يشبه العمل الاستخباراتي في إسبانيا بالنسبة إلى الأجهزة المغربية المشي فوق حقل ألغام تتغير خارطته بشكل دوري، بحكم أن الجارة الشمالية تعتبر أيضا من أنشط البلدان في رصد حركة المسؤولين المغاربة وجمع المعطيات عن الحياة السياسية داخل الجار الجنوبي الذي تربطها به قضايا استراتيجية مثل الوجود الإسباني في سبتة ومليلية وقضية الصحراء حيث تحتضن إسبانيا عددا مهما من نشطاء البوليساريو فوق ترابها. وحسب مصادر مطلعة في إسبانيا، فإن ضباط «لادجيد» في الجارة الشمالية يهتمون بجمع المعطيات عن بعض الاحداث أو الشخصيات التي تكون مهمة بالنسبة إلى المغرب وتدوين تقارير عن مهاجرين ينشطون في مجال المجتمع المدني أو جماعات إسلامية مثل رصد تحركات جماعة العدل والاحسان في جنوبإسبانيا، وكذا جمع المعلومات عن زيارة بعض الشخصيات السياسية المغربية إلى إسبانيا والاهتمام بالأشخاص الذين التقتهم ومحاولة معرفة ما دار من حديث بينهم، مثلما أنها تهتم في بعض الأحيان بإنجاز التقارير عن بعض الصحافيين الذين ينتقدون الأوضاع في المغرب سواء كانوا مغاربة أو إسبانا. وتربط جهاز الاستخبارات الخارجية المغربي علاقة غير واضحة مع مصالح وزارة الخارجية بإسبانيا، وخصوصا القنصليات التي تضم كل واحدة منها ممثلا عن هذا الجهاز يكون مكلفا بمنطقة ترابية معينة تخضع لنفوذه. «لادجيد» وقضية الصحراء يمكن اعتبار اهتمام الاستخبارات الخارجية المغربية في اسبانيا بقضية الصحراء من الأشياء التقليدية، بحكم أن مدريد قامت باحتضان أصوات انفصالية مهمة منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي وفتحت مقراتها لهم لعقد ندوات حول الصحراء وتنظيم وقفات احتجاجية يرفعون فيها شعارات معادية للمغرب الذي يصفونه ب»المحتل» و»المرتكب لجرائم تطهير عرقي في الصحراء»، وهي الوقفات التي تتطلب من عناصر الاستخبارات الخارجية كتابة تقارير تفصيلية عنها وإرسالها إلى المقر المركزي بالرباط، والاهتمام بزيارات بعض الشخصيات الانفصالية إلى اسبانيا واللقاءات التي تعقدها في بعض الفنادق والمطاعم، وتبقى المهمة التي تستهوي كثيرا مسؤولي «لادجيد» هي البحث عن معارضين في صفوف البوليساريو يرغبون في العودة إلى المغرب وتسهيل مهمتهم مع وعدهم بالحصول على وضعية مريحة في المغرب، لأن ذلك تتبعه مكافأة من الإدراة المركزية التي يوجد على رأسها زميل الملك محمد السادس في الدراسة، ياسين المنصوري، وتزداد قيمة هذه المكافأة كلما كانت الشخصية المستقطبة ذات وزن في هرمية الكيان الانفصالي، إما مكافأة مالية أو ترقية. وكان من بين الأعمال التي قامت بها الاستخبارات الخارجية في السنوات الأخيرة هو تنظيم سلسلة من الوقفات الاحتجاجية للدفاع عن مغربية الصحراء في عدة مدن إسبانية، حملت فيها الاعلام المغربية وصور الملك محمد السادس، وكذا فتح قنوات للتواصل مع حركة خط الشهيد التي ظهرت في مدريد بعد إصدارها عدة بيانات منتقدة لتدبير محمد عبد العزيز لملف الصحراء، وهي الحركة التي طالما اتهمتها قيادة البوليساريو بالعمالة للاستخبارات الخارجية المغربية لنزع كل مصداقية عنها. وبالمقابل، كانت