تحويلات مالية مريبة، ابتزاز في مكتب صرف العملات، تهريب رؤوس الأموال، التهرب من دفع الضرائب، عدم تسديد الديون للدولة... تتعدد الوسائل وتبقى الغاية واحدة، ولا يهم ما إذا كانت هذه الوسائل مشروعة أم لا، فالملياردير حفيظ العلمي يتبنى مفهوم «الغاية تبرر الوسيلة»، وبأي ثمن ولو كان ذلك على حساب مصلحة الوطن. وتمثل إمبراطوريته -بكل بساطة- أسوأ نموذج ممكن عما يجب أن تكون عليه «الشركة المواطنة»...
لم تكد تجف الأقلام الصحافية التي كشفت النقاب عن الملياردير مولاي حفيظ العلمي وعن ممارساته «تحركاته» الغامضة في إبرام الصفقات، حتى سخّر الأخير جهوده لإطلاق حملة إعلامية، بغية «ترقيع» صورته، بالظهور المتكرر على شاشات التلفزيون أو في أعمدة الصحف اليومية أو المجلات، ل«تنظيف» الحبر الذي لطخ وجهه. وقد حرص العلمي من أجل ذلك على الظهور في الساحة الإعلامية إلى جانب شخصيات عمومية هامة، محاولا، بمكر، لعب دور «ضحية» النجاح الذي حققته أعماله «الخيرية»، والتي تثير «حسد» كل من حوله. إلا أن الواقع مغاير تماما، فحفيظ العلمي يُظهِر ما لا يُبطن. وبالفعل، فهذا الرجل الأنيق، صاحب إطلالة «الرجل الذهبي»، بربطات عنقه الحريرية، لا يمكن إلا أن يكون موضع «حسد» الكثيرين، خصوصا أولئك الذين وقعوا في قبضة العدالة والذين لم يستوعبوا لماذا ما زال هذا الرجل، الذي لا تعد مخالفاته ولا تحصى، حرا طليقا، بدون أي محاسبة تذكر... فهذا الملياردير عرف كيف يُخرج نفسه، كما تسل الشعرة من العجين، من أكبر عملية نصب ارتُكِبت في حق المغرب، بل أكثر من ذلك، تمكّن من انتزاع منصب رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب. ومنذ تقلد العلمي هذا المنصب، لم يترك الفرصة تفوته ليثير فساد القضاء والعبء الضريبي الذي يُعمّق الهوة بين الشركات «المشروعة» والتي من المفترَض أنه يمثلها وتلك الشركات «المشبوهة», التي تمارس نشاطاتها في الخفاء، كتلك التي يرأسها «علمي» آخر هو رشيد الطالبي العلمي، والذي يحقق أرباحا طائلة على حساب عرق جبين موظفيه، دون الوفاء بالتزاماته تجاههم في ما يخص الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي... ولم يتوقف «نضال» حفيظ العلمي عند هذا الحد، فقد قام بنشر «كتاب أبيض» يشجب فيه هذا الفساد الذي ينخر ويعيق نمو وتطور الشركات والمقاولات المغربية، غير آبه بالغضب الذي قد يثيره هذا الموقف «الصفيق» لدى العديد من الأطراف. وتبقى نقط الاستفهام والتعجب التي تُطرَح حول شخص حفيظ العلمي أكثر بكثير من تلك التي طرحتها يومية «المساء «على صفحاتها... ما الذي دفع حفيظ العلمي، إذن، إلى إعطائنا ذلك الوجه «البشوش» والمغشوش على صفحات المجلة الشهرية «version homme» حيث عمد إلى استعراض مساره المهني، بحذافيره، على عدة صفحات خُصِّصت له لكي «يُلمِّع» صورته. وقد استعرضت تلك الصفحات «صورا» لحفيظ العلمي يبدو أنه قد حرص على اختيارها وحرص على أن «تُركَّب» بشكل جيد ل«غاية في نفس يعقوب»، فمن خلال هذه الصور، أراد العلمي تمرير رسائل خطيرة وغامضة وتوحي، بشكل أو بآخر، بأنه يحتفظ بأسرار انتقاله إلى شركة «أونا» وبأنه لن يفشيها يوما، احتراما لمبدأ «الالتزام بسر المهنة»... ولم يشأ العلمي أن يستعرض صور عائلته وأبنائه لكي لا يزج بهم في هذه اللعبة المدروسة، بل اكتفى بنشر ألبوم خاص يظهر في إحدى صوره برفقة صديقه فؤاد عالي الهمة، حيث يتوسطه هو وزوجته، مع إجراء بعض «التعديلات» على هذه الصورة لإخفاء حيثيات التقاطها ولكي تصل «الرسالة» مباشرة إلى من يهمه الأمر... ولم يفت حفيظ العلمي نشر صورة أخرى حاول من خلالها إظهار مدى قربه من مراكز صنع القرار في فرنسا والتعاطف الذي تكنه له هذه الأخيرة. وقد ظهر في هذه الصورة برفقة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، حاملا وسام الشرف الذي كان يتباهى به، وهو واقف مع أسرته إلى جانب وزير الداخلية الفرنسي السابق، بريس أرتوفو، مع العلم أن هذا الأخير يُعرَف بسوابق عدلية عديدة، فقد سبق له أن أدانته المحكمة الفرنسية بدفع غرامة بسبب السب والقذف العنصري في حق مواطن مغاربي من غريب الصدف أنه عضو في حزبه، دون أن ننسى أن نفس المحاكم تابعته مرة ثانية، وبعد ستة أشهر، في شكوى تقدم بها فرنسي تحت الحراسة النظرية في قضية «بينتكور»، حيث قضت المحكمة بأن يدفع هذا الوزير تعويضا للضحية بسبب التصريحات التي تمس باحترام مبدأ «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، مع تحميله جميع صوائر الدعوى. وكان نفس الوزير موضع شكوى تقدمت بها ناشطة في «حزب الخضر» الفرنسي، تتهمه فيها بعرقلة سير العدالة وبالمس باستقلالية القضاء... «جزيرة الكنز»... بما أن حفيظ العلمي شخصية مهمة وما دام شريكه الوليد بن طلال شخصية أهم منه، حسب ما توحي به الصورة التي خصص لها العلمي مساحة هامة، حيث تظهر الصورة الأمير السعودي الوليد بن طلال بملابس صيفية بشكل يمكن ألا «يروق» إخواننا في السعودية، واضعا هذه الصورة فوق صورة أخرى له (حفيظ العلمي) تظهره برفقة الملك الإسباني خوان كارلوس. وليظهر براعته في «لغة الإشارات»، حرص حفيظ العلمي على أن يظهر في تلك الصورة وهو يحمل بندقية للصيد ويرتدي قفازات، وكأنه يود أن يخبرنا بأنه بالمرصاد، والويل كل الويل لمن يحاول الاقتراب من «صيده» الثمين!... لكن ما يجهله الجميع عن هذا الرجل، الذي كان يرأس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، هو أنه في الوقت الذي كان يمارس مهامه ويدعي أنه يدافع عن الشركات النزيهة والشفافة، والتي كان يضحك على ذقون مالكيها، كان يبحث عن أي ذريعة لكي يغطي على ممارساته «الغامضة»، وفي الوقت الذي كان «صديقنا» يزعم الشفافية، كان يرأس شركة وهمية في «ألوفي»، وهي عاصمة جزيرة «نيوي»، للتهرب من دفع الضرائب التي تثقل أعباء الشركات المغربية النزيهة، وبهذا كان يودع في هذه «الجزيرة»، التي توجد في أوقيانوسيا كل المال الذي كان يحصده بطرق محاسباتية «مريبة» وبترتيبات مالية غامضة، ونتحدى أي شخص يزعم أنه يعرف أين توجد هذه الجزيرة، دون الرجوع إلى محرك البحث «غوغل أورث»!... توجد هذه الجزيرة، بكل بساطة، في الجانب الآخر من الكرة الأرضية في مكان بعيد جدا في جنوب شرق أستراليا وتعتبر من جزر أوقيانوسيا. هذه الجزيرة أو جزيرة «الكنز»، كما يلقبونها، معروفة بأنها كانت، في قديم الزمان، «المخبأ» الذي يلجأ إليه «القراصنة» ليخبئوا أموالهم، وحيث يقوم حاليا أشهر المجرمين واللصوص والراشين والمرتشين بتحويل أموالهم، على غرار تجار المخدرات ومهربي السلاح والإرهابيين وغيرهم من المجرمين الآخرين الذين يسعون إلى تبييض الأموال، مما دفع بالمنظمة الدولية للتجارة إلى إدراج «ألوفي»، عاصمة جزيرة «نيوي» في اللائحة السوداء للمناطق المشبوهة. تخيلوا أن المشرع الذي صاغ قانون المسطرة المدنية كان يعرف أين توجد عاصمة جزيرة «نيوي». وقد حدد في الفصل ال41 مهلة 4 أشهر لتبليغ شكوى ضد الشخص المعني بالأمر، الذي يقطن في أوقيانوسيا، ولهذا فلكي تقدم بشكوى