ينتظر أن يقدم كل من المغرب وإسبانيا مشروع حفر نفق تحت مضيق جبل طارق للربط بين القارتين الإفريقية والأوربية إلى اللجنة الأوربية المغربية في شهر أكتوبر المقبل، كما أعلن عن ذلك ميغال موراتينوس وزير الشؤون الخارجية الإسباني، الذي أوضح أن دراسات الجدوى المتعلقة بمشروع النفق سوف تُعرض من قبل البلدين على الاتحاد الأوربي بعد شهرين على الأكثر. ويوضح الخبير الاقتصادي محمد نجيب بوليف أنه إلى حد الآن لم يتم تحديد الجهات التي ستتكلف بالتمويل، وأن المغرب أرسل إشارات أعلن فيها عن رغبته في إدخال الاتحاد الأوربي كشريك إلى جانب الطرف الاسباني، فيما ترجح مصادر أخرى أنه قد يتم الإعلان عن شركة مساهمة بعد المؤشرات الإيجابية التي أبانت عنها نية الصين فتح جسر بحري يبلغ طوله 20 كيلومترا يربط السودان بآسيا. وتعود فكرة مشروع ربط المغرب بإسبانيا إلى الثمانينات عندما وقّع البلدان اتفاقيتين في عامي 1980 و1989، انطلقت بعدها عدة دراسات من أجل وضع تصور تقني لتشييد جسر أو نفق يربط البلدين، لكن سرعان ما عرفت فتورا نظرا للخلافات التي عرفتها العلاقات بين المملكتين في السابق. وتتم الدراسات الخاصة بالربط القاري، عبر مضيق جبل طارق، تحت إشراف الحكومتين المغربية والإسبانية، ممثلتين على مستوى هيئة مشتركة تسمى «اللجنة المختلطة المغربية الإسبانية المكلفة بدراسة جدوى ربط قار بين أوربا وإفريقيا عبر مضيق جبل طارق». وتعتبر هذه اللجنة المختلطة الهيئة المسيرة للمشروع، بحيث تقوم بالإشراف والتنسيق بين مختلف أنشطة وأعمال الشركة الوطنية لدراسات المضيق بالمغرب، والشركة الإسبانية لدراسات المواصلات عبر مضيق جبل طارق بإسبانيا، المسؤولتين عن الدراسات، واللتين أنشئتا خصيصا لهذا الغرض، على إثر اتفاقية 24 أكتوبر 1980. ويقوم بترؤس هذه اللجنة رئيسان، الأول من الجانب المغربي، والثاني من الجانب الإسباني، وتتكون بالتساوي من موظفين سامين مغاربة وإسبان، يمثلون المصالح المعنية (التجهيز والنقل، المالية، الشؤون الخارجية) وتجتمع اللجنة المختلطة على الأقل مرة كل ستة أشهر بالتناوب بين المغرب وإسبانيا. وقد عقدت اللجنة المختلطة، منذ نشأتها، 40 اجتماعا في المغرب وإسبانيا، تم الأخير في يناير 2008. وتقدم الشركتان المغربية والإسبانية خلال كل اجتماع تقريرا عن أنشطتهما، بحيث تسلطان الأضواء على تقدم الدراسات المبرمجة بين اجتماعين، وعند الاقتضاء، تقديم برنامج عمل قصد الإنجاز لمدة معينة. ومنذ سنة 1995، اختارت اللجنة المشتركة للربط القاري اعتماد آلية النفق الحديدي في مشروع الربط بين المغرب وإسبانيا، بعد أن كان الخيار مطروحا بين النفق والجسر المعلق، حيث تم استبعاد خيار الجسر المعلق لأسباب عزتها «الشركة الوطنية لدراسة مضيق جبل طارق» إلى مخاوف من حدوث أي تداخل مع الملاحة البحرية وأخطار اصطدام السيارات. وعاد المشروع إلى الواجهة مجددا في يوليوز 2007 بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها خوسي لويس زاباتيرو رئيس الحكومة الإسبانية للمغرب حيث كان المشروع من بين النقاط التي تباحث فيها مع العاهل المغربي محمد السادس. وتشير النتائج الأولية إلى آخر دراسة تم إنجازها إلى أن بناء النفق سيكون مليئا بالتحديات، وفي هذا الإطار صرح أنجيل أباريسيو الذي يترأس الهيئة الحكومية الإسبانية المكلفة بالنفق بأن «مواد البناء هنا ليست مركزة بما يكفي للسماح بعملية الحفر الأولي». وأوضح قائلا إنها «متكونة من الطين والأحجار ولذا فهي ليست مركزة كباقي المواقع. وبما أن لدينا الكثير من الماء فهناك درجة ضغط عالية ولسنا على يقين من أننا سنستطيع المضي قدما في حفر النفق». وينتظر أن تنقل القطارات التي ستعبر النفق ركابا وبضائع بين طنجة في المغرب ومدينة ساحلية إسبانية على مسافة طولها 37.7 كلم منها 27.2 تحت المياه. تتمثل صيغة النفق التي وقع الاختيار عليها لإنجاز المشروع، في تشييد منشأة تتكون من ثلاثة أنفاق، يتم حفرها تحت عتبة المضيق، بهدف إقامة ربط بين شبكتي السكك الحديدية في كل من المغرب وإسبانيا، وذلك تسهيلا لعبور قطارات المسافرين والبضائع ونقل السيارات والشاحنات على متن عربات مكوكية بين محطتين نهائيتين توجد إحداهما بطريفة والأخرى في طنجة. وتتضمن هذه الصيغة إحداث نظام للنقل يشبه نظيره المعمول به في نفق المانش والذي يمثل سابقة هامة من حيث الإنجاز والتمويل، يمكن الاستئناس بها لإنجاز مشروع نفق مضيق جبل طارق. وارتكز برنامج الدراسات في سنة 1996 على تنمية حل النفق من الوجهة التقنية والاقتصادية، على مستوى المشروع التمهيدي الأولي، اعتمادا على المعطيات المتوفرة في تلك الفترة، خصوصا الجيولوجية والجيوتقنية، واستشراف الرواج. وأكدت هذه الصيغة نتائج مرضية في ما يخص الجدوى التقنية والاقتصادية والمالية، إذا ما تم رفع بعض التحفظات المرتطبة، خصوصا، بالفرضيات الجيولوجية وتعزيز توقعات حركة الرواج، وهما حاليا موضع تحيين. وتتلخص الخاصيات الرئيسية لمشروع النفق الحديدي، المشار إليها في الملحق كما يلي: أ – الطول: تبلغ المسافة الفاصلة بين المحطتين النهائيتين 42 كلم، ويبلغ الطول الإجمالي للنفق 37.7 كلم، وطول جزء النفق الواقع تحت قعر البحر 27.7 كلم. ب – المقطع الطولي: يمر المقطع المقترح في البداية (ممر Bo) بعمق 400م تحت مستوى البحر بالنقطة الأكثر عمقا، مما ينتج عنه غطاء أرضي تحت بحري بارتفاع 100م افترض في البداية أنه مكون من الحثيث. وقد تم التخلي عن هذا المقطع بالنظر إلى نتائج الجولة الأولى للتنقيب في البحر (BECENTAUR 97) التي أكدت وجود تكوينات رملية على مستوى عمق ال100م الأولى، وركام من الصلصال ابتداء من عمق 120م. تم تصور ودراسة مقطعين، أطلق عليهما B1 وB2 (يرميان إلى تحديد المقطع الطولي على التوالي في عمق 500م و600م بالنسبة إلى مستوى البحر مع إبقاء مدخلي النفق في مكانهما ورفع درجة الانحدار). ويتوخى من وراء المقطعين الجديدين الابتعاد عن عبور النفق للصلصال وخصوصا