الأسئلة التي طرحها الناس منذ البداية هي نفس الأسئلة التي سيظلون يطرحونها دائما، وهي لماذا لم يستمتع المغاربة من قبل بتتبع مسلسل مشوق لمحاكمة لصوص المال العام؟ ولماذا لم يدخل السجونَ في هذه البلاد كبارُ المختلسين والناهبين؟ ولماذا يجلس اللصوص في المنصات الشرفية بينما الذين يدافعون عن الشعب وحقوقه يقفون في أقفاص الاتهام داخل قاعات المحاكم؟ هذه أسئلة طبيعية جدا يطرحها كل الذين يتتبعون حاليا فصول هذا المسلسل الرديء لمحاكمة ماراثونية لمدير «المساء» رشيد نيني، لذلك على الذين حاكوا خيوط هذه المحاكمة أن يجيبوا عن أسئلة الناس، وإذا لم يجيبوا حاليا، فسيجيبون عنها بالتأكيد فيما سيأتي من أيام الله، لأن المغرب يتغير، يتغير بشكل عميق، والذين لا يفهمون هذا التغير الآن سيفهمونه، بالتأكيد، غدا أو بعد غد. حاليا، تخرج في كل مدن وقرى المغرب مظاهرات تطالب بشيء واحد، وهو سقوط الفساد. المشكلة واضحة جدا، ومشكلة المغاربة مع المفسدين. لكن ما معنى أنه، في ظل كل هذا الحراك الكبير في المغرب، تجري محاكمة لا يفهمها أحد لصحافي عُرف، في البداية والنهاية، بأنه يكتب عن حالات الفساد ويشير بأصبعه إلى حيث يشير كل الشعب المغربي، وهو تلك النقاط السوداء المخيفة التي يتسلل منها قوت الشعب، هاربا نحو الأرصدة السرية في الخارج أو نحو جهات مجهولة، الله وحده يعلم مكانها. يمكن أن نمارس لعبة طريفة، وهي أن نضع لائحة بأسماء كل اللصوص الكبار في البلاد، ونحن نعرفهم طبعا، وأمام أسمائهم تلك نضع المؤسسات والهيئات التي سرقوها جزئيا أو تركوها قاعا صفصفا، ويمكن أيضا أن نضع لائحة إضافية بأسماء «الكبار» الذين يأخذون الكومسيونات بالملايير في الصفقات العملاقة، ولائحة أخرى بأسماء أصحاب الامتيازات الكبيرة من الذين يستغلون المقالع والشواطئ ورخص النقل والفضاءات العمومية، وبين كل هذه الأسماء نضع اسم رشيد نيني طبعا، ثم نضع سؤالا يقول: ضع علامة بالأحمر أمام أي اسم في هذه اللائحة تجد أنه تم اعتقاله بتهم الاختلاس والاغتناء غير المشروع واستغلال النفوذ. وطبعا، فإن النتيجة واضحة، وهي أن «العلامة بالأحمر» سنضعها أمام اسم واحد هو اسم رشيد نيني، والسبب واضح، لقد اعتقل لأنه يشير بأصبعه إلى مكامن الفساد وجحور المفسدين، وعندما تكثر الأصبع من الإشارة إلى مكان الخطر فإن الذين يحسون بالخطر يقطعونها. هكذا، إذن، يتساءل الناس لماذا كانوا ينتظرون اعتقال المفسدين والمختلسين واللصوص فوجدوا أنفسهم أمام اعتقال مثير لصحافي مناوئ للفساد؟ محاكمة مدير «المساء» تنطبق عليها اليوم القولة القائلة «نقمة في طيها نعمة»، أي أن المغاربة، من الآن فصاعدا، سيوجهون كل تركيزهم نحو القضاء، وسيحاولون فهم هل القضاء المغربي شرب حليب السباع من أجل محاكمة الصحافة فقط أم إن ذلك الحليب سيستمر مفعوله إلى الأبد؟ وهل القضاء سيعود إلى فراشه المخملي أم إنه «سيدخل» قريبا في وجوه كل الفاسدين واللصوص والمختلسين ومهربي الأموال والعملات وناهبي أرزاق الشعب؟ يمكن للمحكمة أن تصدر حكما بالإعدام في حق رشيد نيني لو شاءت، لكن المستقبل سيكون مختلفا تماما، وهو أن القضاء المغربي اليوم يوجد أمام مفترق طرق حقيقي، لأن محاكمة مدير «المساء» ستكون نقطة فاصلة في أشياء كثيرة جدا، والناس سينتظرون من القضاء بعدها أن يثبت، فعلا، أنه قضاء مستقل وشجاع. أحكموا على رشيد بالإعدام لو شئتم، لكننا ننتظر بعد ذلك حكما مناسبا في حق كل هؤلاء اللصوص والمفسدين الذين حوّلوا البلاد إلى ضيعة خاصة يلعبون فيها كيفما شاؤوا. الذين حاكموا رشيد نيني يقولون إنه لا يوجد صحافي فوق القانون، ونحن نتفق معهم تماما في هذا الكلام، لكننا نريد منهم أن يتذكروا أيضا شيئا على قدر كبير من الأهمية، وهو أنه لا يوجد لص فوق القانون، والمغرب فيه لصوص كثيرون... كثيرون جدا. لا بأس.. سنرى قريبا عدد اللصوص والمختلسين الذين سيتم عرضهم على المحاكم، وسنرى إلى أي حد سيصل مفعول «حليب السباع».