تقاطرت الحشود الغاضبة بسبب خطاب الرئيس مبارك، الثالث منذ اندلاع الاحتجاجات في ال25 من يناير الماضي، على ميدان التحرير وسط العاصمة المصرية القاهرة يوم أمس الجمعة، فيما وصفه بعض المتابعين بكونه أحد أكثر أيام الاحتجاجات ازدحاما بالمتظاهرين الغاضبين نظرا إلى استمرار تمسك الرئيس المصري حسني مبارك بالسلطة، على الرغم من تفويض صلاحياته إلى نائبه عمر سليمان. وكانت حشود صغيرة من المتظاهرين تظاهرت قرب قصر رئاسي، يعرف باسم قصر العروبة، في ضاحية مصر الجديدة شمال شرقي القاهرة، وهم يهتفون ويرفعون شعارات بسقوط مبارك، ولم يحاول الجيش المحيط بالقصر منعهم أو إخلاءهم. الجيش يقول كلمته
وفي أحدث التطورات، عقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة يوم أمس الجمعة اجتماعا، أصدر بيانه الثاني الذي قال فيه إن الجيش سيضمن «إنهاء حالة الطوارئ فور انتهاء الظروف الحالية، والفصل في الطعون الانتخابية، وما يلي بشأنها من إجراءات، وإجراء التعديلات التشريعية اللازمة، وإجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة، في ضوء ما تقرر من تعديلات دستورية». وأضاف البيان أن القوات المسلحة «تلتزم برعاية مطالب الشعب المشروعة، والسعي إلى تحقيقها من خلال متابعة هذه الإجراءات في التوقيتات المحددة بكل حدة وحزم، حتى تمام الانتقال السلمي للسلطة، وصولا إلى المجتمع الديمقراطي الحر الذي يتطلع إليه أبناء الشعب». وقال البيان إن القوات المسلحة المصرية «تؤكد على عدم الملاحقة الأمنية للشرفاء الذين رفضوا الفساد وطالبوا بالإصلاح، وتحذر بعدم المساس بأمن الوطن والمواطنين، كما تؤكد على ضرورة انتظام العمل بمرافق الدولة وعودة الحياة الطبيعية، حفاظا على مصالح وممتلكات شعبنا العظيم». وكان المجلس قد أصدر أول أمس الخميس بيانه الأول الذي قال فيه إن المجلس بات «في حال انعقاد دائم لبحث ما يمكن اتخاذه من إجراءات وتدابير للحفاظ على الوطن ومكتسبات شعب مصر». وقالت قناة التلفزيون المصري الفضائية إن نائب رئيس الجمهورية المفوض صلاحيات رئيس الجمهورية، عمر سليمان، طلب من رئيس مجلس الوزراء أحمد شفيق تعيين نائب له من لجنة الحكماء ليتولى شؤون الحوار الوطني. وكان المجلس قد أصدر أول أمس الخميس بيانه الأول الذي قال فيه إن المجلس بات «في حال انعقاد دائم لبحث ما يمكن اتخاذه من إجراءات وتدابير للحفاظ على الوطن ومكتسبات شعب مصر». وقال وزير المالية المصري، سمير رضوان، إن احتمالات وقوع انقلاب عسكري في البلاد ستكون وخيمة على الشعب والاقتصاد. ومن جانبه، قال الناشط السياسي محمد البرادعي إن القيادة المصرية في «حالة تخبط كاملة»، وإن الفئران بدأت تقفز من السفينة الغارقة، حسب وصفه. وقالت السفارة المصرية في واشنطن إن التغييرات الأخيرة تعني عمليا أن نائب الرئيس عمر سليمان صار هو الرئيس بحكم الواقع. الخطاب الصاعقة وكان مبارك قد تسبب في صدمة قوية للمتظاهرين المصريين الذين كانوا ينتظرون خطاب تنحيه عندما قال، في خطاب بثه التلفزيون المصري الخميس، إنه باق في منصبه حتى يتم اختيار خلف له في شهر شتنبر المقبل، على نقيض توقعات محلية ودولية جزمت بتنحيه نهائيا عن السلطة. وفوض مبارك نائبه عمر سليمان اختصاصاته بمقتضى الدستور، قائلا إنه سيستجيب لمطالب الشعب المصري، وسيعمل على نقل السلطة بالسبل الديمقراطية بعد انتهاء ولايته في شهر شتنبر المقبل. كما أعرب الرئيس مبارك عن أسفه العميق على أرواح الشباب التي أزهقت في الأحداث الأخيرة، مؤكدا أنه أمر بالتحقيق فيها ومحاسبة المسؤولين عنها. وأضاف أنه سيلغي قانون الطوارئ فور استعادة النظام في البلاد، مؤكدا أنه لم يسع يوما من أجل سلطة أو منصب، وأنه يرفض الاستجابة لأي ضغوط أجنبية. وكانت التكهنات التي تداولتها وسائل الإعلام قبيل إلقاء الخطاب تفيد بأن الرئيس المصري سيعلن تنحيه عن السلطة ونقل سلطاته بالكامل إلى نائبه عمر سليمان. كما أعلن مبارك عن تعديل خمس مواد دستورية وإلغاء سادسة، وقال إن التعديلات تستهدف تسهيل شروط الترشيح لرئاسة الجمهورية وتداول السلطة، وإن التعديلات تؤكد اختصاص القضاء وحده في الإشراف على الانتخابات والفصل في أي خلافات. واختتم مبارك خطابه مؤكدا أنه يريد أن «يوارى الثرى» على أرض مصر، نافيا بذلك أي نية له لمغادرة البلاد. وتقضي المادة 82 من الدستور المصري