المقاولات تخلق وتموت، لها دورة حياة، كما البشر. الموت قد يدركها قبل أن يشتد عودها وقد تنقرض بعد أن تظن أنها تغلبت على المصاعب التي تعترض سبيلها. تلك بعض من الحقائق التي يمكن استشفافها من الدراسة التي أنجزتها مديرية الدراسات التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية. دراسة شذت عن المألوف، حيث اعتادت الجهات التي يهمها أمر المقاولات في المغرب الإعلان عن عدد المقاولات التي يتم خلقها، دون أن تتعقب أثر تلك المخلوقات الجديدة في مسارها، كي تقف عند الصعوبات التي تواجهها والتي يمكن أن تفضي إلى وفاتها أو إلى تعليق نشاطها. تشير الدراسة، التي تغطي الفترة الممتدة من 1987 إلى 2003، إلى أن معدل بقاء المقاولات في المغرب على قيد الحياة يصل إلى 93 في المائة في السنة الأولى و90 في المائة في السنة الثانية و85 في المائة في السنة الثالثة و75 في المائة في السنة الرابعة. ويشير تتبع مسار المقاولات التي أحدثت في سنة 1988 إلى أن أكثر من مقاولة من بين كل أربع مقاولات استطاعت أن تضمن بقاءها على مدى 17 سنة . وتوصلت الدراسة إلى أن معدل خلق واختفاء المقاولات يتراجع كلما اتسع حجمها، حيث يتجلى أن المقاولات الصغيرة التي تخلق بشكل أكبر في المغرب تختفي أكثر من غيرها من المقاولات ذات الأحجام المتوسطة والكبرى.. حيث يصل معدل الاختفاء إلى 16 في المائة بالنسبة إلى المقاولات الصغيرة جدا التي تضم أقل من 50 أجيرا، ويتراجع هذا المعدل إلى 11 في المائة بالنسبة إلى المقاولات التي تشغل ما بين 50 و100 أجير. أما بالنسبة إلى المقاولات ذات الحجم المتوسط التي تضم ما بين 100 و200 أجير، فيصل معدل خلقها وموتها إلى 9 في المائة، بينما يصل إلى 6 في المائة حين يتعلق الأمر بالمقاولات التي تشغل 200 أجير فأكثر. وحسب القطاعات، لاحظت الدراسة أن صناعات النسيج والألبسة تعرف أعلى معدل لميلاد واختفاء المقاولات، حيث يصل إلى 15 في المائة، وتسجل مقاولات الصناعات الكهربائية والإلكترونية نفس المعدل، حيث يصل إلى 13 في المائة. أما في ما يخص المقاولات التي تتخصص في الصناعات الغذائية. والتي أحدثت خلال الفترة التي شملتها الدراسة، فقد تساوى فيها تقريبا عدد المقاولات المحدثة وعدد تلك التي اختفت، حيث وصل على التوالي إلى 6 و5.6 في المائة. وعند تناول أداء المقاولات التي شملتها الدراسة، يظهر أن صادراتها تضاعفت خمس مرات خلال الفترة التي شملتها الدراسة، هذا في الوقت الذي نمت فيه القيمة المضافة بوتيرة أقل من وتيرة نمو الصادرات . أما رقما المعاملات والإنتاج، فقد تضاعفا بثلاث مرات، غير أن التطور الأضعف يبقى هو ذاك الذي سجل على مستوى مناصب الشغل المحدثة. لكن إذا كانت الدراسة توصلت إلى أن المقاولات المحدثة والتي استمرت في الوجود، استطاعت أن تحقق أفضل النتائج على مستوى المساهمة في التصدير والتشغيل والقيمة المضافة، فإن تحليل تلك المقاولات أبرز أنها تحقق أدنى مستوى للإنتاجية وتشغل يدا عاملة ضعيفة التأهيل وتتلقى أجورا متدنية. وعين معدو الدراسة ثلاثة أبعاد يوصون بضرورة أخذها بعين الاعتبار، وتتمثل في تكثيف الجهود وتذليل الصعوبات التي تحول دون تطور المقاولات الصغرى والمتوسطة، ودعم قطاع النسيج والجلد الذي يخلق أكبر عدد من المقاولات رغم الظرفية غير المساعدة التي تزداد صعوبة في ظل صعود الاقتصادات الآسيوية، وتدعيم البرامج الرامية إلى الرقي بالرأسمال البشري في المقاولات الصناعية وتشغيل يد عاملة مؤهلة للتكيف مع المستجدات التكنولوجية ذات الإنتاجية العالية.