بعد ساعات قليلة على خطاب وصف بالكارثي، أنحى فيه القذافي باللائمة في الاضطرابات التي عمت ربوع ليبيا على الشبان واصفا المحتجين بكونهم جرذانا ومرتزقة يريدون تحويل ليبيا إلى دولة إسلامية، أدان مجلس الأمن الدولي استخدام العنف في ليبيا ودعا إلى "الوقف الفوري" لأعمال العنف ومحاسبة المسؤولين عن الهجمات على المدنيين فيها. وعبر المجلس عن قلقه العميق إزاء تطورات الأوضاع في ليبيا، في بيان أصدره المجلس بإجماع الدول ال15 الأعضاء في ختام مناقشات الاجتماع الطارئ لتطورات الأوضاع في ليبيا. وقالت ماريا لويزا ريبيرو فيوتي، سفيرة البرازيل ورئيسة مجلس الأمن لهذا الشهر، إن أعضاء مجلس الأمن الدولي "أدانوا العنف واستعمال القوة ضد مدنيين، ونددوا بالقمع ضد متظاهرين مسالمين، وأعربوا عن أسفهم العميق على مقتل مئات المدنيين". ودعا البيان الحكومة الليبية إلى "تحمل مسؤولياتها لحماية الشعب" و"اتخاذ إجراءات تأخذ في الاعتبار المطالب المشروعة للشعب". كما طالب السلطات الليبية بالتحرك "مع ضبط النفس واحترام حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي"، مع التأكيد على "ضرورة أن تحترم الحكومة الليبية حرية الاجتماع السلمي وحرية التعبير، بما في ذلك حرية الصحافة". ووصف السفير البريطاني، مارك ليال جرانت، البيان بكونه "قويا جدا" ويؤشر على أن ثمة إجراءات إضافية قد تتخذ في الأيام القادمة. ومن ناحيتها، قالت مساعدة سفيرة الولاياتالمتحدة لدى الأممالمتحدة روزماري ديكارلو: "اليوم، قالت الأسرة الدولية بصوت واضح وموحد إنها تدين العنف ضد المدنيين في ليبيا، وإن العنف يجب أن يتوقف فورا". وقال سفير ألمانيا، بيتر ويتيغ، قبل بدء اجتماع مجلس الأمن، إن قمع المتظاهرين "هو فعلا مقلق"، مضيفا: "لهذا السبب، نعتقد أن مسؤولية مجلس الأمن عقد اجتماع". ساركوزي يعلق العلاقات مع ليبيا ودعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الاتحاد الأوربي، يوم أمس الأربعاء، إلى الإسراع بفرض عقوبات اقتصادية "ملموسة" ضد المسؤولين عن القمع في ليبيا. وقال ساركوزي، في بيان عقب اجتماع أسبوعي مع حكومته: "أطلب من وزير الخارجية أن يقترح على شركائنا الأوربيين تبني فرض عقوبات سريعة وملموسة حتى يعلم جميع المتورطين في أعمال العنف بأنه ستكون عليهم مواجهة تبعات أفعالهم"، وأضاف قائلا: "أود تعليق العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية مع ليبيا إلى إشعار آخر". وكان المستشار الدبلوماسي للرئيس الفرنسي قال، في وقت سابق، إنه ينبغي على الدول الأوربية أن تبحث فرض عقوبات على ليبيا. وقال ساركوزي إن العقوبات المحتملة تشمل تقديم المتورطين إلى العدالة ومنعهم من السفر إلى الاتحاد الأوربي ومراقبة معاملاتهم المالية. وقد علقت شركة "توتال" النفطية الفرنسية جانبا من إنتاجها في ليبيا. خطاب كارثي وهدد الزعيم الليبي معمر القذافي، أول أمس الثلاثاء، المتظاهرين، الذين يطالبون بتنحيته والذين سيطروا على عدد