دخل ملف السلفية الجهادية، الذي يعتقل في إطاره عدد من السجناء سواء الذين اعتقلوا قبل أو بعد تفجيرات الدارالبيضاء عام 2003 برسم قانون محاربة الإرهاب أو الذين كانوا في أفغانستان، منعطفا جديدا منذ ظهور حركة 20 فبراير والمسيرات التي نظمتها، مرورا بالخطاب الملكي ليوم 9 مارس الذي أعلن فيه الملك عن قرب إجراء إصلاحات دستورية ودسترة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، إذ يبدو أن حساسية الشارع انتقلت إلى داخل السجون حيث يوجد هؤلاء المعتقلون، وبدا أن هؤلاء التقطوا الرسالة الملكية وقرؤوا في مضامينها إشارات بالانفراج، مما دفعهم إلى التصعيد في وجه إدارة السجون، والدخول في عصيان مفتوح كانوا فيه هذه المرة أكثر تشددا وأكثر تشبثا بمطالبهم، التي حددوها على الخصوص في إطلاق سراحهم دون شروط، وضمان محاكمة عادلة للمتورطين في الأحداث. التصعيد الأخير جاء بعد جمود طويل عاشه هذا الملف الذي لم تنجح الدولة حتى الآن في إيجاد مقاربة سليمة للتعاطي معه، سواء عبر إعمال آلية العفو الملكي التي أثبتت أنها لم تشكل أي ضمانة أمام حالات العود التي ظهرت خلال السنوات الماضية، أو اللجوء إلى آلية الحوار التي لم تسفر عن نتائج بسبب عدم قدرة المؤسسة العلمية، ممثلة في المجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، على وضع استراتيجية ناجعة ل«إعادة إدماج» هؤلاء المعتقلين ضمن المنظومة العقدية للمملكة، خصوصا وأن بعض شيوخ هذا التيار يتعاملون مع المعتقلين على أساس أنهم متطرفون «سياسيا» وليس عقديا، كردة فعل على ما حصل لهم من تعذيب ومحاكمات غير عادلة واختطافات ومداهمات، وبالتالي فإن المدخل للتعامل مع ملفهم ليس مدخلا عقديا يرتكز على الحوار، بل مدخل سياسي يرتكز على فورية الإفراج عنهم ورفع مظلوميتهم. أما الخيار الثالث، الموجود حاليا، وهو الإبقاء على هؤلاء ضمن الاعتقال إلى إتمام مدة محكوميتهم، فالظاهر أن الدولة اقتنعت بأن استمرار الاعتقال سوف يزيد في زرع بذور التطرف وسوف يحول هؤلاء المعتقلين إلى «حزب سري» داخل السجون، وهذا من شأنه أن يفرز تيارا متشددا داخل المجتمع بعد الإفراج عن هؤلاء في المستقبل، هذا إضافة إلى المعطيات الواقعية والسياسية التي تؤكد بأن ملف السلفية الجهادية يرتبط بمرحلة ولت وانتهت، كانت محكومة بحالة احتقان عاشتها البلاد في الماضي ولديها ارتباطات دولية وإقليمية وجهوية، كما أن استمرار اعتقال هؤلاء ستكون له كلفة سياسية وحقوقية بالنسبة للمغرب الذي يسعى إلى التقدم أكثر في مجال الديمقراطية وإصلاح العدالة ومحاربة الفساد. وبالرغم من أن هذا الملف عاد إلى الواجهة بشكل أقوى هذه المرة، إلى حد أن هناك من يذهب إلى قرب صدور إجراءات عملية تجاه هذه الفئة ليس أقلها الإفراج التام عن جميع المعتقلين، باستثناء المسؤولين عن تدبير تفجيرات 16 ماي 2003، إلا أن أسلوب التعاطي معه بالشكل المطلوب من شأنه أن يطرح عدة تحديات على الدولة. فعملية الإفراج عن هذا التيار لن تكون سهلة وبقرار سياسي أو إداري يتم اتخاذه كرد فعل على الأوضاع الراهنة وعملية التصعيد داخل السجون، وهذا ما تعيه الدولة جيدا، بدليل التردد الكبير الذي طبع تعاملها مع هذا الملف واختلاف المواقف بين المسؤولين بخصوص قضية الحوار مثلا، إذ لاحظنا قبل نحو عامين أن وزارة الأوقاف، التي يتبع لها المجلس العلمي الأعلى الذي سبق له أن وضع توصية في موضوع الحوار مع السلفيين، حاولت التملص من هذا الالتزام عندما صرح أحمد التوفيق في برنامج تلفزيوني، ردا على سؤال حول مآل الحوار، بأن الجهة الوحيدة التي يمكن لهؤلاء المعتقلين التوجه إليها من أجل الحوار هي مندوبية السجون وإعادة الإدماج، مما يعني أن الوضع محسوم في اتجاه عدم الحوار، الذي يعني في نفس الوقت عدم الاعتراف بفكرة وجود «تيار» سلفي داخل المغرب خارج عن المنظومة العقدية للمملكة. فالدولة تدرك أن إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، بعد سنوات من الاعتقال حصلوا فيها على «تجنيد» نظري وإيديولوجي، يمكن أن يشكل خطرا على «الأمن الروحي» للمملكة، في الوقت الذي تتجه فيه هذه الأخيرة نحو تحصين مجالها الديني.