ضد حفيظ العلمي، كان من الواجب أن يبلغ «معاليه» في عنوان شركة «رولوك هولدينغ إنك»، التي يوجد مقرها في «2N، صندوق البريد رقم 71، شارع التجارة»، في العاصمة «ألوفي»، جزيرة «نيوي»... ولذلك كان يتوجب الانتظار أربعة أشهر لكي يدلي كاتب الضبط بإشعار التبليغ، هذا إن كان هناك كاتب ضبط أصلا في العاصمة «ألوفي»، فهذه الجزيرة بأكملها لا تتعدى ساكنتها 1492 نسمة، أما العاصمة فلا تتعدى ساكنتها 614، وبهذا فقد يكون اختيار حفيظ العلمي إنشاء شركة «رولوك هولدينغ» في «ألوفي» اختيارا «ذكيا»، حيث يعتبر أن الاستثمار في أوقيانوسيا أكثر أمانا من المغرب. كيف، إذن، وبأي حق، يسمح رئيس الاتحاد العام للمقاولات المغربية السابق بالادعاء بالنزاهة والشفافية وهو يملك شركة «وهمية» في جزيرة تعرف دوليا بتبييض الأموال؟!...
تبييض أموال صفقات سرية وثروة مجهولة المصدر كنا نعرف أن حفيظ العلمي كان يعمل لحساب «أونا»، بعد أن أدمجه روبير أساراف، وكنا نعرف أيضا مسار هذا الرجل قبل أن يفر من المغرب بعد انفجار قضية «أكما» -لحلو تازي، إلا أننا لم نكن نعرف أن هذا الرجل، ومن خلال ما صرح به في المجلة الشهرية «version Homme»، كان يخشى المجهول وكان يحاول، جاهدا، إخفاء شيء ما بدا له في غاية الخطورة. أما عن نيته بيع حصته في «أكما» -لحلو تازي لشركة «مارش أند ماك لينين» (Marsh & McLennan) الأمريكية، فيقول حفيظ العلمي إن أول خطوة اتخذها بعد رجوعه من الولاياتالمتحدةالأمريكية هي اتصاله بمكتب صرف العملات، حتى قبل أن يعرض هذه «الصفقة» الغريبة على شريكه فؤاد الفيلالي. إن استحضار مدير مكتب صرف العملات يدعونا إلى الشك في دوافع حفيظ العلمي وفي تنقله شخصيا لمقابلة مدير مكتب الصرف. وإذا أخذنا بعين الاعتبار شركة «رولوك هولدينغ» (Relock Holding INC) سوف نخرج بخلاصة واحدة: لم يأخذ التحقيق في قضية «أكما» -لحلو تازي مجراه الطبيعي، ومن هنا يمكننا أن نتساءل عن مصدر ثروة العلمي وعن «شبكاته» السرية والمتشعبة، والتي يستغلها لكي يظهر بصورة ذلك الرجل الناجح، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، ومن هنا يمكن أن نستنتج، أيضا، أن حفيظ العلمي قام -بطريقة أو بأخرى- بإخراج أموال طائلة من المغرب، بغية تبييضها عن طريق شركاته وشركات شركائه في الخارج، قبل إعادتها واستثمارها في السوق المحلي. والتأكد من هذا الأمر لا يقتصر فقط على محاولاته المتعددة إخراج أموال أخرى بنفس الطريقة أو بطرق أخرى أكثر «بدائية»... لا يمكن لحفيظ العلمي أن ينكر أنه كان مالكا لشركة «رولوك هولدينغ» وأنه استعمل هذه الشركة في 2000 لإنشاء شركة أخرى تحت اسم «فيبارميد إنڤستمنت ش. م.» (Fiparmed Investissements S.A) في لكسمبورغ، بشراكة مع شخص يدعى جون ماري بونديولي، وجعل مقرها في مكتبه الكائن في 8 شارع ماري تيريز، حيث ساهم فيها بسهم واحد، فقط تبلغ قيمته 60 أورو، في الوقت الذي استحوذت شركة «رولوك هولدينغ» على 5999 سهما. هذا, إذن, ما يطلق عليه حفيظ العلمي اسم «شركة». على هذا الملياردير أن يشرح للرأي العام لماذا قام في 14 نونبر 2008 بتوكيل شخص يدعى جوفري هوبكينز، أحد المتخصصين في هذا النوع من «الشركات» لتصفية هذه الشركة في انتظار إنشاء شركة أخرى؟ لماذا اختار أن يوقع على هذا التوكيل في إسبانيا، وتحديدا في برشلونة، وغداة مشاركته في المؤتمر الدولي للتأمين? ولماذا اختار أن يوقع على هذا التوكيل على طريقة الاستخبارات السوفييتية في إسبانيا وتحت غطاء المؤتمر الدولي؟ وعلى حفيظ العلمي، ولا أحد آخر سواه، أن يشرح لنا لماذا أنشأ كل تلك الشركات أساسا؟ وما هي التعاملات التي تمت تحت غطائها؟ وكيف استعملت فواتيرها؟ ولماذا ساهم في شركة وهمية لا توجد إلا في ص. ب. 71، الذي يضم العشرات من الشركات المماثلة، وعلى سبيل المثال، شركة «دميدوڤ» (Dmidov), التي تورطت في فضيحة الملهى الليلي «أمنيزيا»، لمالكه المغني جوني هاليداي؟ لماذا استعمل حفيظ العلمي شركة «رولوك» لإنشاء شركة أخرى إذا لم يكن ذلك لتحويل أموال طائلة، دون أي حسيب أو رقيب؟ ولماذا قام هذا الملياردير، وهو مهندس معلومياتي, بتسمية شركته الوهمية «رولوك»؟ من المعروف أنه في عالم المعلوميات وفي قاموس «الهاكرز»، تعني كلمة «رولوك» إعادة إغلاق برنامج معلوماتي، وبهذا تكون شركة «فيبارميد» في لكسمبورغ بمثابة «لوك»، وهي الإغلاق... أما شركة «ألوفي» في جزيرة «نيوي» فهي «رولوك», أي إعادة الإغلاق. والسؤال الذي يطرح هنا هو: لماذا قام حفيظ العلمي بتصفية شركة «فيبارميد أنڤستسمنت» في 30 دجنبر 2008 بالتحديد؟ وكيف استحوذ على عدد الأسهم التي يملكها في هذه الشركة (6000 سهم) مع العلم أنه يعترف، في المادة 5 من قرار التصفية، بأنه على علم تام بالحالة المالية للشركة؟
قوارب النجاة تثير «تحركات» حفيظ العلمي العديد من الشكوك حول مشروعية أعماله وحول إمكانية ارتكابه تجاوزات اقتصادية من شأنها أن تجعله محط متابعة قضائية، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، ومن الأجدر الوقوف عند هذه التجاوزات، قبل أن تفطن جهات خارجية إلى ذلك وتضع صورة الاقتصاد المغربي على المحك وتضر بمصالح الشركات المغربية وقبل أن تأخذ بعين الاعتبار ادعاءات حفيظ العلمي بخصوص خصومه ورفضه سداد قرض ب800 مليون درهم منح له من طرف وزارة المالية، فضلا على الدعم اللوجستي «السخي»، الذي كان يستفيد منه و«قوارب النجاة» التي كانت دائما تنقذه من «موجات» الانتقادات والشكوك التي تحوم حوله، وكانت آخرها مسألة تعيين الوزير السابق محمد برادة في مجموعته، والتي تناقلتها العديد من الصحف، وكأنه يود أن يضرب عصفورين بحجر واحد: أولا أن يرسل إلينا إشارة واضحة وهي أنه يوظف الجميع، بمن فيهم الوزراء أو أبناؤهم، وثانيا أن يرد على أولئك الذين يدّعُون حماية الأموال العامة ويشككون في «إنجازات» هذا الملياردير... من شأن كل هذا أن يحث السلطات القضائية على التحرك، بفتح تحقيق في هذا الصدد، تفاديا لجعل هذه القضية مطية يستعملها أعداء المغرب لضرب مصداقية مؤسساته وشركاته الوطنية وشفافية ونزاهة مؤسساته الاقتصادية، خصوصا أن «صديقنا» هذا متواجد، وبقوة، منذ 2009 في سوق التأمينات في «الجارة» الجزائر، حيث يشغل منصب مدير شركة التأمين الجزائرية «DZ أسيستانس»، والتي يملك 75% من أسهمها، بفضل ذراعه اليمنى شركة «إسعاف أسيستانس إنترناشنال»، كما أن حفيظ العلمي حاضر -وبقوة أيضا- في السوق الفرنسية، عن طريق العديد من الشركات، نذكر منها «BPO Insurance» ،«Call Insurance» و«Mobisud» وغيرها من الشركات. لم يقتصر الملياردير المغربي على تصفية شركة «فيرمابيد» الغامضة في 30 دجنبر 2008، بل إنه قام، بعد ذلك مباشرة، بإنشاء شركة بديلة في مملكة لكسومبورغ، في 4 فبراير 2009، والتي سبق أن أشار إليها بإيجاز في مذكرة إخبارية موجهة لبورصة الدارالبيضاء. لكنه أغفل، مرة أخرى، في هذه المذكرة أن يشير إلى أن هذه الشركة البديلة تم إنشاؤها بشراكة مع مجموعة «Saham»، التي يرأسها هو كشخص ذاتي