حصلت «المساء» على وثائق إدارية رسمية تكشف جزءا كبيرا من «الغموض»، الذي لا يزال يلف ما أصبح يعرف ب«فضيحة النجاة»، التي ألصقت «المسؤولية المعنوية» لها بعنق الوزير الأول الحالي عباس الفاسي، الذي كان حين انفجر هذا الملف وزيرا للتشغيل. ومن أبرز الوثائق التي حصلت عليها «المساء» نسخة من شيك موقع على بياض سلمه مسؤولو شركة «النجاة للشحن البحري» للمدير العام لوكالة «أنابيك» ضمانة على سلامة عملية العرض الذي قدمته هذه الشركة، التي يوجد مقرها بالإمارات العربية المتحدة، لتشغيل ما يقرب من 30 ألف شاب مغربي في مراكب متخصصة في السياحة البحرية. وتم ختم هذا الشيك في «بنك دبي الإسلامي»، مع الإشارة إلى أنه سيتم التصرف فيه وفقا لبنود اتفاق تم بين إدارة هذه الشركة وبين إدارة وكالة «أنابيك». ويتحدث «سند ضمان» عن أن شركة «النجاة» تتعهد بتعويض العاملين عن الضرر من خلال «أنابيك» إذا ما فشلت «النجاة» في توظيف العمال المغاربة الموظفين نيابة عن الشركة مع الشركات المتعاملة معها في أوربا، إلى حدود 30 شتنبر 2006، ضد المطالبات والمطالب أو الدعاوى التي يمكن أن تنشأ من الموظفين في حدود تكاليف الاختبار الطبي وأجور التوصيل المحلية التي قاموا بدفعها بشرط أن هذا التعويض عن الضرر عن 380 درهما إماراتيا لكل موظف. وقال المدير المسؤول للشركة، محمد علي باشا، في هذه الوثيقة التي حصلت عليها «المساء»، والتي سجلت بمحكمة الشارقة الاتحادية الابتدائية في 15 يونيو 2002، إنه لن يقبل أي مطالبة بخصوص الموضوع أعلاه قبل تاريخ 30 شتنبر، و«بالتحديد عند فشلنا في توظيف العاملين المغربيين الموظفين». ويؤكد ضحايا «النجاة» بأنهم خسروا ما يقرب من 900 درهم في الفحوصات الطبية, التي أجروها بمصحة «السلام» المعروفة بالدارالبيضاء، وهي الفحوصات التي فرضت «أنابيك» إجراءها إجباريا على هؤلاء المرشحين في هذه المصحة، مما فرض على المئات منهم تكبد عناء التنقل, قادمين من مختلف مدن وقرى المغرب لإجراء هذه الفحوصات وما تبع ذلك من مصاريف. كما أن عددا منهم ظل يجازف بمصروف عائلته ذهابا وإيابا من أجل الإطلاع على تطور الملف في مختلف وكالات «أنابيك» في الجهات الكبرى للمغرب، ومن هؤلاء من سارع إلى وضع استقالته من عمله، حالما بفرصة عمل حقيقية تبعا لعرض «النجاة»، قبل أن يجد نفسه في الشارع. وتعد هذه أول مرة يكشف فيها عن وجود شيك «ضمانة» سلم من قبل شركة «النجاة» إلى وكالة «أنابيك» منذ انفجار الملف في سنة 2002. كما أنها أول مرة يكشف فيها النقاب عن وجود التزام من قبل هذه الشركة تعد فيه بتعويض الشبان إذا لم تنجح العملية. لكن السلطات المغربية، ومنها إدارة «أنابيك» ووزارة التشغيل، والوزير عباس الفاسي نفسه، لم يسبق لها أن أشارت، من قريب أو بعيد، إلى وجود هذه «الضمانات» أو دعت إلى «تفعيلها»، مما يزيد من ظهور عتمات غموض إضافية حول هذه الفضيحة، التي يحاول الخصوم السياسيون لحزب الاستقلال إلصاقها بأمينهم العام عباس الفاسي. وحصلت «المساء» أيضا على رسالة موقعة من قبل مدير الشؤون العربية الإسلامية، محمد أزروال آنذاك، بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون في عهد محمد بنعيسى، موجهة إلى وزير التشغيل والتكوين المهني والتنمية الاجتماعية والتضامن، عباس الفاسي