاط لجنة تعديل الدستور، إضافة إلى محاربة الفساد ومحاكمة المفسدين. أما الجزء الثاني فكان يؤكد على ضرورة تشكيل لجنة من جميع قوى الشعب لتعديل الدستور، وليس تعيينها من لدن الملك. أما الجزء الثالث فلم يكن أنصاره سوى أعضاء الحركة الأمازيغية، وتبين ذلك من خلال شعاراتهم وأعلامهم، التي كانت موجودة بكثرة خلال هذه المسيرة، والتي كانوا يطالبون فيها بدسترة الأمازيغية. ورفع المتظاهرون لافتات تطالب بإسقاط «الدستور الممنوح»، ولافتات أخرى تطالب ببراءة معتقلي المظاهرات المناهضة للفساد، الذين متعتهم محكمة الاستئناف مؤخرا بالسراح المؤقت، لكنهم مازالوا متابعين بتهمة «المشاركة في مظاهرات غير مرخص لها والاعتداء على رجال الأمن وممارسة التحريض». وتميزت هذه المسيرة، أيضا، بتوجيه المتظاهرين رسائل إلى التجار والباعة المتجولين، مفادها «أن الحركة لا تقف ضد أرزاق التجار، وأن السلطات الأمنية هي من تحاول زرع الفتنة بين الحركة والتجار». وكانت جمعيات ورابطات التجار وجهت رسائل إلى السلطات المحلية تعبر لها عن استنكارها السماح للمتظاهرين بالمرور من أمام سوق «كاسبراطا» خلال يوم الأحد الذي يكون يوما استثنائيا داخل السوق بسبب توافد أعداد كبيرة من الناس عليه، غير أن جمعيات لتجار تنتمي لنفس السوق كانت تشارك في هذه المظاهرات، ورفع التجار شعارات ضد ما أسموه «المؤامرة المخزنية لتشويه صورة فبراير. ووجهت «حركة 20 فبراير» بطنجة انتقادا غير مباشر إلى الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، الذي قال في مهرجان خطابي، الأسبوع الماضي، في طنجة إن الحركة ارتكبت خطأين وصفهما ب«الفادحين» أحدهما مطالبتها ب»إسقاط النظام». وقال ناشطون في الحركة، كانوا يتزعمون المسيرة الاحتجاجية التي نظمت أول أمس، «إن الحركة لا تدعو إلى إسقاط النظام كما روج لذلك البعض»، في إشارة إلى بنكيران الذي قال إنه لا يخاف من «حركة 20 فبراير» في كلمته خلال نفس المهرجان، وهو ما جعله محط نقمة من طرف المحتجين، الذين غالبا ما يرددون ضده شعارات تتهمه بمعاداة مطامح الشعب المغربي في محاربة الفساد وإسقاط الاستبداد.