سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ضحايا انهيارات فاس العتيقة يجرون أطراف متهمة ب«العشوائية» في عمليات الترميم نحو القضاء يتهمون أطرافا من السلطة المحلية ومن ملاك البنايات ب«التواطؤ» و«التقاعس»
في أولى سابقة، قبلت المحكمة الابتدائية بفاس النظر في ملف انهيار بناية سكنية في المدينة العتيقة، وخلفت مقتل خمسة أشخاص وجرح ثلاثة آخرين، بناء على شكاية تقدم بها أحد المتضررين إلى الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بتاريخ 28 يونيو من السنة الماضية، طعن فيها في المحاضر الأولى للشرطة، التي تطرقت إلى حادث الانهيار، وتحدث عن وجود اختلالات في تدبير عملية ترميم وإصلاح البناية نجم عنها حادث الانهيار، الذي هز درب عبد الكريم بالطالعة الكبرى بفاسالمدينة يوم 25 أبريل من السنة الماضية. وبناء على هذا «الطعن»، أعيد فتح ملف الحادث من جديد، وتم الاستماع إلى جل الأطراف التي كانت على علاقة مباشرة بالبناية قبل أن تنهار على رؤوس بعض قاطنيها وتخلف ضحايا، ومنهم الشهود الذين نجوا من الموت بأعجوبة بعدما تم انتشالهم من وسط الأنقاض، والمقاول الذي أشرف على عملية الإصلاح في إطار صفقة حصل عليها من قبل وكالة إنقاذ فاس العتيقة، وأحد المكلفين في شركة المقاول بالإشراف على عملية الإصلاح. ومن المقرر أن تعقد المحكمة الابتدائية لفاس جلستها الثانية للنظر في الملف يوم 14 أبريل المقبل، بعدما تأخرت الجلسة الأولى يوم 10 فبراير الجاري بسبب الإضرابات التي شهدها قطاع العدل. ويرتقب أن يمثل المقاول وتقني تابع للشركة، التي أشرفت على عملية الإصلاح، في حالة سراح، أمام المحكمة بتهم تتعلق بالقتل غير العمد والجرح الخطأ، دون أن تستبعد المصادر أن فتح هذا الملف سيقود إلى استدعاء أطراف أخرى من السلطة المحلية ومن وكالة إنقاذ فاس، باعتبارها الأطراف المسؤولة عن عمليات ترميم البنايات العتيقة بالمدينة. وحكى تقرير لأحد الضحايا الذين نجوا بأعجوبة من هذا الحادث -توصلت «المساء» بنسخة منه- عن «تقاعس» السلطات المحلية والمجلس الجماعي في التدخل في الوقت المناسب لإنقاذ هذه البناية من الانهيار، مشيرا إلى أن ساكنة هذه البناية سبق لها أن وجهت رسالة إلى والي الجهة، محمد غرابي، تخبره فيها بأن لجنة من المهندسين والتقنيين حلت بالمحل في سنة 2006، وصنفته في تقريرها في الدرجة الأولى من الخطورة. واتصلت العائلات برجال سلطة (قائد وباشا) من أجل التدخل لمعالجة الوضع، لكن دون جدوى. وقررت العائلات بعد ذلك تقديم تظلمها إلى والي الجهة، لكنها بقيت تنتظر الرد إلى أن انهار المحل فوق رؤوس عدد من أفراد أسرها، وتعرض من نجوا منهم للتشرد، بعدما فقدوا أمتعتهم ومآويهم، مما فرض عليهم «الاعتمار» لدى عائلات أخرى مقربة منهم. وبسبب هذا الحادث فقد المواطن بوطابة محمد زوجته وثلاثة من أبنائه. أما الهالكة سعيدة الخيام فقد تركت ابنين قاصرين يتيما الأب، وتعرضت زوجة شقيقها أحمد للكسور في رأسها وأطراف أخرى من جسمها. كما تعرض ابنه ياسين الخيام لإصابات في الرأس، في حين تعرض البقالي حسن وفوزية بن اصباحو للتشرد بسبب فقدان أمتعتهما بعد الانهيار وبقيا بدون مأوى. وطلبت العائلات المتضررة من والي الجهة، بتاريخ 27 يوليوز 2010، أن يمنحها سكنا ولو على سبيل الكراء المفضي إلى التملك، لكن طلبها بقي دون جواب. واتهم هذا التقرير السلطات