لا يخلو شارع أو زقاق أو حي بمدينة وجدة من مختلين عقليا من مختلف الأعمار، ذكورا وإناثا، منهم من يتجول بين شوارع المدينة بكل حرية حتى أصبح له معارفه، ومنهم من لا يبرح مكانه واتخذ ركنا من الأزقة أو أبواب المدينة وساحاتها بيتا له، أثاثه الكارطون وأشياء أخرى لا يعرف وظيفتها إلا هو، وصار المكان ملكا له، وأصبح هو نفسه جزءا من الديكور يؤثث المشهد، وآخر يظل يعبر شارعا ذهابا وإيابا، طيلة اليوم، يحاور نفسه أو شخصا آخر لا يراه غيره، يضحك مرة وأخرى يصيح دون أن يأبه بالمارة، رغم أنه في بعض الأحيان يوجه حديثه لعضهم أو للجالسين إلى طاولات المقاهي. وبعضهم يمشي متثاقلا، شاردا، صامتا ثم يقفز فجأة كلما اشتدت أزمته، وتارة يجري وأخرى يصرخ معبرا عن اضطرابه بحركات قوية غير متناسقة وغير معبرة. وعبّرت بعض الأسر، التي تضم من بين أفرادها أحد المصابين بأمراض عقلية ونفسية عن استيائها وامتعاضها وتخوفاتها بعد إغلاق مستشفى الرازي بسبب الإصلاحات الجذرية التي تشهدها المؤسسة الصحية بمدينة وجدة، دون البحث عن بديل مؤقت يستقبل هؤلاء المرضى الذين هم في حاجة إلى عناية خاصة واستعجالية ومراقبة قريبة ومتابعة طبية متواصلة، بعضهم يشكل خطرا على نفسه وعلى محيطه. «إن العديد من المرضى المصابين بأمراض نفسية وعقلية، يوجدون في الشارع أو محتجزين لدى عائلاتهم التي تعاني وتكابد من أوضاعهم، في الوقت الذي تستفحل حالاتهم المرضية وقد تشكل خطرا على أفراد أسرهم وأولياء أمورهم، الذين هم مغلوبون على أمرهم، في غياب المساعدة الاجتماعية أو ممرضين مختصين يزوروننا»، يشتكي أحد الآباء بامتعاض وأسى شديدين، مذكرا بوضعية ابنه الذي لا يتعدى عمره العشرين سنة. تم تسريح أو تحرير هؤلاء النزلاء «الفاقدين للتوازن العقلي والنفسي والمختلين عقليا» منهم من استقبلته أسرته ومنهم من تاه في الشوارع، ولم يحتفظ المستشفى إلا ببعض النزلاء المحكومين في قضايا جنائية بأحد الأجنحة المحروسة التابعة لمستشفى الفارابي بوجدة، مع العلم أن مستشفى الرازي للأمراض العقلية والنفسية يعد المؤسسة الوحيدة لعلاج هذه الأمراض بالجهة الشرقية التي تضم سبعة أقاليم ويتجاوز عدد سكانها مليوني نسمة ويستقبل جميع مرض الجهة، الأمر الذي يعني أن هناك العشرات من طلبات الاستشفاء من طرف الأطباء الأخصائيين وعائلات المرضى. تحركت نقابة الأطباء للقطاع الخاص وهيئة الأطباء للمنطقة الشرقية بتعاون مع الأطباء الأخصائيين في الأمراض النفسية والعقلية بوجدة بتعاون مع المندوب الإقليمي لوزارة الصحة بهدف إيجاد حلّ مؤقت ريثما يتم الانتهاء من الأشغال وإعادة فتح مستشفى الرازي، لكن المشكل ما زال قائما والحلّ في حكم الغيب، والمرضى في الشوارع وأسرهم غارقة في المأساة.