من بين أهم أدوار الإعلام أن يكون في قلب هموم وانشغالات المواطنين وينفتح على مشاكلهم اليومية المؤرقة، فبعد أن أكدت الإحصائيات أن ثلث مراهقات أمريكا ينجبن قبل سن العشرين ويتحولن إلى أمهات عازبات، تم إنشاء موقع إلكتروني خاص لمواجهة هذه المشكلة والوقاية منها، وقامت الإعلامية «أوبرا وينفري»، بشراكة مع فاعلين آخرين، بتنشيط حلقات قيمة عن المراهقين وعن مشاكلهم التي في مقدمتها العلاقات الجنسية والمخدرات والمشاكل الناتجة عن ذلك. أما في المغرب، فيعرف الجميع أن العلاقات الثنائية والجنسية في مؤسسات التعليم وخارجها أصبحت أمرا عاديا بين المراهقين والمراهقات. ورغم أن الإحصائيات تؤكد هذه الحقائق، يفضل الإعلام الوطني، وخصوصا القناة التلفزية، أن يبقى بمنأى عن كل ذلك، ويفضل أن يلتحق إعلاميوه بمقاعد المتفرجين ويغضوا الطرف عن العدد الهائل من التلاميذ والتلميذات الذين ينتشر بينهم التدخين والمخدرات، وهي حقائق يعرفها جيدا كل من له علاقة مباشرة بالمؤسسات التعليمية. وهذا الإعلام كذلك لا تحركه الإحصائيات المخيفة عن فوضى العلاقات بين القاصرين، وعن عمليات الإجهاض الذي تجري خفية في العيادات الطبية. هذا الإعلام، الذي قرر منفاه الاختياري بعيدا عن هموم الأسر أمام مشاكل أبنائهم المراهقين، لا أذكر أنه نظم أي حملات منتظمة ومستمرة لكي يدعم جهود الآباء والأمهات في مواجهة هذه المشاكل التي تؤرقهم اليوم، حيث تجد الأسر نفسها وحيدة في معركة تربية الأبناء، حتى إن بعض الأمهات والزميلات اقترحن مؤخرا على العاملين والمربين في المؤسسة التي تدرس فيها بناتهن تنظيم يوم لتوعية الفتيات المراهقات بمخاطر العلاقات الجنسية، وبحس الأمومة اخترن له عنوان «ما تقيش بنتي». لا أخفي أنني استغربت هذا الشعار، كما استغربت استثناءهن الذكورَ من هذه الحملة. ففي نظرهن أن الأولاد القاصرين لا يتضررون بنفس حدة تضرر الفتيات اللواتي يمكن أن يتحولن في أي لحظة إلى أمهات عازبات، ويؤثر ذلك بشكل مباشر على مستقبلهن الدراسي والاجتماعي في مجتمعنا الذي قد يتعاطف معهن، لكن لا يبدو أنه مستعد لقبول مثل هذه الظواهر. والحقيقة أنه أمام تشبث الأمهات بأن يخصص هذا اليوم للمراهقات فقط، تساءلت لماذا تغيب الجمعيات والمنظمات النسائية المنتشرة في كل مكان عن مثل هذه الانشغالات؟ فلم أسمع أنها قامت مرة بمساعدة الأمهات في التعامل مع بناتهن.. أفلا تعتبر المراهقات والطالبات والقاصرات من بين نساء المغرب؟ الحقيقة أن القناة الوطنية لا تكتفي بالإصرار على النفاق والتعتيم اليومي تجاه ظواهر خطيرة يغرق فيها المراهقون. بل تتواطأ معها بواسطة القبح الأخلاقي والمغالطات التي تجلبها عبر بعض البرامج، في وقت مازالت فيه المحاكم بالمغرب تعج بمشاكل إثبات النسب وقضايا الاغتصاب والأمهات العازبات. فبعد فقدان الأمل في أن تقوم التلفزة، كأداة إعلامية، بدورها في نشر وعي جماعي بأهمية الأخلاق وبناء القيم، وفي أن ترافق هموم الناس بشكل دائم، يبقى الأمل أن تظل على حيادها المعتاد وألا تساهم، بالمقابل، في تكريس قيم أخلاقية رديئة بهذا السيل الجارف من المسلسلات المدبلجة والتي تعتبر وصفة ناجعة ودعوة صريحة للناس، خصوصا القاصرين، إلى تطبيع أخلاقهم واعتقاداتهم مع العلاقات الجنسية والإنجاب خارج مؤسسة الزواج. الإعلام الوطني مطالب بأن تكون له فلسفة ومنظومة قيم واضحة ينشرها ويتبناها باستمرار، لمواجهة الظواهر التي تؤرق المجتمع المغربي الذي يشكل الدين الإسلامي إحدى أهم ركائزه. وباستمراره في تجاهل أدواره الخطيرة في بناء القيم المعتدلة، فهو يترك فراغا مهولا قد يملؤه الفكر المتطرف الذي يمكن أن يأخذ اتجاه التزمت والانغلاق، كما يمكنه أن يسير في اتجاه الانحلال والتردي الخلقي.