آنذاك، تؤكد فيها بأن سفارة المغرب بأبو ظبي راسلت وزارة الخارجية بشأن كون شركة النجاة للشحن الجوي تعتزم تشغيل ما يقرب من 21 ألف من اليد العاملة المغربية على متن بواخر للمسافرين لفائدة شركات أوربية. وقالت هذه الرسالة المؤرخة بتاريخ 22 مارس 2002 في عهد حكومة عبد الرحمان اليوسفي, إن الشركة قامت بتوظيف المغربي رضا ريمي يحياوي منسقا محليا، يعمل نيابة عن الشركة في المغرب للتعامل مع وكالتها لتفعيل مشروع التوظيف. وتحدثت رسالة وزارة الخارجية بأن هذه العملية تعتبر فرصة لتوظيف عدد من الشبان المغاربة، موردة بأنها مجانية بالكامل. و»أخبرت» وزير التشغيل بأن هذه الشركة تلتمس من السلطات المختصة التعاون معها وتأكيد موثوقية مشروع توظيفها. وجاء في رسالة وزارة الخارجية بأن سفارة أبو ظبي قامت بتزويد الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات بالدارالبيضاء بالمعلومات التي طلبتها حول شركة «النجاة»، التي قدمت نفسها بأنها تعمل في مجال تدبير الشحن مع 40 شركة حليفة حول العالم، ويوجد مقرها الرئيسي بالشارقة، وتعمل تحت كفالة الأمير الشيخ صقر بن عبد الله القاسمي. وقبل هذه الرسالة، تحدثت رسالة أخرى، وجهتها سفارة المملكة المغربية لدى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى وزير الداخلية في عهد ادريس جطو بتاريخ 13 مارس 2002، عن أن شركة النجاة تعتزم تشغيل ما يقرب من 21 ألفا من اليد العاملة المغربية على متن بواخر للمسافرين لفائدة شركات أوربية. وأخبر سفير المغرب بالإمارات وزير الداخلية بأن هذه الشركة تعمل على «توظيف طاقم البحارة لتوظيف العامل العام للعمل في ناقلة الركاب البحرية بأوربا. ولديها نشاط توظيف في دول كثيرة. وأيضا ترغب في توظيف عدد كبير من المواطنين المغاربة»، وأوضح بأن فترة العقد لتوظيف عمال عامين تمتد على 12 شهرا قابلة للتجديد، و أن عمر المرشحين محدد فيما بين 18 سنة و45 سنة للذكور. وأشارت السفارة إلى أن راتب هؤلاء العمال محدد في 680 دولارا أمريكيا للناطق باللغة الإنجليزية، و580 دولارا لغير الناطقين بهذه اللغة. وقالت إن الشركة ستمنح 3 دولارات أمريكية عن الساعات الإضافية بعد إكمال ساعات العمل الرسمية على ظهر ناقل الركاب في اليوم، و أن وعلاوة البحار محددة في 80 دولارا أمريكيا في الشهر، وراتب إجازة شهر واحد في الشهر الثالث عشر، على أن توفر العلاج والطعام والسكن بالمجان، وتذكرة ذهاب وإياب بالمجان. ووعدت الشركة، طبقا لرسالة السفير إلى وزير الداخلية، بتوفير تدريب للمرشحين لمدة أسبوعين. وأكدت بأن الدول التي سترسو بها الناقلة هي بريطانيا وإسبانيا والبرتغال وهولندا والنرويج. وفي 4 يونيو 2002 وجه وزير الشؤون الخارجية والتعاون إلى وزير التشغيل صورا شمسية لمجموعة من وثائق التعاقد وشواهد إقرار مبرمة بين شركة النجاة ووكالة إنعاش التشغيل. وقالت وزارة الخارجية في رسالتها إن هذه الوثائق وردت عليها من طرف سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة، تطلب من خلالها التأكد من صحة التوقيعات والتصديقات المذيلة بهذه الوثائق. ووجهت هذه الرسالة إلى وزير التشغيل مباشرة بعد توصل الخارجية برسالة سفارة الإمارات والمؤرخة ب 2 يونيو 2002. وتبين بعد كل هذه المراسلات بأن العملية