لا يتوفر المغرب على معطيات دقيقة حول إنتاج زيت أركان، فالأرقام التي يتوفر عليها المهنيون لا تعدو أن تكون مجرد تقديرات، إذ تشير إلى أن الإنتاج يصل إلى 4000 طن في السنة، علما أن شجرة الأركان يختص بها المغرب وحده في العالم، قبل أن تثير اهتمام دول مثل أستراليا والولايات المتحدة وإسبانيا وإسرائيل من أجل استنباتها في أراضيها، لكن لا شيء يشير إلى أن تلك التجارب نجحت إلى حدود الآن. غير أنه إذا كان المغرب يبقى البلد الوحيد الذي يختص بتلك الشجرة، التي يستخلص من نواتها زيت استحق في نظر الأجانب اسم «الذهب الأخضر»، فقد طالها الكثير من الإهمال ولحقت بها الكثير من الأضرار، فهي لم تسلم من الاجتثاث أمام زحف الإسمنت، وما فتئت مساحتها تتراجع في السنوات الأخيرة، دون أن يتم، ضدا على القانون، تخليفها، بل إن الساكنة التي ارتبطت مصائرها بتلك الشجرة واستمدت منها الكثير من قيم الصبر والرضى بالقليل، بدأت تشعر في السنوات الأخيرة، أنها هي الحلقة الأضعف في سلسلة المتدخلين الذين أغراهم جني عائدات كبيرة من استغلال ثمار الشجرة، حيث نجد أن ذوي الحقوق ينبرون في الفترة الأخيرة للدفاع عنها والدعوة إلى ربط استغلال الشجرة بالتنمية في المجال الذي توجد به، فيما تسعى التعاونيات إلى تأمين المادة الأولية بعيدا عن أعين الوسطاء وتأمين سعر لمنتوجهم في مستوى ما تبذله النساء من مجهود، في نفس الوقت يجري التحذير من الانسياق وراء رغبات المصنعين، الذين قد يدفعهم سعيهم إلى توسيع هوامش الربح إلى تجاهل أن عائدات تلك المادة، التي يتم تثمينها يفترض أن يذهب جزء منها للساكنة التي توجد في مقدمة سلسلة الإنتاج، وتفادي خلق القيمة المضافة في الأسواق الخارجية فقط.
ذوو الحقوق.. علاقة ضاربة في الحميمية في السنوات الأخيرة، حاول ذوو الحقوق التصدي لمحاولات النيل من شجرة أركان التي يتمتعون بحق الانتفاع منها، حيث تكونت جمعيات إقليمية لذوي الحقوق في كلميم وتيزنيت واشتوكة أيت باها والصويرة وتارودانت وإنزكان أيت ملول وأكادير إداوتنان، وهي الجمعيات التي انتظمت في الفيدرالية الوطنية لذوي الحقوق ومستغلي مجال الأركان.. السعي إلى التنظيم أملته الرغبة في الدفاع عن حقوق ذوي الحقوق على تلك الشجرة التي تشكلت عبر قرون، لكن يبدو أن الطبيعة القانونية التي تدخل شجرة الأركان ضمن الملك الغابوي تخلق الكثير من الخلافات مع المندوبية السامية للمياه والغابات، على اعتبار أن تلك الوضعية تحول دون الغرس والتخليف في بعض الأحيان، لذلك نجد ذوي الحقوق يسعون إلى إطار قانوني يأخذهم بعين الاعتبار ويستحضر العلاقة الحميمية التي نسجوها أبا عن جد مع تلك الشجرة الفريدة، هم الذين ارتبطت مصائرهم بها، غير أن ذوي الحقوق لا يتطلعون فقط إلى إعادة النظر في الإطار القانوني الذي ينظم استغلال شجرة أركان، بل يحرصون على حماية الشجرة من الأيادي العابثة، خاصة أن مجالها تراجع من 1.5 مليون هكتار إلى 863 هكتارا، غير أن فيدرالية ذوي الحقوق ومستغلي الأركانّ، تشدد أكثر على خطر محدق بشجرة أركان في السنوات الأخيرة، وهو ما يمثله زحف الإسمنت، خاصة أن مؤسسة عقارية عملاقة مملوكة للدولة، مثل العمران، لم تجد حرجا في الإتيان على الآلاف من الأشجار في منطقة سوس ماسة درعة من أجل إقامة تجزئات.. ذلك موضوع أثير