وبشراكة غيتة لحلو اليعقوبي والمديرين العامين لشركة «إسعاف أسيستانس»، آلان ديميسي وأحمد التازي. وقد تمكن كل هؤلاء من إبرام عقد هذه الشراكة دون أن يتحملوا عناء السفر إلى لكسمبورغ، بطبيعة الحال بفضل توكيل أحد المختصين في هذا المجال، وهو كلاوس كريمنو، الذي وضع رهن إشارتهم مقر مكتبه الكائن ب82، طريق أرلون، لكي يكون مقرا مؤقتا لهذه الشركة، تحت اسم «الشركة العربية للاستثمار ش. م.». وقد اكتفى حفيظ العلمي بسهم واحد تبلغ قيمته 100 أورو، ونفس الحصة ساهمت بها كل من غيثة مولاتي وآلان ديميسي ومولاي مهدي التازي، في حين أن 306 أسهم المتبقية وزعت على البقية (مجموعة Saham). أما في ما يخص الاسم الذي تحمله هذه الشركة فليس هناك أي شك في أنه سوف يخلق نوعا من الارتباك لدى الرأي العام، بخلطه مع الشركة العربية للاستثمار، التي يوجد مقرها في الكويت. هل هذا الخلط متعمد أم لا؟ الأكيد هو أنه سيفتح «آفاقا» جديدة للتمويه... إمبراطورية مولاي حفيظ العلمي لا بد أن نلقي نظرة على هيكل مجموعة «saham»، المتشعبة، لنفهم بشكل أفضل تركيبتها. تسيطر مجموعة «saham» على مجموعة من الشركات، من خلال شركة «saham» الأم. عند الرجوع إلى السجل المركزي للتجارة في المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، نجد أن الرقم 137199 هو لشركة تحمل اسم «saham للتأمينات»، ويحيل نفس الرقم في السجل التجاري للمحكمة التجارية في الدارالبيضاء على شركة «saham المالية». وبهذا، يبقى السؤال المطروح هو: هل يتعلق الأمر بإغفال من جانب المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية؟ من الصعب تحديد ذلك! ومن أجل فهم العلاقة بين مجموعة «Saham» و«إسعاف مونديال»، لا بد من الرجوع قليلا إلى الوراء، وتحديدا إلى 2004، حين استحوذت «SAHAM» على أغلبية «إسعاف مونديال أسيستانس»، وهي فرع تابع ل«مونديال أسيستانس» –فرنسا، والتي تعتمد -بدورها- على مجموعة «AGF» المسيَّرة من طرف آلان ديميسي وأحمد مهدي التازي. في سنة 2009، انتهت مجموعة «AGF» بين أيدي شركة (أليانز Allianz SE) وهي شركة تأمين ألمانية قوية وتعد ثاني أكبر شركة في أوربا. ولا تفوتنا الفرصة لنشير إلى أن الرئيس السابق لشركة «مونديال أسيستانس»، آلان دميس، هو «مستشار» لدى حفيظ العلمي وشريكه في «الشركة العربية للاستثمار»، الكائن مقرها في لوكسومبرغ، بالإضافة إلى شركاء آخرين، وهم غيثة لحلو، أحمد التازي ومجموعة «saham»، التي تملك بالمناسبة 75 % من شركة «D.Z. أسيستانس» في الجزائر. ولا يعتبر مجال التأمين المجالَ الوحيد الذي تنشط فيه مجموعة «SAHAM»، بل تنشط كذلك في قطاع التكنولوجيات الجديدة للمعلوميات، فمجموعة حفيظ العلمي تسيطر -عن طريق «phone group»- على ما لا يقل عن 10 مراكز اتصال، 8 منها في المغرب و2 في فرنسا. وفي سنة 2000، وتحديدا في «با دوكالي» في فرنسا، كانت شركة «phone group»، تحت إمرة غيثة لحلو ودومينيك ديكاي ستيكر، الذي يملك 60 % من أسهمها، ويشار إلى أن هذا الأخير هو بدوره المدير العام لشركة «أرڤاتو سيرفيسز» (Arvato (Services. تعتبر الملاذات الضريبية أيضا سرا من أسرار «نجاح» الملياردير حفيظ العلمي، ففي سنة 2000، أنشأ شركة «رولوك هولدينغ» وجعل مقرها، لوقت غير محدد، في لكسمبورغ وتم حلها سنة 2008، لأسباب «مجهولة»، لنجدها تظهر، مرة أخرى وبنفس الاسم، لكن هذه المرة في ساحة المركز التجاري، ص. ب 71، «ألوفي»، عاصمة جزيرة نائية في المحيط الهادئ تدعى «نيوي»...