كانت عملية «نصب» من العيار الثقيل. وطالبت عدة فعاليات حقوقية وسياسية وإعلامية بإماطة اللثام عن كل الجوانب المحيطة بهذه العملية، وظل الضحايا يتظاهرون في شوارع عدد من المدن طلبا للإنصاف، لكن دون جدوى. ويظهر اسم الشيخ الإماراتي صقر بن عبد الله بن حميد القاسمي في الوثائق التي بموجبها تأسست هذه الشركة في دولة الإمارات العربية المتحدة، طبقا لمجموع الوثائق التي حصلت عليها «المساء». وقدم هذا الشيخ في هذه الوثائق على أنه من مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة ومقيم في رأس الخيمة. كما ظهر في وثائق الشركة اسم سجاد أكبر محمد علي، وهو باكستاني الجنسية. وقالت إحدى هذه الوثائق إن الباكستاني هو الذي يتحمل المسؤولية القانونية للشركة، فيما يقوم الشيخ الإماراتي فقط بالتجديد السنوي للرخصة التجارية من البلدية وشهادة تسجيلها من غرفة التجارة والصناعة. وأمام تأخر الالتحاق بالعمل، خرج العشرات من الشباب الحالم بالعمل في مراكب السياحة طبقا لهذه العملية، للاحتجاج، فما كان من شفيق راشد، مدير الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات آنذاك، إلا تدبيج بلاغ صحفي استعرض فيه الأشواط التي قطعتها العملية التي تحولت إلى سراب بعد ذلك. ومما قاله هذا البلاغ أن الشركة اختارت خمسة مكاتب استشارية مغربية لجمع المرشحين، وشرع أحد هذه المكاتب في تسجيل حوالي 3000 مرشح. كما قام مكتب آخر بنفس العملية في الدارالبيضاء، قبل أن تتدخل وكالة «أنابيك» ابتداء من 18 فبراير 2002 لتجري اتصالات مع شركة «النجاة»، وتم الاتفاق على أن تتولى الوكالة الإشراف على العملية بالتعاون مع المكاتب المختصة. وراسل مدير الوكالة سفير المغرب بالإمارات بتاريخ 5 مارس 2002، فرد السفير بتاريخ 13 مارس بالتأكيد على وجود الشركة، وبعث بنسخ من أجوبته إلى كل من وزير الخارجية ووزير الداخلية. وبعثت السفارة بوثيقة تؤكد فيها بأن الشيخ صقر يترأس المجلس الإداري لشركة النجاة ويملك 51 في المائة من أسهمها. وقال مدير الوكالة إنه التقى بهذا الشيخ الإماراتي وقدم له كل الضمانات على نجاح العملية، كما التقى بالمدير المسؤول ووقع له على صك ضمان بتاريخ 11 يونيو 2002. وبتاريخ 12 غشت بعثت شركة «النجاة» برسالة تتعلق بتهييء سفر 5000 شخص ليتوجهوا على نفقة أرباب البواخر إلى أوسلو. كما بعثت الشركة برسالة أخرى إلى مدير مصحة السلام بالدارالبيضاء تطلب فيها إجراء الفحوصات الطبية المضادة للفوج الأول على نفقة المشغل. وقد أدت شركة «النجاة» جزءا من أتعاب مكتبين في المغرب. وعلى عكس ما ذهب إليه هذا البلاغ الصحفي من أن الفحوصات الطبية أجريت بالمجان وعلى نفقة المشغل، فإن جل الضحايا يؤكدون بأنهم أدوا مبالغ مالية مقابل هذه الفحوصات. وقال المدير العام للوكالة إن الوكالة عملت على اتخاذ تدابير ضرورية لحماية حقوق المرشحين، وعقد مجلس إداري للوكالة لبحث الموضوع. لكن إدارة الوكالة لم تفصح لحد الآن عن الإجراءات التي اتخذتها لحماية حقوق المرشحين، كما أنها لم تفصح عما نوقش في المجلس الإداري، الذي ناقش هذه القضية، قبل أن يقرر بعض الضحايا إحالتها على القضاء. ويرتقب، طبقا للمصادر، أن يتم البدء في استدعاء الأطراف التي لها علاقة بالملف ابتداء من شهر أبريل المقبل.