بعد فترة سبات شتوي طويل مرت منه العلاقات المغربية الجزائرية، تلوح في الأفق مؤشرات انفراج قريب، من خلال مبادرات أوروبية وأمريكية وخليجية لإعادة الدفء إلى علاقات البلدين. وإن كانت مؤشرات عدة أشارت خلال الأشهر والأسابيع الماضية إلى تنشيط العلاقات الثنائية بين الرباطوالجزائر، من خلال زيارات متبادلة وتوقيع بروتوكولات تعاون، فإن السؤال الذي يثار هو: إلى أي حد يمكن للجارين الشقيقين تجاوز خلافاتهما التي تأتي في مقدمتها قضية الصحراء المغربية لإعادة الدفء إلى علاقاتهما؟ شكلت قضية الصحراء منذ سنة 1973 حجر عثرة أمام كل المساعي الرامية إلى إعادة الدفء إلى العلاقات المغربية الجزائرية، وتجاوز خلافاتهما التي أضاعت عليهما الكثير من الجهد والوقت، وحالت دون تحقق مشروع تكتل المغرب العربي. فوقائع ملف الصحراء، تشير إلى أن الجزائر كدولة معنية به بشكل مباشر، وظلت تحركه تحت نفوذها إلى الآن، من خلال دعم جبهة البوليساريو سياسيا في المحافل الدولية، وعسكريا عبر التداريب، خلافا لليبيا التي أوقفت دعمها في منتصف الثمانينيات، والتي كانت تسعى بدورها، في إطار الحرب الباردة إلى إسقاط النظام السياسي بالمغرب، الذي كان يوصف في ذلك الوقت «بالرجعي» مقابل «الثوري». وأثبتت قضية الصحراء وعملية التسوية الأممية لها، في أكثر من مرة وعلى امتداد ما يربو عن أربعة عقود، أن لها دورا مركزيا في أزمة العلاقات المغربية الجزائرية. هذا الواقع ستعبر عنه بشكل جلي التصريحات التي أطلقتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، في مارس الماضي، حينما أكدت أن التفاوض بين المغرب والجزائر هو السبيل الوحيد ل«إيجاد تسوية سياسية لقضية الصحراء»، مشيرة في حديث مع القناة التلفزيونية التونسية الخاصة «نسمة» على هامش زيارتها الرسمية لتونس إلى أن قضية الصحراء «تشكل عائقا أمام تحقيق الاندماج المغاربي» وأنه «بدون حل سياسي لهذه القضية لا يمكن أن يتحقق تكامل واندماج اقتصادي في المنطقة المغاربية». ولئن كان بعض المراقبين يعتبرون أن احتمالات تسوية الخلافات المغربية الجزائرية، وحصول انفراج في العلاقات البينية على ضوء المبادرات التي كشف عنها، مؤخرا، مسألة مستبعدة في المستقبل، بل إن الأفق الأكثر احتمالا هو استمرار الوضع الحالي، فإن البشير الدخيل، أحد مؤسسي جبهة «البوليساريو»، ورئيس جمعية منتدى البدائل الدولية، لا يستبعد حدوث انفراج في العلاقات بين الرباطوالجزائر مع ما يعنيه ذلك من تأثير إيجابي على تسوية قضية الصحراء. وبرأي الدخيل، فإنه «أمام الوضع الجديد القائم اليوم في الوطن العربي وفي مناطق أخرى من العالم لا بد أن يكون له تأثير واضح في كل السياسات خاصة الإقليمية منها»، مشيرا في تصريحات ل«المساء» إلى أن قضية الصحراء ارتبطت بالسياسات المركزية للبلدين وأصبحت من القضايا الأساسية التي يعتبر المس بها مساسا باستراتيجية البلد». وبحسب الدخيل، فإن «الجزائر والمغرب أصبحا في ظل التحولات الحالية التي تعرفها المنطقة واعيين بضرورة الإسراع بإحداث الإصلاحات ونهج سياسة تضمن السلام والوئام»، مؤكدا أن ملف الصحراء أصبح ملفا مرتبطا بالديمقراطية، ويقتضي حله وجود إرادة سياسية واضحة، وتمكين الشعوب من إبداء رأيها. وبالنسبة، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، فإن إمكانية تجاوز الوضع الحالي المتسم بتعارض مواقف البلدين بخصوص قضية الصحراء المغربية ممكنة في حال قبول المسؤولين الجزائريين أن يرفعوا أيديهم عن القضية من خلال وقف مساندتهم وتمويلهم لجبهة البوليساريو، وبالمقابل، ترك أمر تسويتها إلى الأممالمتحدة، لافتا في حديثه إلى «المساء» إلى أنه «حينذاك فقط يمكن أن يكون هناك تطبيع لعلاقات الرباطوالجزائر». غير أن السؤال الذي يطرح نفسه، حسب أستاذ العلاقات الدولية، في ضوء الحديث عن مبادرات ومساع غربية وعربية لحل أزمة العلاقات المغربية الجزائرية هو: هل هناك نية لدى المسؤولين الجزائريين في ظل التحولات التي يعرفها العالم العربي من أجل رفع يدها عن قضية الصحراء أم أن الأمر لا يعدو مجرد مناورة؟»، مؤكدا أنه «في حال فصل المسؤولين الجزائريين بين مستوى التسوية الأممية للملف ومستوى العلاقات الثنائية، سنكون أمام تحول في إدراك لا جدوى الدعوة إلى تقرير المصير، ومن ثم الدخول في دينامية جديدة هي الوصول إلى حل لملف الصحراء المغربية انطلاقا من مقاربة «لا غالب ولا مغلوب» التي يجسدها مقترح الحكم الذاتي للصحراء. وفي انتظار تحقق التحول في مواقف صناع القرار السياسي بالجزائر، الذي من شأنه أن يدفع في اتجاه عدم بقاء علاقات البلدين رهينة التناقض الحاد بينهما إزاء قضية الصحراء خصوصا، تطرح أكثر من علامة استفهام حول قدرة الوساطات الغربية والخليجية الحالية على إذابة جليد بين البلدين بعد نحو 17 سنة من إقفال الحدود.