الناس في آسفي يذكرون أنه في 16 يوليوز من سنة 2003 دخلت مدينتهم إلى عهد الأدخنة السوداء، فقط لأن محمد اليازغي، الذي كان وقتها وزيرا لإعداد التراب الوطني والماء والبيئة في حكومة إدريس جطو، وقع ترخيصا حكوميا يمكن الجمعية المهنية لمصنعي الإسمنت بالمغرب، التي يتحكم فيها مصنعون من إيطاليا و فرنسا، من الحق في استيراد نفايات العجلات المطاطية للسيارات و الناقلات و إدخالها التراب الوطني عبر موانئ المغرب و حرقها في أفران مصانع الإسمنت، ولا بأس إن استنشق الناس و الطبيعة الدخان الأسود الخانق لتلك العجلات مقابل تمكين مصنعي الإسمنت من هدية لن يحلموا بها في أي بلد أوربي، وهي إحراق العجلات المطاطية لخفض تكاليف الإنتاج ورفع هامش ربحهم الخيالي المترتب عن ذلك. الغريب أن ترخيص وزارة اليازغي جاء 11 شهرا فقط قبل انطلاق نشاط شركة أوربية عملاقة اسمها «أليابير» أسسها كبار مصنعي العجلات في العالم لتكون متوافقة مع القانون الأوربي، الذي يلزم مصنعي العجلات المطاطية بإيجاد وسائل خارج التراب الأوربي لإعادة تصريف ما ينتجونه لأن القانون الفرنسي رقم 1563 الصادر في 24 دجنبر 2002 يمنع ويجرم إحراق العجلات المطاطية المستعملة أو حتى تركها في الطبيعة، ولا تقبل حتى في مطارح الأزبال العمومية، ويجبر المصنعون على جمعها وإيجاد طريقة لإعادة تصريفها خارج التراب الأوربي وليس فقط الفرنسي. السي محمد اليازغي، الذي كان في حكومة إدريس جطو وزيرا للبيئة، عوض أن ينتج لنا قانونا مثل القانون الفرنسي في مجال حماية البيئة من مخلفات نفايات العجلات المطاطية السامة والمضرة بصحة الإنسان والمجال، فتح موانئ المغرب بترخيص حكومي لاستقبال تلك النفايات المطاطية، ورخّص لكبار مصنعي الإسمنت بحرقها في أفرانهم. و منذ سنة 2004 ومدينة آسفي لم تعد تشتم فيها روائح الأمونياك والفوسفاط والخزف و«شوايات» السردين، بل روائح خانقة لعجلات الأوربيين التي تخلوا عنها، وفي منطقة احرارة والساحل، حيث يوجد أحد أكبر مصانع الإسمنت بالمغرب والثاني على المستوى الوطني التابع لمجموعة إيطالية، أصبحت السحب هناك سوداء ورئات الأغنام والأبقار سوداء بعد ذبحها، فيما أمراض الربو تتزايد بشكل ملفت لدى الأطفال والمسنين و النساء الحوامل. يوم السبت الأخير، وعلى طول 35 كلم الفاصلة بين ميناء آسفي ومصنع الإسمنت الإيطالي، كانت الطريق مفروشة ببقايا العجلات المطاطية النتنة التي تخلفها كل عملية نقل آلاف الأطنان من تلك النفايات، وبالرغم من أن استيراد «زبالة» العجلات الأوربية يتم بترخيص حكومي رسمي، فإن مسؤولي المصنع الإيطالي للإسمنت بآسفي يتكتمون على حجم ما استوردوه حتى الآن وأحرقوه في أفرانهم واستنشقه الناس والحيوان والطبيعة. في سنة 2009 حققت شركة «أليابير» رقم معاملات يصل إلى 60 مليون أورو مقابل تصدير نفايات أوربا من العجلات المطاطية للمغرب، وفي سنة 2006 استقبلت موانئ المغرب أزيد من 300 ألف طن من تلك الزبالة من العجلات لأجل إحراقها في أفران مصانع الإسمنت، وفي سنة 2009 أيضا حققت شركة «إسمنت المغرب»، التي يوجد مصنعها بآسفي، رقم معاملات يصل إلى 1175 مليون درهم بارتفاع بنسبة 34 بالمائة، فيما التقارير الأوربية في مجال البيئة كلها تصفق لسياسة تصدير نفاياتها إلى المغرب. وحدها رئات أهالي مدينة آسفي ومنطقة احرارة من يتم تلويثها لتسمين عائدات مصانع الإيطاليين وتنظيف أوربا. الناس هنا يتساءلون بإلحاح إلى متى؟ وهل سيتم تعويض آسفي جراء سنوات تلويثها من قبل مصانع الإسمنت الأوربية؟.