من مدن البلاد، برد ساحق شبيه بقصف البرلمان في روسيا أثناء وجود النواب بداخله وسحق الصين حركة "تيان انمين" في بكين والقصف الأمريكي للفلوجة في العراق. وقال إنه لن يتنحى عن السلطة رغم الاحتجاجات واسعة النطاق المناهضة لحكمه. وأضاف، متحدثا في التلفزيون الليبي، أنه لن يغادر ليبيا بل سيموت فيها شهيدا. وفي خطاب اتسم بلغة التهديد والوعيد، أنحى القذافي باللائمة في الاضطرابات على الشبان ووصف المحتجين بكونهم جرذانا ومرتزقة ويريدون تحويل ليبيا إلى دولة إسلامية. ودعا الناس إلى الخروج إلى الشوارع، أمس الأربعاء، للتعبير عن تأييدهم له. وقال إن المحتجين يستحقون الإعدام وفقا للقانون الليبي، وإنهم يريدون تحويل ليبيا إلى دولة إسلامية.. "أفغانستان جديدة". وأضاف أنهم عصابات وجرذان ومرتزقة لا يمثلون الشعب الليبي. وأعلن أنه ليس رئيسا ولا يحتل أي منصب لكي يستقيل وإنما هو قائد ثورة ومناضل، مؤكدا أنه باقٍ في بلده حتى استشهاده. وأعلن أنه أعطى أوامره إلى "الضباط الأحرار للقضاء على الجرذان"، في إشارة إلى المتمردين الذين سيطروا على عدد من المدن الليبية. واتهم القذافي وسائل إعلام عربية بالإسهام في تأجيج الاحتجاجات التي شهدتها مدن ليبية خلال الأيام الماضية. وبعد خطابه، تدفق مؤيدوه إلى الساحة الخضراء في العاصمة طرابلس للتعبير عن ولائهم له، بناء على دعوته إياهم في خطابه إلى الخروج إلى الشوارع لإظهار رفضهم للتظاهرات المطالبة بتغيير النظام. "حمام الدم" من جانب آخر، طالب نائب المندوب الدائم لليبيا في الأممالمتحدة، إبراهيم الدباشي، في مؤتمر صحفي عقده في نيويورك، بالقيام بعمل فوري إزاء عمليات العنف ضد المدنيين في ليبيا، محذرا من أن فرقا أمنية شرعت في الهجوم على المحتجين في مناطق غرب ليبيا. وأضاف للصحافيين بعد انتهاء اجتماع مجلس الأمن: "الناس غير مسلحين، وأعتقد أن إبادة بدأت الآن في ليبيا"، مؤكدا أن النظام الليبي يستخدم مرتزقة أجانب لقمع شعبه. وأجمل متحدث باسم وزارة الداخلية الليبية، لأول مرة، الحصيلة الرسمية لضحايا أحداث العنف التي رافقت الاحتجاجات في ليبيا في 300 قتيل، بينهم 189 مدنيا و111 عسكريا. وأوضح أن معظم الضحايا سقطوا في بنغازي (104 مدنيين و10 عسكريين)، ثاني مدن البلاد التي تبعد ألف كلم شرق طرابلس والتي انطلقت منها حركات الاحتجاج، والبيضاء (18 مدنيا و63 عسكريا) ودرنة (29 قتيلا مدنيا و36 عسكريا). وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد قدمت أرقاما أكبر من ذلك بكثير للضحايا المدنيين، إذ تحدثت عن سقوط أكثر من 223 قتيلا من المدنيين في الأيام الأولى للاحتجاجات. ونقلت عن اثنين من المستشفيات الليبية، بعد ظهر الثلاثاء، أن عمليات القمع أوقعت "ما لا يقل عن 62" قتيلا في طرابلس منذ يوم الأحد الماضي. وفي طرابلس، قال رئيس مؤتمر الشعب العام الليبي (الذي يماثل البرلمان في بلدان أخرى)، محمد بلقاسم الزوي، إن "الهدوء عاد إلى معظم المدن الكبرى واستعادت قوات