وزيرة الطاقة المغربية أمينة بن خضراء في الجزائر. لا شيء يوحي بأن الأمر يتعلق بحدث كبير، لولا أن العلاقات بين البلدين الجارين تجتاز فترة أزمة طال أمدها، وربما المشروع الوحيد المشترك الذي صمد على الأرض هو الاتفاق بين الرباطوالجزائر ومدريد على سريان مفعول تصدير الغاز الجزائري إلى إسبانيا عبر خط الأنابيب الذي يخترق الأراضي المغربية. والتجربة تؤكد أن تبادل المنافع الاقتصادية يعلو فوق الهزات السياسية، مهما كانت ارتداداتها. مع أن المشروع الذي رأى النور في مطلع تسعينيات القرن الماضي يحمل اسم المغرب العربي، فما من شيء له علاقة بالتزامات الاتحاد المغاربي ظل قائما عدا الذكريات وديبلوماسية التهاني في المناسبات. وقد تكون ميزة المشروع أنه يضم شريكا ثالثا من بلدان الاتحاد الأوربي التي ما فتئت تقدم الدليل على أن قوتها في وحدتها الاقتصادية. كم يبدو سياق الزيارة مثيرا، لكونه يفسح المجال أمام بدء مرحلة جديدة من الحوار، يمكن أن تهيمن عليها الانشغالات القطاعية في الطاقة والكهرباء والزراعة وتأهيل الموارد، لكنه سيقود حتما، في حال ما إذا سلمت النيات والإرادات، إلى بحث الإشكالات السياسية التي حالت دون التطبيع العادي للعلاقات بين البلدين، فثمة ملفات وقضايا لا يمكن فصل أبعادها السياسية عن جوانبها الإجرائية، ما دام الترابط يقود إلى أصل المشاكل. منذ عام 1994، افترق البلدان الجاران عند منعطف الطريق بين من يدعو إلى التطبيع ثنائيا وترك قضية الصحراء جانبا، ومن يرهن الانفتاح بمقاربة شمولية قد تبدو مقنعة، لكنها لا تزيد على سياسة الهروب إلى الأمام، لكونها لا تنفض الغبار عن كافة الملفات العالقة. غير أن الاستسلام إلى ما يشبه القطيعة كان أقرب من كل المبادرات. وعلى الرغم من كل الوساطات الغربية والعربية التي بذلت في اتجاه حلحلة الوضع، استمرت حالة اللاتطبيع تفرض سطوتها إلى درجة ساد معها الاعتقاد بأن انكفاء البلدين تحول إلى سياسة قائمة الذات، وإن كانت خارجة عن المألوف والمطلوب. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل انضافت خلافات أخرى إلى ركام التناقضات، فقد تقاطعت المواقف إزاء التعاطي مع تنامي الظاهرة الإرهابية في الساحل جنوب الصحراء، وتأثرت علاقات البلدين، إقليميا وإفريقيا، بسبب تباين الرؤى في معالجة ملفات الهجرة غير الشرعية ومحور العلاقات وبلدان الاتحاد الأوربي، دون إغفال دخول منطقة الشمال الإفريقي برمتها في غفوة أبعدتها عن التزاماتها القومية في قضية الشرق الأوسط. غير أن تحولا جذريا سيكون له الأثر البالغ في فتح العيون، لم يكن هذه المرة في صورة زحف الجراد الذي كان قد حتم قيام تنسيق على الشريط الحدودي، امتد نحو مجاهل الملفات السياسية، ولم يكن في شكل غضب الطبيعة الذي أرجع البلدين إلى مربع التضامن في مواجهة الزلازل والفيضانات، ولكنه غضب الشارع الهادر ألقى بظلاله على مسار العلاقات المتأزمة، فعبر الامتداد الأفقي للجوار الجغرافي يعاين مسؤولو البلدين تداعيات انتفاضات لم تعد تستثني أحدا.. لا النفط ولا الغاز ولا الفوسفاط كموارد لضخ الأموال في إمكانها الحد من العدوى القادمة دون التحضير لاستيعابها بأقل قدر ممكن من الخسائر. في حسابات مالية واقتصادية، كلفة اللامغرب عربي كبيرة وثقيلة، لكن كلفة اللاتطبيع تبقى أكثر سلبية في مواجهة انسداد الأفق. تفيد التقديرات بأن ملايين السياح المتحدرين من أصول جزائرية ظلوا يفضلون المغرب وجهة أقرب، كما أن نزوع الجزائر نحو تكريس اقتصاد السوق في وسعه أن يستفيد من التجربة المغربية في هذا النطاق، فيما التكامل بين الكفاءات المؤهلة والسواعد العاملة والحقول الواعدة لا يتطلب أكثر من إشارة البدء في إعادة الروح إلى تعاون ثنائي توفرت له كل الشروط الموضوعية في النجاح. يلتقي المغرب والجزائر في أن مشاكلهما ذات صلة بطلبات وتطلعات الأجيال الجديدة من الشباب الذي يشكل العمود الفقري للبنيات السكانية، ويلتقيان كذلك في أن خلافاتهما الجيوسياسية تتسبب في إهدار طاقات وأموال وجهود وفرص. لم تربح الجزائر غير معاداة جار شقيق قدم إليها الدعم والعون في الفترات الحرجة، ولم يخسر المغرب غير كونه أصبح يعول على نفسه، فيما تبددت أحلام حيال قدرات البلدين في تقديم نموذج مثالي للتعاون الثنائي الذي ينعكس إيجابيا على المنطقة المغاربية والفضاء الإقليمي.