إلى أية درجة تعتقد أن مطالب الإصلاح، التي نادت بها «حركة 20 فبراير»، أحرجت الأحزاب السياسية؟ - في البداية ينبغي التأكيد على أن الهيئات الحزبية قبل تنظيم المسيرات، راهنت على فشلها وتجلى هذا البعد الأول في الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته هذه الهيئات الحزبية بإعطائها انطباعا بتصغير عمل الشباب وعدم قدرتهم على التأطير.هذه النظرة الدونية للشباب اعتمدت فيها الأحزاب على أن الشباب بحاجة إلى التأطير وليس في موقع يستطيع منه تأطير مثل هذه المسيرات. وعلى العكس فكما تتبع الجميع فإن هذه المسيرات كانت مؤطرة بشكل عادي، خارج استثناءات أعمال الشغب التي قام بها بعض الخارجين عن القانون. وهذا أمر يتواجد في أي تنظيم وطني؛ فحتى الإضرابات التي كانت قد دعت إليها الكنفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين عرفت أحداث تخريب وقتها بالرغم من أنهما تنظيمان معروفان بالتأطير الجيد. لكن هذه المسيرات أعتقد أنها نجحت بشكل عكسي، حيث قامت بتقزيم وتصغير الأحزاب السياسية المغربية؛ فالقيادات الحزبية كانت في واد والمناضلون، الذين شاركوا في المسيرة ، كانوا في واد آخر، فأصبحت هذه الأحزاب في مفترق الطرق، على اعتبار إشكالية شرعية هذه القيادات، حيث تحدى المناضلون قراراتهم ونزلوا للمشاركة في المسيرة. اعتقد بأن الأحزاب تخلت عن دورها الدستوري، لأنها لم تؤطر المسيرة، هذه الأخيرة وضعتها ليس فقط في خانة الجمود وإنما وضعتها خارج الحسابات السياسية المغربية. هل تعتقد أن الأحزاب السياسية تحاول الركوب على احتجاجات «حركة 20 فبراير»، واستغلالها لخدمة أجندتها؟ - فعلا، وهذا اتضح فيما بعد؛ فبعض الأحزاب التي نادت بمقاطعة المسيرة في البداية، حاولت الركوب على النتائج الشعبية، وهذا ما يجعل صورة الأحزاب تهتز من منطلق مسألة الانتهازية السياسية. كما أشير إلى حزب العدالة والتنمية، حيث تحدث الكل عن صفقة جامع معتصم بعدما تراجع الحزب عن دعم المسيرة، وارتكبت أمور غير قانونية فمعتصم تم تعيينه بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالرغم من أنه متابع في حالة سراح مؤقت. أعتقد أن المسيرة استطاعت أن تحقق لدى المواطن ما لم تستطع أن تحققه الأحزاب، مع بعض الاستثناءات، حيث دعم حزبا اليسار الاشتراكي الموحد والنهج الديمقراطي المسيرة منذ البداية. هل تعتقد أن الأحزاب السياسية المغربية أصبحت عاجزة عن إنتاج خطاب إصلاحي؟ - نعم، في واقع الأمر المسيرة كانت النقطة التي أفاضت الكأس والقشة التي قصمت ظهر البعير، فالأحزاب كانت تنهج سياسة الكيل بمكيالين وكانت تتلاءم مع الوضع السائد فقد فقدت مصداقيتها بعد المسيرة وأصبحت فاقدة للشرعية، وهي مقبلة على رهان 2012، وهذا ما يكرس أزمة خطيرة في المغرب. فشكيب بنموسى فشل في انتخابات 2007، التي كانت الأضعف، حيث لم تقم الأحزاب بدورها في التأطير بسبب الحس المبني على انعدام الثقة. وحاليا تراجعت الثقة بالأحزاب وتراجعت الثقة حتى في مؤسسات الدولة، لأن شكيب بنموسى ارتكب خطأين، الأول في تأمين انتخابات في مستوى التطلعات، والثاني في تدويل قضية أمينتو حيدر، فأصبح المواطن يجد نفسه في المسيرات مهما كانت الأسباب. في نظرك ما هو أثر هذه الاحتجاجات على الحياة السياسية بالمغرب، ومدى تبني هذه الأحزاب للخطاب الإصلاحي؟ - بطبيعة الحال التأثير كان واضحا من خلال الحضور القوي للمشاركين وإن اختلفت النسب حسب المناطق، كما أن الحضور القوي كان من خلال الشعارات التي رفعت وعلى المستوى الجغرافي، وقد عكست مسألة أساسية لأن هذه المسيرات قفزت على كل المؤسسات التي كانت تلعب دور الوسيط لتبليغ معاناتها، وهي الأحزاب ومؤسسات الدولة، حيث وجهت رسالة واضحة إلى المؤسسة الملكية حول المطالب الحقيقية للمواطن، خاصة بعدما دخلت الأحزاب مرحلة اللامبالاة السياسية، التي سبق ونددت بها، لأنها تضر بالأدوات التي يقوم عليها النظام بشكل عام، إضافة إلى الأزمة المالية التي أثرت على الطبقة الوسطى، فلم تعد هناك وسائط قوية تربط القاعدة والقمة. هذه الطبقة التي حاول الحسن الثاني خلقها بشكل قوي أصبحت تندثر في مجتمع طبقي، أقلية فيه تحصل على امتيازات، في حين أن عموم الشعب يعانون مع الهموم اليومية؛ وهو الأمر الذي ساهم في فقدان الثقة، وخلق نوعا من الشرود الذهني. أعتقد أن عدم التسريع بالإصلاحات سيوقع المغرب في أمور غير صحية وسليمة، وبالتالي اللحظة القوية تفرض اليوم من منطلق التحولات تسريع إدخال إصلاحات جوهرية من منطلقين أساسيين هما إرجاع الثقة في مؤسسات الدولة، أي المساواة داخل الوطن وتكافؤ الفرص في تقلد المناصب، والإحساس بأن سيادة القانون هي الأساس والكل يخضع لهذا القانون. إلى أي درجة تعتقد أن هذه المطالب والحركات الاحتجاجية قد تغير نمط الاقتراع بالمغرب ؟ - بطبيعة الحال عندما نطالب بإدخال إصلاحات سياسية ودستورية فهي تحمل مجمل ما يمكن أن يتحدث عنه المرء على مستوى المشهد السياسي، فالعملية الانتخابية يجب أن تتغير. شخصيا سبق وانتقدت في مقال سابق ضوابط ومعايير الترشح بالبرلمان، فإذا بوزير الداخلية آنذاك شكيب بنموسى يقول بأن مسألة الشواهد تم حسمها في سنة 2002. لكني أشدد على أن الانتقال الديمقراطي لا يتوقف عند سنة معينة، فالمجتمع يتطور ومؤشرات هذا التطور تقاس بتطور علمائه ومنظريه.