الأمن والجيش مواقعها". وأشار إلى مواصلة العمل لتنفيذ الإصلاحات التي تحدث عنها سيف الإسلام القذافي، والمتمثلة في قانون الصحافة وقانون المحاكمات وتنظيم المجتمع المدني ووضع دستور دائم لليبيا، بيد أنه استدرك أن "الظروف الراهنة لا تسمح بعقد اجتماع لمؤتمر الشعب العام الليبي لمناقشة الإصلاحات"، كما أن وضع الدستور يتطلب مشاورات قانونية واسعة. وشدد الزوي على تشكيل لجنة للتحقيق حول أعمال العنف التي رافقت التظاهرات ضد النظام والتي أعلن عنها نجل الزعيم الليبي يوم الاثنين الماضي، في الوقت الذي أعلن فيه وزير الداخلية الليبي، اللواء الركن عبد الفتاح يونس العبيدي، استقالته وانضمامه إلى ما أسماه "ثورة ال17 فبراير" في ليبيا، في بيان مسجل في شريط فيديو بثته قنوات فضائية. وقال العبيدي في التسجيل المصور: "أعلن، أنا اللواء ركن عبد الفتاح يونس، أني تخليت عن جميع مناصبي استجابة لثورة 17 فبراير، وذلك لقناعتي التامة بصدق مطالبها العادلة". وكان القذافي ذكر، في خطابه الذي ألقاه أول أمس الثلاثاء، أن العبيدي يقف إلى جانبه، وأنه تعرض لإطلاق النار في مدينة بنغازي التي انطلقت منها حركة الاحتجاج وأن مصيره مجهول. وكان وزير العدل الليبي مصطفى عبد الجليل استقال يوم الاثنين الماضي احتجاجا على استخدام القوة ضد المتظاهرين. كما أعلن عدد من الدبلوماسيين الليبيين في الخارج استقالاتهم والانضمام إلى الشعب، وكان آخر المستقيلين السفير الليبي في أندونيسيا صلاح الدين البيشاري. حصار أمني وأكد شهود عيان أن العاصمة الليبية تخضع لحصار أمني محكم من جانب ميليشيات أمنية لمنع وصول محتجين من مدن أخرى تحركوا لدعم المتظاهرين المطالبين بإسقاط القذافي. وفي سبراطه، الواقعة على بعد 80 كيلومترا غرب العاصمة، انتشر عدد كبير من الجنود بعد أن حطم محتجون مركز القوات الأمنية حسبما أوردته صحيفة "قورنيا" الليبية. ونقلت وكالة "رويترز" عن شهود عيان في مدينة البيضاء، الواقعة في المنطقة الشرقية، أن 26 شخصا قد قتلوا خلال الليل برصاص مؤيدين للقذافي. وأفاد موفد ال"بي بي سي" جون لاين، الذي كان من أوائل الصحفيين الذين دخلوا إلى المنطقة الشرقية من ليبيا، بأنها بدت تحت سيطرة المعارضة كليا، وأن احتفالات قد عمت المنطقة، كما انضم العديد من عناصر الشرطة والجيش إلى صفوف المعارضة. وقال سكان المنطقة إن الحكومة انهارت منذ يوم الخميس بعد خروج أول الاحتجاجات، وإنهم يعتقدون أن من يدعمون القذافي الآن هم المقاتلون الأجانب في البلاد. وتدفق النازحون واللاجئون عبر الحدود الليبية الشرقية مع مصر، وقال العديد منهم إن السلطات الليبية قد استخدمت الدبابات والطائرات والمرتزقة. اختطاف وزير الداخلية الليبي المستقيل وفي تطور آخر، أعلن في ليبيا اختطاف وزير الداخلية المستقيل، اللواء عبد الفتاح يونس العبيدي، في مدينة بنغازي بعد قليل على مقابلة أعلن فيها تأييده للثورة الشعبية. وذكرت وكالة الأنباء الليبية الرسمية (أوج) أن القوات المسلحة