خرج سكان طنجة من جديد في مسيرة حاشدة للمطالبة بإسقاط المفسدين، ورفعوا لافتات تدعو إلى محاكمة الناهبين والمختلسين ولصوص المال العام ووقف كل أشكال الاحتقار. وحطمت مسيرة «24 أبريل» كل التوقعات، إذ قدر المنظمون عدد المشاركين بأربعين ألفا، وهي مسيرة جابت لأول مرة، منذ 20 فبراير الماضي، أحياء شعبية بالمدينة، واعتبرت مسيرة متميزة لأنها جابت مناطق لم يسبق لمسيرة شعبية أن جابتها من قبل. وانطلقت المسيرة على الساعة الخامسة والنصف من مساء أول أمس الأحد، من ساحة «التغيير» بمنطقة بني مكادة، وجابت مجموعة من الأحياء المعروفة داخل المدينة كحي «بن ديبان»، الذي يشهد كثافة سكانية عالية، وحي «الوردة» قبل أن يتجه المحتجون نحو سوق «كاسبراطا» الشعبي، حيث انتهت المسيرة بشكل غير متوقع. وكان متوقعا أن تواصل المسيرة طريقها نحو عدد من الأحياء الأخرى، حتى الوصول إلى الساحة المجاورة لمسجد محمد الخامس بوسط المدينة، غير أن المنظمين فضلوا إنهاء المسيرة أمام مسجد الملك فهد في «كاسبراطا»، واستغلوا وجود ساحة كبيرة في المنطقة من أجل الإعلان عن اختتامها. ويبدو أن سبب اختتامها قبل إكمال طريقها، يعود بالأساس إلى كون المسيرة كانت تسير ببطء شديد، كما أنها انطلقت في وقت متأخر، وكان المتظاهرون لا يزالون في منتصف الطريق عندما خيم الظلام. وشهد سوق «كاسبارطا» استنفارا كبيرا من قبل أصحاب المحلات التجارية، الذين كانوا يتخوفون من تعرض محلاتهم لهجوم من طرف أشخاص غير منضبطين، غير أن المظاهرة كانت محكمة التنظيم وسارت بهدوء إلى نهاية المطاف. ولم يلحظ وجود أمني مكثف في طريق المسيرة، حيث كان أفراد من شرطة المرور ينظمون عملية السير، فيما كانت سيارات أمن في الشوارع الجانبية. وحاول مسؤولو الأمن عمدا عدم الظهور بكثافة عندما استغلوا سيارات كبيرة، مخصصة عادة لنقل العمال، لنقل أفراد الأمن، حتى لا يثيروا حساسية المتظاهرين. ومنعت اللجنة المنظمة للمسيرة رفع صور منتخبين وبرلمانيين متهمين بالفساد ونهب المال العام، وهي الصور التي رفعت قبل أسبوع، فيما لوحظ وجود أشخاص، يبدو من هيئتهم أنهم عاطلون وبؤساء وكانوا يخفون وجوههم خلف الصور، رفعوا صورا لأشخاص من المعارضة بالجماعة الحضرية، والتقطوا صورا سريعة ثم هربوا إلى أزقة جانبية. وقال مشاركون في المسيرة إن حلفاء للعمدة الحالي، فؤاد العماري، يمكن أن يكونوا وراء ذلك، في محاولة لإيهام الرأي العام بأن صور معارضيه رفعت في المسيرة. الحضور النسوي كان قويا في هذه المسيرة، إذ كان نصف المحتجين تقريبا من النساء، وأغلبهن ينتمين إلى جماعة «العدل والإحسان» المحظورة، وكن يسرن في مؤخرة المسيرة رافعات شعارات تطالب بمزيد من «الحرية» و«الكرامة». ورفع متظاهرون توابيت رمزية عليها «عبارات «المخزن» أو «الحكومة». كمار رفع آخرون شعارا يقول: «هرمنا.. هرمنا كل هذه السنوات الطويلة ونحن تحت سيف الظلم والقمع والاستبداد». وبدت مسيرة «24 أبريل» وكأنها منقسمة إلى نصفين، نصف تمثله تنسيقية «حركة 20 فبراير»، التي كانت مطالبها وشعاراتها واضحة، وهي «إسقاط الدستور وحل الحكومة والبرلمان»، والنصف الآخر لسكان الأحياء المهمشة والفقيرة، التي بدت مطالبها اجتماعية ومعيشية أكثر منها سياسية. وشهدت المسيرة خضورا غير مسبوق لسكان هذه الأحياء، وكانت تتقدمهم جماعة «الجوامعة» و«مسنانة» و«الزيدي» و«بنكيران»، وغيرها من الأحياء التي يعاني سكانها الإقصاء والتهميش. وكانت لجماعة «الجوامعة» مطالب خاصة كتبت على لافتة رفعها أبناء المنطقة، الذين كانوا يطالبون بعزل قائد المنطقة ورئيس الجماعة، اللذين قالوا إنهما تسببا لهم في مأساة حقيقية، ومارسا سطوا رهيبا على الأراضي السلالية. سكان حي «الزيدي» أيضا كانوا حاضرين بكثافة خلال هذه المسيرة، ولم يكتفوا باعتصاماتهم اليومية أمام مقر الولاية، بل اختاروا هذه المرة أن ينقلوا احتجاجاتهم إلى المسيرة. وكانت مطالب حي «الزيدي» تتلخص في رفع مؤسسة «العمران» يدها عن أراضيهم، وهو المطلب الوحيد الذي ظل «يناضل» من أجله سكان هذا الحي طيلة سنوات دون أن تتم الاستجابة لمطالبهم. ورفعت خلال المسيرة لافتات أخرى خاصة بسكان حي «مسنانة»، وهو الحي الذي بنيت مساكنه بطريقة عشوائية، ولا يزال إلى اليوم يعاني من تداعيات هذا البناء غير القانوني. غير أن الإجماع الكبير وسط المسيرة كان هو المطالبة برحيل شركة «أمانديس»، حيث رفع المتظاهرون شعارات كثيرة مناهضة لهذه الشركة، التي تعتبر العدو الأول للشعب. وكان لافتا أن جميع الأحياء التي نزلت إلى الشارع كانت تطالب في شعاراتها بوضع حد لهذه الشركة الفرنسية، التي قالوا إنها «استنزفت جيوبهم ولم يعودوا قادرين على أداء فواتيرها المرتفعة».