الرمال. إلا أن الجولة الثانية للتنقيب في البحر (نورسكالد 98 – 99) ثم الجولة الثالثة (كينك فيشر) أبانتا عن وجود ركام من الصلصال على عمق 325م، مما أد إلى اقتراح مقطع جديد أطلق عليه P يوجد حاليا في طور الدراسة، يمر بركام الصلصال ويتجنب الرمال. ج – المقطع العرضي: يشمل المقطع العرضي نفقين على شكل دائري للسكة الحديدية في نفس الاتجاه، قطر كل واحد منهما 7.5 م، ونفق للخدمة قطره 4.80م يتوسط النفقين السابقين، ويتصل بهما بواسطة سردابين جانبيين للربط يبعدان عن بعضهما بمسافة 340 م. د – الربط بالشبكة الطرقية الحديدية: إن ظروف ربط النفق بشبكات النقل الشمالية والجنوبية ليست متشابهة، وهكذا، يقع منفذ النفق بالجهة الجنوبية بجوار شبكتي النقل الطرقي والحديدي لمدينة طنجة، بينما منفذ النفق من الجهة الشمالية يوجد بعيدا عن أي مركز مهم لشبكة النقل، مما سيدفع إلى خلق منشآت للربط بالسكة الحديدية كما هو مبين في الشكل «منشآت الربط». مراحل إنجاز النفق تتوخى من تصور هذه المراحل، إمكانية إشراك القطاع الخاص في إنجاز المشروع. أ – مرحلة الصفر: تتجلى في حفر الشطر تحت البحري من نفق الخدمة، وهو عبارة عن نفق للاستكشاف، وتعتبر هذه المرحلة ضرورية من الناحية التقنية. ب – المرحلة الأولى: ستعرف هذه المرحلة إنجاز النفق الحديدي الأول، والمحطتين النهائيتين، وإنهاء الجزءين البريين لنفق الخدمة، والبدء في تشغيل النفق. ج – المرحلة الثانية: بناء النفق الثاني على المدى البعيد، وتوسيع المحطتين النهائيتين حسب وتيرة حركة الرواج. ويجب التذكير بأن الإنجاز التدريجي عبر مراحل للمشروع يعتبر أحد أهم الأسباب التي حملت اللجنة المختلطة على انتقاء النفق كاختيار أساسي. وبالفعل، فإن هذا الاختيار، يتماشى واستراتيجية دراسة المشروع التي تتمثل في البدء في تنفيذ أشغال نفق الخدمة، حتى يتسنى تحديد جميع المتغيرات الجيولوجية والجيو تقنية قبل انطلاق أشغال النفق الرئيسي، وكذلك استشعار وتيرة حركة الرواج على المدى الطويل، نظرا إلى الزمن الذي يفصل النفق الأول عن إنجاز النفق الثاني، والذي يناهز أكثر من 30 سنة. وسيسمح هذا الإنجاز على مراحل، من تخفيض مهم جدا للأخطار المصاحبة للمشروع، وبالتالي تسهيل مساهمة القطاع الخاص في تمويله إنجازه واستغلاله. الخاصيات الوظيفية للنفق أ – السرعة القصوى داخل النفق: 120 كلم في الساعة بالنسبة إلى العربات والقطارات العادية، مع إمكانية رفعها أكثر بالنسبة إلى قطارات المسافرين. ب – مدة العبور بين المحطتين النهائيتين: تستغرق 30 دقيقة، منها 25 دقيقة في النفق (المرحلة الأولى)، وتقدر مدة الانتظار القصوى قبل الشحن بساعة و30 دقيقة. د – سعة الاستيعاب السنوية (المرحلة الأولى): تقدر هذه السعة في المرحلة الأولى ب1.580.000 سيارة عادية، و460.000 شاحنة. كما يقدر عدد المسافرين بالسيارات ب4.7 مليون مسافر، والمسافرون على متن القطار ب11.2 مليون مسافر. ملخص الدراسات اهتم مسلسل الدراسات في