خلال الجمع العام للفيدرالية البيمهنية المغربية للأركان، حيث نوقش بعلاقة مع الموضوع المرتبط بتخليف أشجار أركان، كما يفرضه قانون الأركان، هذا ما حذا بالمشاركين للدعوة إلى تكوين ملفات عن الخروقات التي شابت التعاطي مع الشجرة، ولم يستبعد قاسم بلواد، الكاتب العام، لفيدرالية ذوي الحقوق ومستغلي مجال الأركان، طرق أبواب القضاء من أجل مساءلة المسؤولين عن الاجتثاث، بل إن الموضوع أثار اهتمام الهيئة الوطنية لحماية المال العام في السنوات الأخيرة ودقت ناقوس الخطر حول النهب الذي تتعرض له الشجرة. التعاونيات.. بحث مضن عن المادة الأولية ليس ذوو الحقوق وحدهم من يشتكون من الوضع الذي آلت إليه شجرة أركان، إذ يبدو أن تثمين الأركان من قبل التعاونيات التي تشرف عليها النساء لم يعد عليهن بعائدات مهمة، فهناك العديد من الهواجس التي ما زالت تسكنهن ولا يترددن في التعبير عنها، حيث يطرحن في غالب الأحيان مشكل التسويق في السوق المحلي والخارجي على حد سواء، بعض التعاونيات تجد صعوبة في تسويق منتوجها في السوق المحلي، وبعض الجمعيات تطرح التساؤل حول السر وراء عدم إقبال المستهلك المغربي على المنتوج المحلي الأصيل، رغم أن الجمعيات تبذل الكثير من الجهد في السنوات الأخيرة من أجل الحصول على شهادات الجودة التي تثبت أن المنتوج تراعى في إعداده معايير الجودة التي يتوجب أن تصبح هاجس المستهلك في التعاطي مع المنتوجات. بعض التعاونيات لا تخفي فخرها بما استطاعت تحقيقه، حيث تمكنت من تصدير منتوجاتها إلى أسواق خارجية، غير أن العديد من التعاونيات تبدي الكثير من الأسف لكنها لا تستفيد كلية من القيمة المضافة للمنتوج الذي توفره، على اعتبار أنه يصدر في غالب الأحيان دون أن يخضع للتلفيف محليا، حيث يفترض البعض أنه لو تأتى لهن ذلك لتمكن من مضاعفة رقم المعاملات، غير أن هذا الهاجس لا يعتبر حاسما في الحياة اليومية للتعاونيات، فرئيسة الجمعية الوطنية لتعاونيات الأركان، نزهة أكثير، تلح على مشكل السعر الذي يكون دون مستوى المجهود الذي تبذله النسوة في الجمعيات، وتشير إلى مشكل التزود بالمادة الأولية على اعتبار أن التعاونيات تكون رهينة بالوسطاء الذين يتحكمون في أسعارها، هذا ما يدفع التعاونيات إلى السعي من أجل التعامل بشكل مباشر مع ذوي الحقوق، خاصة عندما تسعى إلى الحصول على مادة أولية ذات جودة تستجيب للمعايير التي شرعت بعض التعاونيات في العمل بها، علما أنها تسعى في الفترة الأخيرة إلى الاستجابة بشكل دقيق لدفتر تحملات المؤشر الجغرافي لمجال الأركان. ذهب أخضر بسعر بخس لكن كلما أثير الحديث عن الأركان، يطفو على سطح النقاش مشكل القيمة المضافة التي يفترض أن تتحقق في المنطقة التي تعتبر المجال الحيوي للأركان، فبعض المتدخلين في قطاع أركان يؤكدون أن أسعار الزيت المستخلص منه قد تصل إلى 150 أو 200 درهم حسب وفرة المادة الأولية، وهذا السعر بمعيار القدرة الشرائية في المغرب، يعتبر مرتفعا، حسب خالد آلعيوض، المنسق العام لشبكة جمعيات محمية أركان المحيط الحيوي، لكن إذا أخذت بعين الاعتبار كلفة إنتاج الأركان يبدو ذلك غير منصف بالنسبة للمرأة التي تبذل الكثير من الجهد في توفيره، فإنتاج لتر واحد من الأركان يستغرق يوما ونصف اليوم، من الكسر والصحن والتقطير، علما أن اللتر