هذا هو النوع الثالث من أعراض مرض الفصام المثيرة للانتباه، والمحيرة أحيانا للمريض وللمحيطين به. وهي أنواع مختلفة ومتدرجة، وتمس أساسا مستويات تتابع الأفكار، ومحتواها، ومصدرها، وصيغها. وهي تعرف بتأثيرها على كلام المريض، إذ الكلام مرآة التفكير. أولا. اضطرابات تتابع الأفكار أو تدفقها، وتشمل: تطاير الأفكار: ويعني تدفق الأفكار بسرعة في رأس الفرد، وتسابقها على النطق. وقد يصاحبه هروب للكلمات، يؤدي عندما يكون كبيرا إلى أن يصبح الخطاب غير منظم وغير منسجم. تباطؤ الأفكار: فتأتي الأفكار بسرعة بطيئة جدا، ويضعف الترابط بينها، وفي أقصى الحالات يكون منعدما. توقف الأفكار: فيشعر الفرد كأن عقله أصبح خالياً من الأفكار. فيتوقف فجأة عن الكلام أو يتوقف تدريجيا وهو ما يسمى انطفاء الأفكار. وبعد التوقف يستمر فى موضوع جديد غير الذي بدأ به. تكرار الأفكار: فتتكرر الأفكار ذاتها باستمرار على الرغم من انتهاء موضوعها، فيبقى الفرد في دوامة فكرة معينة لا يستطيع التحول عنها إلى فكرة أخرى. عدم ترابط الأفكار: فيفقد كلام الفرد ترابطه المنطقي، وهو ما يجعل الأفكار تبدو غامضة ومشوشة بعبارات غير متماسكة وجمل مفككة. وأحيانا يقدم إجابات خارجة عن الموضوع، لا علاقة لها بالسؤال المطروح. غرابة التفكير: فيتصف بنوع من الخرافة أو السحرية البعيدة عن المنطقية، وقد يستعمل الفرد في كلامه ألفاظا غامضة غير متداولة، فيتحول إلى لغة جديدة يقوم بنحتها بنفسه. ثانيا . اضطرابات محتوى التفكير فيعرف تفكير الفصامي فقرا في الكم والمضمون. ومن النادر أن يتكلم بتلقائية ولا يرد على الأسئلة إلا بردود مقتضبة دون أية تفاصيل ولا يتكلم إلا في موضوعات قليلة محدودة يدور حولها دون انقطاع.. وفي الحالات الشديدة، يتحول كلامه إلى كلام تلغرافي، ذي مقاطع قصيرة مثل «نعم» و«لا أعلم». وفي مستوى ثان يتضمن كلام الفصامي أوهاما أو هذاءات، وهي أفكار لا تنطبق على الواقع ويتمسك بها المريض ولو خارج المنطق. كما لا يمكن إزالتها بالمنطق والإقناع. ثالثا. اضطرابات مصدر الأفكار فالإنسان في العادة يشعر بأنه هو مصدر أفكاره، وله قدرة السيطرة عليها. أما الفصامي فيشعر أن أفكاره غريبة عنه، ولا سيطرة له عليها. وبالتالي تظهر عنده ثلاثة أنواع من الاختلالات، هي: 1 - سحب الأفكار: حيث يعتقد المريض بأن أفكاره تسحب منه أو تسرق ضدا على إرادته. 2 – إدخال الأفكار: حيث يعتقد المريض بأن أفكاره تدخل في عقله إدخالا من قبل أشخاص أو قوى خارجية. 3 - إشاعة الأفكار: حيث يشعر المريض بأن أفكاره الخاصة معروفة من قبل الآخرين، فيعرفها الآخرون مباشرة أو عن طريق بثها في وسائل الإعلام. رابعا. اضطراب صيغة التفكير: فبدل أن يعتمد الفصامي على معاني الأشياء وما يقابلها من الألفاظ أو الأرقام كما يفعل الفرد العادي، فإنه يتعذر عليه التفكير المجرد. ومن أنواعه: 1 - التفكير المبهم: حيث يحاكي الشخص ما يحدث في الخيال والأحلام، كأنه واقعي. 2 - التفكير الجامد: حيث يفتقر التفكير إلى المرونة الضرورية، فيبقى جامدا على الشكليات والمظاهر. ومنه فقدان البعد المجازي، فلا يفهم الشخص المعنى الحقيقي لبعض العبارات الاستعارية، بل يجمد عند معناها الحرفي. فهو لا يفهم مثلا في عبارة: «القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود» إلا أن هناك حقيقة قرشا لونه أبيض هو المقصود بالكلام. إنه بكثرة هذه الاضطرابات يصبح خطاب الفصامي – في حالات قصوى - عاجزا عن تأدية وظيفته الاتصالية، فيصبح غامضا ومشوشا، ويتحول إلى خطاب ذاتي (مونولوج)، مليء باندفاعات لفظية، مع الإحساس بوجود مخاطبين خياليين. إن خطورة هذه الاضطرابات يجعلنا نفهم بأن من أخطر تداعيات المرض النقص في القدرات الفكرية للمريض. وهو ما يؤدي عمليا إلى أمرين اثنين على الأقل هما: إحساس المريض بالقلق والحيرة من هذا النقص الذي لا يفهمه، مما يسبب له الما وتمزقا داخليا. فما كان يستوعبه سابقا لم يعد قادرا على استيعابه اليوم. ظهور الفشل الدراسي أو المهني لدى شخص كان إلى عهد قريب متفوقا أو على الأقل جيدا، وهو ما يدخل المريض وأسرته في الكثير من التأويلات. وهم لا يدركون في الغالب أن المرض يزحف ويؤثر على القدرات الفكرية لصاحبه. (سعد الدين العثماني) طبيب مختص في الأمراض النفسية