البداية، بجمع المعلومات الأسا سية، تم على أساسها إنجاز الدراسات المتعلقة بالجوانب التالية: الوسط الفيزيائي، الدراسات التقنية، الوسط الاقتصادي والاجتماعي ، والدراسات القا نونية . وتم اقتراح عدة حلول تقنية للعبور، بعضها مستجد ، تمت تنميتها بإنجاز مجموعة من الأبحاث والدراسات ومقارنتها عن طريق التحليل المتعدد المعايير. بعد هذه المرحلة ، توصلت هذه الدراسات سنة 1996 إلى صياغة خيار النفق كحل أساسي للمشروع، يماثل في هندسته نفق المانش ، ويقدم نتائج مشجعة لجدوى المشروع . وتجدر الإشارة هنا إلى التشابه الجيولوجي التام للطبقات المكونة من حثيث على ضفتي المضيق . وكذلك الطبقة التحتية للمنطقة العائمة. وتتضمن الصياغة - التي تم اختيارها على أساس المعلومات المتوفرة آنذاك- بعض التحفظات التي همت بالخصوص تأكيد بعض الفرضيات الجيولوجية للطبقات الأرضية المغمورة بالمياه، عن طريق استعمال وسائل للتنقيب في البحر التي تعد جد مكلفة، والتي يجب أن يتم إنجازها وفق آفاق معقولة للجدوى العامة. ولهذا انكبت الدراسة ابتداء من 1996، على طرح التساؤلات الجيولوجية القائمة للإجابة عنها، مما سيؤدي إلى تحيين الدراسات التقنية والاقتصادية للمشروع، مع الأخذ بعين الاعتبار استشراف الرواج، وتكلفة البناء. بعد محاولة أولى غير مجدية، استمر مسلسل التنقيب في البحر بواسطة أسبار عميقة، وذلك بإنجاز جولة بحرية سنة 1997 أطلق عليها اسم «BECENTAUR 97». ومكنت هذه الجولة من تحقيق نتائج استثنائية غير منتظرة في هذا الصدد، حيث أبانت عن وجود تكوينات جيولوجية من العصر الرابع وسط عتبة المضيق، قابلة نسبيا لنفوذ المياه، قد يمكنها أن تعرقل أشغال إنجاز النفق ، وبالتالي وجب تحديد محيطها وسمكها . وأنجزت فيما بعد جولتان بحريتان أطلق على الأولى اسم «نورسكاد 98»، وعلى الثانية «كينك فيشر 2005»، وأكدت نتائجهما أن هناك إمكانات إيجابية لتكييف إنجاز النفق مع الظروف الجيولوجية للتكوينات الجديدة، وذلك بتحديد المقطع الطولي على عمق أكثر من عمق ذلك الذي تم اختياره سابقا تفاديا لعبور هذه المكونات بواسطة النفق . إلى حصر عمقها 120 م تحت قعر البحر أو 400 م تحت مستوى البحر. (خارج هذه الحدود لم يتم العثور على الرمال خلال التنقيبات المنجزة أخيرا) . وستختتم المرحلة الراهنة في أفق 2008-2007، بدراسة تقويمية شاملة، ترتكز على نتائج الدراسات الجارية حاليا، خصوصا منها تلك المتعلقة بتحيين الجانب التقني للمنشأة، واستشراف الرواج، وتحديد الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمنشأة، ودراسة الجوانب القانونية، وذلك قصد الشروع في إنجا ز الجزء البحري لنفق الاستكشاف في أفق 2008 ، طبقا لتوجيهات الحكومتين المغربية والإسبانية. وقد عرضت نتائج الدراسات وآفاق تطورها، على أنظا ر صاحبي الجلالة محمد السادس ملك المغرب وخوان كارلوس عاهل إسبانيا، اللذين أبديا اهتماما خاصا بالمشروع، وأعطيا ديناميكية جديدة لمواصلة الدراسات.