الليبية تحمل العصابات التي خطفت العبيدي في بنغازي "مسؤولية كل ما يمس بحياته وأمنه بعد أن أصبح رهينة لدى هذه العصابات". وتوعدت القوات المسلحة الليبية "العصابات التي خطفته بأنها ستلاحقهم في أوكارهم وجحورهم، أينما كانوا، ولن يهدأ لها بال حتى تقوم بتحريره من بين أيديهم وتُنزل بهم أشد العقاب الذي يستحقونه جزاء جريمة الخطف التي ارتكبوها في حقه لكونه أحد الضباط الأحرار". وكان وزير الداخلية الليبي أعلن، في مقابلة مع ال"سي إن إن"، أنه استقال يوم الاثنين الماضي من منصبه بعد أن سمع أن 300 مدني أعزل قتلوا في بنغازي في الأيام الثلاثة الماضية، وأعلن تأييده ل"الثورة الشعبية" التي توقع انتصارها. واتهم العبيدي، القذافي بالتخطيط لمهاجمة المدنيين على نطاق واسع، وقال إن "القذافي أخبرني بأنه يخطط لاستخدام الطائرات ضد الشعب في بنغازي، وقلت له إن الآلاف سيقتلون إن قام بذلك". وأعلن العبيدي دعمه للشعب والثورة وتوقع انتصارها "خلال أيام أو ساعات"، داعيا قوات الأمن الليبي إلى الانضمام إلى "الانتفاضة" التي انشق، بالفعل، عدد من عناصرها وانحازوا إلى جانب المتظاهرين. وقال إن القذافي، الذي يعرفه منذ عام 1964، رجل عنيد ولن يستسلم وإنه "إما ينتحر أو يتم اغتياله". وأشار وزير الداخلية الليبي السابق إلى أن كافة المناطق الشرقية للبلاد خرجت عن نطاق سيطرة القذافي. ويشار إلى أن عددا من السفراء والدبلوماسيين الليبيين استقالوا احتجاجا على العنف المفرط الذي استخدمته حكومة طرابلس لقمع الاحتجاجات الجارية منذ 17 من الشهر الجاري. ماذا عن ثروة القذافي؟ وعلى صعيد آخر، قالت صحيفة "فايننشال تايمز"، يوم أمس الأربعاء، نقلا عن برقيات دبلوماسية أمريكية سرية حصل عليها موقع "ويكيليكس"، إن الزعيم الليبي معمر القذافي أقام إمبراطورية مالية ضخمة هي مصدر خلافات جدية بين أبنائه. وتحت عنوان "مجموعة القذافي"، يؤكد دبلوماسيون أمريكيون أن القذافي وأفراد أسرته يملكون مساهمات هامة في قطاعات النفط والغاز والاتصالات والبنية التحتية للتنمية والفنادق والإعلام وتجارة التوزيع. وفي مذكرة مؤرخة في ماي 2006ن يوضح دبلوماسيون أمريكيون أن أبناء القذافي يحصلون على عوائد منتظمة من الشركة الوطنية للنفط التي تبلغ قيمة صادراتها السنوية عشرات مليارات الدولارات. وأوضحت المصادر ذاتها أن سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي، ينشط في صناعة النفط عبر فرع لمجموعته "وان ناين". واستثمر معمر القذافي بنفسه في 2009 ما قيمته 21,9 مليون دولار في مجمع فندقي في مدينة لاكويلا الإيطالية التي شهدت زلزالا مدمرا في 2009. وأشارت برقية دبلوماسية أخرى، مؤرخة في مارس 2009، إلى "صراعات داخلية" بين أبناء القذافي يمكن "أن توفر ما يكفي من الإثارة والصخب لإنجاز مسلسل ميلودرامي ليبي". وقال الدبلوماسيون الأمريكيون إن التوتر زاد بين أفراد العائلة، خصوصا مع التركيز على إظهار سيف الإسلام في مقدمة الساحة السياسية الليبية.