بعض تقنيات «غسل» الأموال التهرب الضريبي
يعتمد تبييض الأموال على إخفاء مصدر الأموال المكتسبة بطريقة غامضة، بغية «استثمارها» في أنشطة قانونية ومشروعة. ويمكن أن يكون مصدر هذه الأموال إما مضاربات غير مشروعة أو أنشطة المافيا أو الاتجار في المخدرات أو في الأسلحة ...إلخ. الإيداع (Placement ou Prélavage) يتمثل في نقل السيولة النقدية والعملات من مكان الحصول عليها إلى مؤسسات مالية في أماكن مختلفة عبر العالم وتقسيمها على مجموعات كثيرة من الحسابات البنكية، بهدف إدخال المال المتحصل عليه بطرق غير مشروعة في النظام المالي القانوني، بغاية التخلص من كمية النقد الكبيرة بين أيدي ملاكها، وذلك بنقلها وتحويلها إلى أشكال نقدية أو مالية مختلفة، كالشيكات السياحية والحوالات البريدية أو سندات الأسهم في البورصة وغيرها. الخلط (Empilage ou Brassage) يتمثل في نقل وتبادل المال «القذر» ضمن النظام المالي الذي أدخل فيه عبر تشعبات مالية صورية وعمليات تأسيس شركات وهمية في جزر الأوقيانوس، مثلا، أو في أماكن ذات امتيازات ضريبية وسرية عالية. وهذه المرحلة تجعل الوصول إلى مصدر الأموال غير المشروع شبه مستحيل، وذلك عبر مجموعة من التحويلات البنكية بين الحسابات، مع العلم أن كل حساب مقسم بدوره إلى حسابات فرعية. وتحتاج هذه العملية إلى برامج معلوماتية للتحويل أو إلى أسواق موازية أو مناطق حرة... الإدماج الممنهج (Intégration planifiée) يتمثل في عملية دمج المال نهائيا في أموال مشروعة لضمان «إخفاء» مصدرها، وهي المرحلة الأخيرة في عملية التبييض الممنهج للرساميل، حيث يتم توجيه الأموال المبيضة إلى حسابات بنكية مختارة، لتدمج في الدورة الاقتصادية وتكون قابلة للاستعمال بدون أي مخاوف.