المحلية بالتقصير في مراقبة المقاول، الذي أشرف على عملية الإصلاح، وهو نفس ما خلص إليه محضر الإحالة -في صيغته الثاني- والذي أعدته الشرطة القضائية. وقال أحد المتضررين إنه كانت هناك محاولات لطمس هذا الملف من قبل جهات تخاف على نفسها من «المساءلة»، ومنها أطراف في السلطة المحلية ووكالة إنقاذ فاس العتيقة. وفي الوقت الذي أشار المحققون، في المحاضر الأولى، إلى أنه تعذر عليهم الاستماع إلى المالك الأصلي للبناية، توصل محققو المحضر الثاني إلى هذا المالك ودونوا تصريحات أشاروا فيها إلى أنه لم يطلع على حادث الانهيار إلا في الجرائد، وأقر فيه بأنه كان يكتري للعائلات المتضررة غرفا في هذا المنزل، لكنها مع مرور الوقت كانت ترفض أداء واجبات الكراء، مما جعله يرفع ضدها شكايات بالأداء والإفراغ. والغريب في تصريحاته هو نفيه أي علم له بأي أشغال ترميم أو إصلاح تجرى في محله، مؤكدا بأنه لم يتم إشعاره بالموضوع. وقال الشهود، وهم من الناجين في حادث الانهيار، إن البناية سقطت بسبب إصلاحات شهدها سقف الجناح المنهار. وقال حسن البقالي إن الأطراف المكلفة بالإصلاح قامت، قبل ثلاثة أيام من الحادث، بوضع الإسمنت والزليج على سقف الجناح المنهار، دون أن يعمل البناؤون على تنقية الأتربة القديمة التي كانت بالسطح. وتحدثت الشاهدة فوزية بن اصباحو من جهتها عن أن أشغال الترميم كانت تسير بطريقة عشوائية بالجناح الذي تعرض للانهيار، «حيث وضع الإسمنت والزليج على السقف دون أن يتم التخلص من الأتربة». ومن جانبه، أورد «ح.خ»، الذي كان يشرف على تسيير عمل البنائين بهذا الورش، بأن الجناح الذي تعرض للانهيار لم يكن مندرجا في إطار مهام الإصلاح التي باشرتها المقاولة التي يعمل لحسابها. وبالرغم من ذلك، فإنه أقر بوضع الزليج والإسمنت على سقف الجناح المنهار، مبررا ذلك بالسعي وراء منع تسرب مياه الأمطار داخل المبنى حفاظا على الجناحين معا. وقال أيضا إنه لم يكن يسمح بإجراء أي عملية إصلاح بعين المكان إلا بتنسيق وأوامر لجنة تضم مهندسين وتقني تابع لوكالة إنقاذ فاس. وأكد المقاول «م.ع» نفس التصريحات التي أدلى بها هذا التقني، موضحا بأن العملية تمت بأمر من اللجنة المشرفة على تتبع عملية الإصلاح. وكان رجال الوقاية المدنية، ساعة الانهيار الذي وقع في وقت متأخر من الليل، ومعهم مسعفو القرب الذين يتشكلون من شبان المدينة العتيقة، قد وجدوا صعوبات بالغة في الوصول إلى المصابين والمتوفين تحت أنقاض المنزل المنهار الذي بدأت أشغال ترميمه قبل الحادث بحوالي أسبوع فقط. ولم تتمكن هذه التدخلات من استخراج آخر مصاب تحت الأنقاض إلا في الساعات الأولى من صباح اليوم الموالي. وإلى جانب انهيار هذه البناية، انهار منزل آخر مجاور محاذ للبناية، قبل أن ينهار سور مجاور آخر، لكن دون أن يخلف ضحايا. وتكفلت السلطات الإدارية بمراسيم الدفن والتعازي وتقديم مبلغ مالي إلى أسر الضحايا. لكن ذلك لم يمنع ساكنة حي الشرابليين بدرب الطالعة الكبيرة من الاحتجاج في وقت متأخر من الليل، متحدثين عن مشاريع ترميم تخلف ضحايا وانهيارات، وعن إهمال يتهمون السلطات بالوقوف وراءه. وتقول السلطات إن العائلات التي انهار عليها المنزل توصلت بقرار للإفراغ وتكفلت السلطات بكل تكاليف الترميم، لكن عددا من العائلات ترفض الإفراغ دون أن تستطيع الجهات الرسمية من إرغامها على مغادرة مساكنها في ظل غياب قرار قضائي.