لا يمكن لبعض المشاهد المؤلمة والمأساوية إلا أن تثير انتباه المارة من المواطنين بمدينة وجدة، العابرين للشوارع والطرقات والأزقة، وأن تحرك مشاعرهم وأحاسيسهم، خلال هذا الفصل الممطر والبارد، خاصة حينما تقع نظراتهم على ذلك الطفل الملقى على الرصيف تحت سقيفة مؤسسة، أو ذلك الكهل الملفوف في أوراق من الكارتون، أو تلك العجوز المتوسدة لرزمها المملوءة بكلّ شيء وأي شيء والتي تحملها أينما حلّت وارتحلت. «لا يمكن للمرء إلا أن يتأسف على هذه الأوضاع المؤلمة التي تلازم هذه الفئة من أبناء مجتمعنا، لكن الأشدّ إيلاما هو لامبالاة هذا المجتمع بهؤلاء المقصيين من كلّ شيء، وغياب المبادرة من المسؤولين، من سلطات محلية أو منتخبة، للتحرك لإنقاذهم والأخذ بأيديهم رغم وجود مؤسسات اجتماعية لإيوائهم والاهتمام بهم وتتبع معيشتهم...»، يصرح الحسين م. أحد الأساتذة الباحثين بجامعة محمد الأول بوجدة. تضاعف عدد هؤلاء المتشردين من جميع الفئات العمرية ومنهم النساء العجائز، التحق بهم عدد من المختلين عقليا بعد تسريحهم نظرا لخضوع مستشفى الرازي للأمراض العقلية للإصلاح، حيث أصبحوا يتخذون من عتبات المنازل ومداخل القيساريات وسقيفات العمارات وأركان الأسواق وحتى المقابر ملاجئ لهم يحتمون فيها من لسعات البرد القارس وزخّات المطر بوجدة، التي تعرف انخفاض درجات الحرارة قد يصل إلى الصفر.. منهم من يحمل فراشه أو نوعا من الأثاث فوق ظهره كالحلزون، ويتنقل من جهة إلى أخرى بعد أن يتم طرده من طرف بعض مسؤولي المؤسسات العمومية أو الخاصة التي يشوه مدخلها ويثير تقزز الوافدين عليها، ومنهم من يجرّ أمتعته على الأرض بحيث يكنس بها الأوساخ المتناثرة هنا وهناك تاركا وراءه آثار الجرّ لمن أراد أن يقتفي آثاره ويتعرف على مكانه الجديد، ومنهم امرأة عجوز متقدمة في السّنّ تتوفر على عربة أطفال لم يبق منها إلا قاعدة على العجلات محملة بأشياء من حاجيات المشردة، ومنهم من لا يجد ما يأكل ويقتات من حاويات الأزبال. يبلغ عدد الأشخاص الذين يعيشون أقصى حالات التهميش أكثر من 10 آلاف شخص، وقد يتضاعف العدد إذا تم إحصاء المتواجدين بالأكواخ والبيوت الصفيحية ببعض جهات المدينة التي تعتبر خارج التغطية، ويمكن أن تنضاف إلى كل هذا الأعداد الكبيرة من الأفارقة المرشحين للهجرة السرية، سواء أولائك المستقرين بهوامش المدينة أو العابرين لها. قامت مصالح عمالة وجدة/أنجاد، منذ أربع سنوات، بإحصاء هؤلاء الأشخاص الذين يعيشون أقصى حالات التهميش و يعيشون واقعا مُرٍّا وحياة غير كريمة، قصد إيجاد حلول لهم في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية للتخفيف من معاناة هذه الفئات التي تعاني التهميش والتكفل بالأشخاص في وضعية صعبة، همّت عملية أطفال الشوارع والأطفال المتخلى عنهم والنساء في وضعية صعبة والأشخاص المسنين والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والمعتوهين.