قائمة غير حصرية بشركات مجموعة «ساهام»(SAHAM) نموها المتزايد يوضح كيف أن هذه الوحدات مسجلة أكثر من مرة
العالم قرية صغيرة في إعلان صغير منشور بالجريدة الرسمية لمملكة اللوكسومبورغ (نشرة الشركات والجمعيات) عدد 269 C بتاريخ 6 فبراير 2009، الصفحة 12902 و12903، نعثر على إعلان عادي بحل شركة مجهولة الاسم يطلق عليها فيبارميد للاستثمار Fiparmed Investissements S.A., Société Anonyme، مقرها الاجتماعي 1116 Luxembourg, 6, rue Adolphe. أما رقم سجلها التجاري فهو: B 73.555. المثير في هذا الخبر البسيط والعادي هو أن صاحب الشركة ليس شخصا آخر غير الملياردير المغربي مولاي حفيظ العلمي الساكن برقم 16 مدار شارع آنفا الدارالبيضاء المغرب. والمثير أكثر هو أن مولاي حفيظ العلمي أعطى توكيلا من أجل القيام بمهمة الحل النهائي للشركة لشخص اسمه جوفري هوبكنس Geoffrey HUPKENS بمقتضى توكيل سلم له ببرشلونة بتاريخ 14 نونبر 2008 الذي يصادف يوم جمعة. هكذا يصرح مولاي حفيظ العلمي رسميا أنه أصبح المالك لجميع أسهم شركة فيبارميد وبأنه قرر بذلك حلها. عندما تحدثت مجلة «بيس» عن شركات حفيظ العلمي الموجودة بالجنات الضريبية، وعن شبكاته العنكبوتية الممتدة بين المغرب وفرنسا واللوكسمبورغ وجزر الأقيانوس، كنا نعتقد أن السيد وزير العدل سوف يأمر بفتح تحقيق في الموضوع، فالحقيقة أن أخبارا مؤكدة ومعززة بالإثباتات الدامغة تؤكد تورط صاحبنا، حتى خلال فترة رئاسته لاتحاد المقاولات في عمليات مالية مشبوهة، تقتضي إما متابعة المجلة أو متابعة المعني بالأمر، أليس ما نقلته المجلة يدخل - على الأقل - في خانة التصريح بالاشتباه المنصوص عليها في قانون تبييض الأموال المغربي؟ والذي يحتم تدخل السلطات المختصة للتحقيق في تلك الشبهات؟ لقد ذكرت مجلة «بيس» أن حفيظ العلمي قام بتاريخ 6 فبراير 2009 بحل شركة ذات المسؤولية المحدودة التي كان يملكها باللوكسمبورغ تسمى فيبارميد Fiparmed Investissements S.A، و أن هذه الشركة قائمة منذ 10 يناير 2000، بمقتضى عقد شركة بين شركة رولوك هولدينغ RELOCK HOLDINGS INC الكائنة بصندوق البريد 71، رقم 2 شارع التجارة، بألوفي عاصمة نويي في جزر الأقيانوس من جهة، المالكة لمقدار 5999 سهما, وأحد المحاسبين بمملكة اللوكسمبوغ بقيمة سهم واحد. وبالرجوع إلى الجريدة الرسمية لمملكة اللوكسمبورغ سوف يظهر أن شركة فيبارميد, لمالكها حفيظ العلمي, كانت تسير من طرف مجموعة من المسيرين من بينهم دافيد سلامة وصيدوني ميراماند، كما سوف يظهر أن عنوان شركة رولوك «بجزيرة الكنز» بنويي, التي تعتبر أصغر دولة في العالم، تعود ملكيتها لمكتب دولي للمحاماة مقره الرئيسي بمضيق باناما هو مكتب موساك- فونسيكا المتخصص في تأسيس هذا النوع من الشركات بمناطق الأوف شور، والتي تسمى بالمحارات الفارغة coquilles vides، وهو مكتب مشبوه متمركز في مختلف الجنات الضريبية. وبالنسبة إلى دافيد سلامة وصيدوني ميراماند فهما شريكان في عدة شركات بسويسرا وباناما ونيفادا وغيرها، تمارس أغلبها تجارة الماس، والعمليات المالية والبنكية، وتعتمد على مكتب موساك- فونسيكا في توطين مقرات شركاتها لديها، مما يعني أن صاحبنا متورط حتى الأذنين في علاقة ثلاثية مع شبكات دولية لتجارة الماس في شخص دافيد سلامة ومن معه من جهة، ومع مكتب موساك فونسيكا المتخصص في عمليات التشبيك المافيوي عبر استضافة مقر شركة رولوك هولدينغ من جهة أخرى، مع ثبوت العلاقة بين شركات دافيد سلامة ومكتب موساك – فونسيكا من جهة ثالثة، خاصة عبر شركته «مغرب توزيع» Maroc Distrib LLC بولاية نيفادا الأمريكية. وإذا كان