هناك عدة قواسم مشتركة بين زعيم الخمير الحمر في كمبوديا بول بوت وبعض زعماء الأنظمة البطشية في الوطن العربي، وعلى رأسهم الملازم معمر القذافي، زعيم ما سمي بالثورة الليبية. فبول بوت كان طالبا بأرقى الجامعات الغربية (السوربون)، وكان معروفا في بداية حياته في باريس ببساطته ووداعته وأخلاقه وفلسفته المتشبعة بالماركسية اللينينية. وعندما عاد إلى كمبوديا مرورا بالصين ثم الفيتنام، تحول إلى مدافع متطرف عن الفكر الماوي تحت تأثير زوجة الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، فقام بإنشاء جيش ثوري بمساعدة الشيوعيين الفيتناميين ونجح في الإطاحة بالملكية في الكامبودج بزعامة الأمير نورودوم سيهانوك. أول إجراء قام به الزعيم الشيوعي الكامبودي هو إفراغ المدن من سكانها وإرسالهم إلى البوادي، واصفا إياهم بالجرذان والقمل والنباتات السامة، كما قام بقتل أكثر من 3 ملايين نسمة من شعب كمبوديا المسالم، إلى درجة أنه أحدث متاحف خاصة لجماجم الموتى على شكل أهرامات في عاصمة بلاده بنوبنيه. وقد كتب زعيم الخمير الحمر- الذي مات منتحرا في أدغال وغابات تايلاندا، الدولة المجاورة، قبل أن ينحره مرض السرطان المنتشر في جسمه- كتابا أخضر، حيث رفع نفسه إلى درجة الإله، معتبرا أن ثلثي شعبه لا يستحقان الحياة. إلا أن أصدقاءه القدامى في الفيتنام رأوا فيه خطرا عليهم أكثر من خطر الأمبريالية والاستعمار الأمريكي، وكونوا جيشا آخر بزعامة شيوعي آخر هو سينغ، الوزير الأول الحالي في الكامبودج، الذي أرجع الملكية إلى البلاد وأقام محكمة جنائية دولية بمساعدة الأممالمتحدة لمحاكمة نظام الخمير الحمر بتهمة الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، المحكمة التي أصدرت مؤخرا أحكاما قاسية ضد نظام الخمير الحمر الدموي. أما الملازم معمر القذافي فقد أتى إلى الحكم على ظهر دبابة بمساعدة رفيقيه عبد السلام جلود وعبد الفتاح يونس وضباط أحرار آخرين، وقام بعدة تصفيات ابتداء من سنة 1977، فتم حل الجيش الليبي وتكوين كتائب أمنية محله، أشهرها كتائب خميس والسعدي والمعتصم بالله وسيف الإسلام وعز العرب، فتحول النظام إلى نظام عائلي وراثي يحكم البلد بالحديد والنار، فلا دستور ولا أحزاب ولا حكومة ولا برلمان، فمعمر القذافي، الذي كتب هو الآخر كتابه الأخضر وحرف حتى بعض الآيات من القرآن الكريم، حول بلده إلى جماهيرية شكلية وفلكلورية تحت شعار اللجان الشعبية والثورية المسلحة، وما هي في الواقع إلا عبارة عن جمهورية ليبية موزية ليس إلا، ثم قام بتصدير ثورته إلى العالم بأكمله والتي هي عبارة عن شعارات رنانة وخطب فارغة لا غير، وتحول إلى ملك ملوك إفريقيا وزعيم الثورة العالمية، وأدخل ليبيا في عدة مغامرات مجنونة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا وأوربا، وذلك بفضل ملايين الدولارات من مداخيل النفط والغاز التي تم تبذيرها شرقا وغربا إضافة إلى حياة المجون والملذات التي كان يعيشها «القائد الملهم» وعائلته. فبعد الانتفاضة الشعبية التي انطلقت من بنغازي وانتشرت كالنار في الهشيم في ربوع ليبيا، قام بول بوت العرب بقصف المحتجين بالطائرات والدبابات والراجمات وصواريخ كراد ومدافع الهاون، كما قام بمحاصرة المدن قصد تجويعها ومنع كل الحاجيات الأساسية للدخول إليها، ونعت شعبه بكل الأوصاف البذيئة، كالجرذان والمقملين والمهلوسين والزنادقة والملاحدة والخونة بسبب مطالبتهم بالحرية والكرامة والديمقراطية. لقد ذهب معمر القذافي إلى أبعد من ذلك وشبه نفسه، كما فعل زعيم الخمير الحمر، بالرجل المقدس الذي لا يمكن لأية قوة في العالم أن تزحزحه عن عرشه، إلى درجة أنه أذاع عبر شاشات التلفزيون الليبي خبرا مفاده أن الجن والملائكة والصالحين يحاربون إلى جانبه! كما وضع نفسه على قدم المساواة مع إمبراطور اليابان رب الشمس. حقيقة، هناك مفارقات بين بول بوت ومعمر القذافي، ولكنهما يبقيان وجهين لعملة واحدة هي البطش والقتل والقمع والتطهير البشري والغرور اللامتناهي. فالقذافي، بسبب جرائمه ضد شعبه، فتح باب ليبيا أمام الاستعمار والأمبريالية والتدخل الأجنبي بكل أصنافه، وتحالف مع الشيطان كما فعلها بول بوت قبله. فمعمر القذافي يعتقد أن معه الملايين تدافع عنه وعن ثورته وعن نظامه العائلي، فلقد تناسى أن الشعوب هي مع من غلب، كما قال الصحابي الجليل عمرو بن العاص، فشراء السيارات وإعطاء المال للشباب الليبي والبترول والغاز بأسعار تفضيلية لدول الناتو قصد البقاء في الحكم لن يغير من مسار التاريخ، ذلك أن الرشوة لم تعد تفيد أحدا في زمن الانتفاضات الشعبية العربية الكبرى، فمعمر القذافي لم يخاطب شعبه ولو مرة في تاريخ حكمه ب«أيها الشعب العظيم» أو «الشعب البطل» أو «الشعب العزيز»، بل كان دائما يعتبره قبائل ومجموعات بشرية ساذجة وغبية وفئرانا تبحث عن الخبز والزيت. فهل سيقع للقذافي ما وقع لبول بوت؟ عبد الرحمان مكاوي - كاتب مغربي