الواحد يكلف، حسب بعض التقديرات، 90 درهما من المادة الأولية، ويبدو ذلك السعر الذي يباع به زيت الأركان في السوق الداخلي بخسا عند مقارنته بالأسعار المعتمدة في السوق الداخلي بمثيله في السوق الخارجي، حيث يباع بأسعار تساوي عشر مرات السعر المعتمد في المغرب، حيث يتراوح بين 1500 و2000 درهم، علما أن ما تتلقاه النساء عن يوم عمل لا يتعدى 50 درهما. والمشكل حسب آلعيوض، يكمن في أنه في المغرب يكتفى باستخلاص الزيت المعروفة والتي تستعمل في غالب الأحيان في التغذية أو التجميل، هذا في الوقت الذي يتم تصدير المادة الأولية، التي تحتكر في بعض الأحيان من قبل بعض الوسطاء الذين يتحكمون في السوق، حيث يكونون مخزونا، يتيح لهم نوعا من الاحتكار الذي يخول لهم أن يراقبوا الأسعار ويبيعون بأسعار مرتفعة تصل في بعض الأحيان إلى 6 دراهم للكيلوغرام وهذا ما يفرض في تصوره التوجه نحو تنظيم عملية البيع، بحيث يفترض أن تتوفر التعاونيات على مخازنها الخاصة التي تخول لها توفير المادة الأولية، حتى تشتغل في ظروف عادية أو أن يكون هناك اتجاه ترعاه الدولة والوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات والمتدخلين في القطاع من أجل تشجيع المختبرات التي تقوم بتحويل الأركان لتحقيق القيمة المضافة في المغرب، عبر مختلف مشتقات الأركان، بما يسمح باستفادة مناطق المجال الحيوي للأركان سواء تعلق الأمر بذوي الحقوق أو التعاونيات التي تبذل جهودا مضنية في التثمين والسعي إلى احترام معايير الجودة دون أن تحصل على عائدات في مستوى تطلعاتها. فيدرالية.. مصالح متضاربة يتطلع المهنيون إلى توقيع عقد برنامج مع الدولة، فقد عمدوا إلى تأسيس الفيدرالية البيمهنية المغربية للأركان، التي تضم الفيدرالية الوطنية لجمعيات ذوي الحقوق والجمعية الوطنية لتعاونيات الأركان والجمعية المغربية للمؤشر الجغرافي لزيت الأركان والجمعية المهنية المغربية للشركات المنتجة للأركان والجمعية الوطنية للتجار ومستعملي زيت الأركان، حيث يأتي في ظل العمل بالمؤشر الجغرافي للأركان الذي يرمي إلى تحسين جودة زيت الأركان وتوطين المنتوج في المجال الجغرافي للإنتاج، خاصة عبر استفادة المنتجين من القيمة المضافة التي يحققها، والسعي إلى تنظيم المهنيين في مرحلة توفير المادة الأولية والعناية بمرحلة التثمين والتسويق، هكذا ألقت الفيدرالية على عاتقها مهمة تطوير وإدماج وتنظيم المتدخلين وترسيخ سياسة التشاور بين مختلف الفاعلين والعمل على إنجاز البرامج التعاقدية مع السلطات العمومية والدفاع عن مصالح المنضوين تحت لواء الفيدرالية، غير أنه يبدو أن النوايا الحسنة التي أعلنت عنها الفيدرالية سوف توضع على المحك، في ظل تضارب مصالح المنخرطين فيها، فالنقاش الذي دار أثناء الجمع العام للفدرالية البيمهنية المغربية للأركان لم يخف تخوف ذوي الحقوق من أن تخدم الفيدرالية مصالح المصنعين الباحثين عن هوامش ربح كبيرة على حساب السكان، الذين يرتبطون بالشجرة وتعتبر مناط وجودهم في بعض الأحيان، فهم يتطلعون إلى خلق نوع من التوازن عبر الاستجابة لهاجس التثمين وتحقيق العائدات بالنسبة للمصنعين والمحولين، لكن دون إغفال تخليف الشجرة وتنمية المناطق المرتبطة بها والاعتناء بالنساء اللواتي يبذلن الكثير من الجهد لإبراز مزايا شجرة الأركان.