تحول خبر اعتقال الزميل رشيد نيني، على امتداد الأسابيع الأخيرة، إلى حدث إعلامي أساسي، تنقل تفاصيلَه العديد من الوكالات الإخبارية العالمية والقنوات التلفزيونية الدولية والمحطات الإذاعية المحلية الخاصة، في حين «غاب» هذا الخبر، الذي يهُمّ في العمق واقع الإعلام المغربي ومستقبلَه، عن شاشات القنوات العمومية المغربية، لأسباب خفية، مرتبطة بتحرير المجال السمعي -البصري. بصرف النظر عن مناقشة الجوانب القانونية لمتابعة رشيد نيني في حالة اعتقال والالتفاف على قانون الصحافة، المعتلّ بدوره، في البنود المتعلقة بالعقوبات السالبة للحريات، وبصرف النظر، ثانيا، عن التأكيد على حالة التعبئة التي تعيشها مؤسسة «المساء» وصمود كل الصحافيين والتقنيين وجميع العاملين في المؤسسة، دون استثناء، ونكرانهم ذواتهم وتكثيفهم المجهودات على مستوى منح المتلقي هذا الخبر وكذا الحرص، بشكل متواز ومسؤول، على نقل كل أشكال التضامن مع الصحافي إلى الرأي العام، يحق لنا مناقشة الصيغ التي تعامل بها الإعلام المرئي والمسموع مع قضية رشيد نيني، لفهم ما «يحرّك» هذا الإعلام. فقد رفضت مديرة أخبار القناة الثانية، سميرة سيطايل، بث أي تقرير عن «حالة» الصحافي والزميل رشيد نيني، وعللت الأمر ب«عدم وجود داع»، في حين لم تكلف فاطمة البارودي، مديرة أخبار قناة «دار البريهي»، نفسَها عناء بث قصاصة الاعتقال وبدء المحاكمة، ولهذا أكثر من «إشارة» لا بد من التقاطها... أولها أن حالة نيني، بغضّ النظر عن اتفاق مسؤولتي الأخبار مع مواقفه أو مع دعاة حرية التعبير واستقلالية الإعلام، هي، في نهاية المطاف، مادة إخبارية صرفة من حق المتتبع المغربي أن يعرف تفاصيلها، بشكل متجرد ودون الحاجة إلى دعم للصحافي أو حماية انتهاك حرمة الفعل الصحافي. ثاني المعطيات أن عدم اتخاذ خطوات استباقية في منح الخبر للمشاهد المغربي يجعل القنوات في وضع حرج مع دخول أطراف في معادلة السمعي، ممثلة في الفضائيات وشبكة التواصل الاجتماعي (فايسبوك) تقدم الرؤية الخاصة بها، ما يجعل الإعلام المغربي بمنأى عن فضائه. وثالث المعطيات أنه سبق للقناة الأولى والثانية أن بثتا الأخبار والتقارير المتعلقة باعتقال وتعذيب وقتل الصحافيين في مختلف أرجاء العالم، في حين تقوم بعملية تعتيم «غبية» على قضية رشيد نيني، وهذا يضرب، في الصميم، فلسفة الإخبار التي تقوم على أساسها مديريتها الأخبار، بتغييبها معطى «القرب من الحدث». إذن فبين «السبق» في تقديم تقارير عن محن الصحافيين في العالم و»التعتيم» الصارخ على قضية صحافي مغربي وحقه في التعبير تناقض صارخ وازدواجية في التعاطي مع الإعلام ومع «رموزه». وإذا علمنا أن أغلب المحطات الإذاعية الخاصة والمواقع الإلكترونية خصصت تقارير شبه يومية لحدث محاكمة الزميل رشيد نيني وتداعياته، السياسية والإعلامية، وذكّرنا بتعتيم وسائل الإعلام المرئية على هذا الخبر، نفهم أن الأمر يتعلق بنتائج تحرير المجال السمعي -البصري، الذي أُطلِق قبل سنوات، تفسير ذلك أن وجود وسائل إعلام خاصة في مستواها المسموع «شوّش» على الخطاب الرسمي، الذي اقتصرت سلطته على الفعل البصري، وهذا يعني أن الحرص على عدم تحرير المجال بشكل كلي ومنح تراخيص قنوات مرتبط بعدم القدرة أو الرغبة في منح «سلطة» الصورة لفاعلين آخرين يمكن أن يقلبوا المعادلة ويؤطروا رأيا عامّا «مضادا» ولا يتناغم، بالضرورة، مع الخطاب السياسي الذي يرافق القضايا والملفات الحساسة، كما هو الشأن بالنسبة إلى قضية رشيد نيني. وتحصيل ذلك أن اعتقال الصحافي رشيد نيني، بصرف النظر عن مسه الحق في التعبير وانتهاك حق المحاكمة العادلة، أعاد إلى الواجهة أهمية تحرير الفضاء السمعي -البصري، لخلق مجتمع إعلامي فاعل وقادر على منح السلطة الأولى للخبر، دون الخضوع لأي سلطة غير السلطة الإعلامية، وهذا لن يتأتى إلا بالتنصيص على استقلالية الإعلام وتعديل قانون الصحافة وانخراط كل المكونات والهيآت ذات الصلة بالإعلام في ورش الإصلاح الحقيقي...