المفاجأة عندما قبل قاضي التحقيق الشهير بالتسار غارثون النظر في دعوى قضائية رفعتها جمعيات موالية للبوليساريو تتهم فيها مسؤولين مغاربة بالضلوع في ارتكاب جرائم تطهير عرقي في الصحراء منذ عام 1975، وظهر اسم ياسين المنصوري ضمن لائحة المطلوبين إلى جانب الجنرال حسني بنسليمان وعبد الحق القادري وإدريس البصري، وهو ما أثار موجة من التهكم من الجانب المغربي بحكم أن المنصوري كان تلميذا في المدرسة المولوية عندما وقعت هذه التجاوزات، ولم تكن له علاقة بالاستخبارات الخارجية إلا قبل سنوات قليلة. الشبكات الإسلامية والجهادية تسترعي التحركات التي تقوم بها جماعة العدل والإحسان في الجنوب الإسباني انتباه الاستخبارات الخارجية التي تعمل عبر شبكة من المتعاونين الذين يكونون مزروعين في أوساط هذه الجماعة ويحضرون الصلاة والاجتماعات التي تعقدها، إذا تنجز تقارير دورية عن أنشطة العدل والإحسان وهي التقارير التي تتضاعف في بعض الظروف الخاصة مثل زيارة مسؤول في الجماعة لإسبانيا، مثل نادية ياسين ابنة شيخ الجماعة أو محمد العبادي، عضو مجلس الإرشاد، وعقده لسلسلة من الاجتماعات مع أتباع الجماعة التي تحسب لها باقي التنظيمات الإسلامية الموجودة في اسبانيا حسابها ضمن المعادلة الحركية في الجارة الشمالية. كما أن الاستخبارت الخارجية المغربية بدأت تهتم بأنشطة بعض الخلايا الجهادية في إسبانيا منذ تفجيرات 16 ماي 2003 بالدار البيضاء، وزاد هذا الاهتمام بتنسيق مع الاستخبارات الإسبانية بعد تفجيرات قطارات الموت في محطة أتوتشا يوم 11 مارس 2004، من خلال تبادل المعطيات حول بعض الشخصيات التي لعبت دورا مهما في تفجيرات الدارالبيضاء أو مدريد، خصوصا أن عددا من مدبري تفجيرات 16 ماي إما درسوا بإسبانيا أو قضوا بها فترة من حياتهم، والشيء نفسه بالنسبة إلى المتورطين في تفجيرات مدريد، لكونهم جاؤوا إلى إسبانيا من المغرب الذي كان بعضهم يتردد عليه بين الفينة والأخرى، ونجحت الأجهزة الأمنية الإسبانية في تفكيك عدة خلايا بفضل المعطيات التي زودتها بها نظيرتها المغربية. تقرير قبل التعيين من المهام التي تطلع بها الاستخبارات الخارجية المغربية في إسبانيا هناك إنجاز تقارير دقيقة عن الشخصيات المهاجرة المرشحة لتولي مناصب في المغرب، وعلمت «المساء» أن «لادجيد» أعدت تقارير خاصة بها عن الأشخاص الذين كانوا مرشحين للمجلس الأعلى للجالية المغربية المقيمة بالخارج، وهي اللائحة التي قدمتها بناء على «الأعمال» التي قامت بها بعض الشخصيات لصالح المغرب طيلة وجودها فوق التراب الإسباني، و«تفانيها في خدمة الوطن». وتهتم الاستخبارت الخارجية ببعض الأشخاص الذين يزاولون مهنا «خاصة» مثل الصحافة، مما يجعل الصحافيين الذين يعيشون في إسبانيا عرضة للبحث «لمعرفتهم» ودراسة توجهاتهم السياسية وحجم علاقاتهم، سواء مع جهات موالية أو معارضة للمغرب، وهو العمل نفسه الذي تقوم به الاستخبارات الإسبانية التي يهمها أكثر ما إذا كانت للصحافي علاقة بالجماعات المتطرفة أو إن كان يتناول الكحول... إنه جزء من المهام الصعبة للاستخبارات العسكرية المغربية في شبه الجزيرة الايبيرية.