حفيظ العلمي قد قام بحل شركة فيبارميد باللوكسمبوغ التي كان يسيرها دافيد سلامة وصيدوني ميراماند في 6 فبراير2009، فإن شركة رولوك هولدينغ بجزيرة نويي, التي يستضيفها مكتب موساك فونسيكا لا تزال قائمة إلى حد الآن بدون حل، ومحسوبة قانونيا عليه. وقد سبق لجريدة لوموند الفرنسية أن أثارت دور مكتب موساك فونسيكا في تبييض الأموال عبر مكتبه بجزيرة نويي الأقيانوسية في مقال منشور بتاريخ 3 فبراير 2001 بواسطة الصحفي مارك روش تحت عنوان (الجنة الضريبية البولينيزية لجزيرة نويي تتعرض للحظر البنكي) ذكرت من خلاله أنه بناء على قرار بنك نيويورك في 30 يناير 2001 فإن الأبناك الأمريكية فرضت الحظر على نقل الأموال تجاه أصغر دولة في العالم والتي تقطنها 2103 نسمة بسبب تحولها إلى منطقة لتبييض الأموال القذرة بسبب المحامي يورغن موساك الذي وصفته الجريدة بغسال الأموال بواسطة خبراء مكتبه Mossack & Fonseca والذين سجلوا 6000 شركة في ألوفي، التي تعيش من عوائد تسجيل هذا النوع من الشركات، ويمثل مكتب Mossack & Fonseca ثمانين في المائة من تلك العائدات. كما ناقش البرلمان الفينزويلي، الذي تخضع له جزيرة نويي في إطار الحكم الذاتي، بمناسبة مناقشته لقانون تبييض الأموال ومحاربة تمويل الإرهاب، الدور المشبوه لهذا المكتب وعلاقته بكارتل المخدرات بأمريكا اللاتينية وبالمافيا الروسية، عندما صرح البرلمانيون من خلال محاضر جلسات البرلمان، أن مكتب فوساك فونسيكا يقوم فعلا بتبييض الأموال، ولكن خارج سيطرة ومراقبة الحكومة المحلية للجزيرة بنويي. وخلال شهر دجنبر 2010 في غمرة انشغال مولاي حفيظ العلمي بدخول البورصة وقرع أجراسها، ستنفجر فضيحة كبرى لتبييض الأموال بفرنسا، وإرشاء مسيرين كبار وغش في الصفقات العمومية وسلسلة من الجرائم المالية، وتم اعتقال أحد كبار رجال الأعمال بمرسيليا هو ألكسندر كيريني، الذي يستثمر في جمع ومعالجة النفايات والطاقة المتجددة، وسيطفو على السطح اسم مستثمر سويسري غامض هو دافيد سلامة (مسير «فيبارميد» شركة مولاي حفيظ العلمي المنحلة) الذي ورد اسمه خلال التحقيقات إلى جانب شريك له باسم دافيد زربيب، واللذين يبدو أنهما أسسا شركة تسمى Immo G باللوكسمبورغ، ورفضا الإدلاء بأي تصريح لجريدة لابروفانس الفرنسية التي أوردت الخبر تحت عنوان : «الشبكات الدولية لقضية ألكسندر كيريني». ومن المؤكد أن القضية ستكون لها تبعات وستكشف عن مزيد من التشابك والتداخل بين عدة عصابات منظمة. أما مكتب «موساك وفونسيكا» فسيرد ذكره مرة أخرى بمناسبة الحديث عن تجارة الماس القذرة بالكونغو الديمقراطية، وعن الحروب التي تمولها شركات الماس الصهيونية، من خلال التقرير الصادر عن منظمة أمنيستي الدولية بشأن انتقال الأسلحة تجاه الشرق بجمهورية الكونغو الديمقراطية وما صاحبه من فظاعات وخرق لحقوق الإنسان. حيث ذكر التقرير أن تجارة الماس، كعامل من عوامل الحرب هناك وكمغذ لها، محتكرة من طرف شركة إيماكسون Emaxon Finance Internationa التي يسيطر عليها تاجرا الماس الصهيونيين شائيم ليبوفيتز Chaim Leibovitz ودان كيرتلر Dan Gertler صاحب شركة Israeli Diamond Industries ويضيف التقرير أن إيماكسون تتوفر على عنوان بمونتريال بكندا، كما أنها مسجلة بباناما عند مكتب Mossack & Fonseca. كما سيرد ذكر مكتب موساك فونسيكا من خلال نشاطه بالزيمبابوي من خلال قرار سويسرا وموناكو وعدة دول أوربية التحفظ على أموال روبيرت موكابي ومن معه حيث سيطال المنع شركة Ridgepoint Overseas Developments Ltd لصاحبها بيلي روتنباخ Billy Rautenbach المسجلة بباناما عند مكتب موساك وفونسييكا».