بأنه تحق لرئيس الجمهورية، إذا ما حال حائل مؤقت دون ممارسته لمهامه، إحالة صلاحياته على نائبه باستثناء حق تعديل الدستور وحل مجلسي الشعب والشورى وإقالة الحكومة. سليمان للمتظاهرين: عودوا إلى بيوتكم وبعد كلمة مبارك، ألقى نائبه المخول من الآن باختصاصات رئيس الجمهورية عمر سليمان، كلمة أكد فيها أنه ملتزم بالعمل على الانتقال السلمي للسلطة وتحقيق مطالب الشعب من خلال الحوار الواعي المستنير. وطالب نائب الرئيس المصري كافة المحتجين في ميدان التحرير بإنهاء مظاهراتهم والعودة إلى بيوتهم. وتوجه سليمان إلى المتظاهرين في ميدان التحرير بالقول: «يا شباب مصر وأبطالها عودوا إلى دياركم وأعمالكم، فالوطن يحتاج إلى سواعدكم. لا تنصتوا للإذاعات والفضائيات المغرضة التي لا هدف لها إلا إشعال الفتن والعمل على إضعاف مصر وتشويه صورتها. استمعوا فقط إلى ما تمليه عليكم ضمائركم». وتعهد بأن ينجز الوعود التي تعهد بها مبارك والخاصة بالاصلاحات الدستورية والتشريعية، معرباً عن التزامه «بإجراء كل ما يلزم لتحقيق الانتقال السلمي للسلطة وفقاً لأحكام الدستور». وأشار سليمان إلى الحوار الذي أجراه مع بعض قوى المعارضة، قائلا: «توصلنا إلى تفاهمات ووضعت خارطة طريق لتنفيذ معظم المطالب طبقا للزمن المتاح ولا يزال الباب مفتوحا لمزيد من الحوار». وأضاف: «أعلن تمسكي بتنفيذ كل ما تعهدت به من إجراءات بالحوار الوطني وما يتم الاتفاق عليه لاحقا»، ودعا إلى «الحفاظ على ثورة الشباب ومكتسباتها والعمل على استعادة الثقة بيننا مع احترام الدستور والقانون وأن نحقق مطالب الشعب بالحوار الواعي». وأعرب عن ثقته في أن «هذا الشعب البطل لن ينجرف أبدا إلى مخاطر الفوضى ولن يسمح لأصحاب التخريب والترويع بأن يكون لهم وجود بينكم». وطالب كل المواطنين بأن ينظروا إلى المستقبل وجعله «مشرقا وزاهرا بالحرية والديمقراطية». وفي رد مباشر، طالب المتظاهرون في ميدان التحرير بالقاهرة مساء أول أمس الخميس برحيل اللواء عمر سليمان، نائب الرئيس المصري حسني مبارك، الذي دعاهم إلى العودة إلى منازلهم في كلمة ألقاها بعد أن أعلن الرئيس مبارك أنه فوضه صلاحياته الرئاسية. وهتف مئات آلاف المتظاهرين المحتشدين في هذا الميدان في قلب القاهرة: «يا سليمان، يا سليمان إرحل إنت كمان». ردود فعل غربية من جانب آخر، أكد قادة الغرب، المتابعون بحذر للوضع في مصر، من جديد على ضرورة انتقال السلطة في مصر، وذلك بعد خطاب الرئيس المصري حسني مبارك الذي تمسك فيه بالسلطة خلافا لرغبة المتظاهرين المطالبين بتنحيه. ودعا الرئيس الأمريكي باراك القاهرة إلى رسم طريق واضح «بدون أي التباس» نحو الديمقراطية، مؤكدا أن الإصلاحات التي أعلنها مبارك «غير كافية». وقال أوباما، في بيان صدر بعد ساعات على خطاب مبارك واتسم بلهجة حازمة، إن «المصريين تلقوا تأكيدا على أنه سيكون هناك انتقال للسلطة، ولكن من غير الواضح حتى الآن أن هذا الانتقال سيكون فوريا وواضحا وكافيا». وفي واشنطن أيضا وقبل صدور بيان أوباما، أدان السناتور الجمهوري جون ماكين رفض مبارك التنحي فورا، معتبرا أن خطابه «بائس ويثير القلق»، وقال: «أدعو الرئيس مبارك إلى أن يبدأ الإصغاء للشعب وإيلائه الثقة»، مؤكدا أن «استقرار مصر والمنطقة مرتبط به إلى حد كبير». ومن جهته، أكد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن المصريين يجب أن يقرروا بأنفسهم مستقبلهم السياسي، وكرر دعوته إلى انتقال هادئ للسلطة. وقال مكتبه، في بيان صدر بعد خطاب الرئيس المصري، إن «الأمين العام تابع عن كثب التطورات في مصر». ومن جهتها، قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوربي كاثرين أشتون «الآن هو وقت التغيير في مصر»، معتبرة أن الرئيس مبارك لم يفتح الطريق بعد أمام إصلاحات سريعة وعميقة. وأكدت أشتون «سأبقى على اتصال بالسلطات المصرية للتشديد على ضرورة حصول مرحلة انتقالية ديمقراطية منظمة وهادفة ودائمة». كما أكد رئيس البرلمان الأوربي جرزي بوزيك أن «تطلعات مواطني (مصر) مشروعة، والتغيير لا يمكن أن يتأخر. ينبغي طي صفحة النظام السابق»، مطالبا بتشكيل حكومة جديدة تضم «القوى الديمقراطية». ومن جهته، أعرب وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي عن خيبة أمله في الخطاب الذي ألقاه مبارك، معتبرا أنه لم يكن «الخطوة المنتظرة نحو المستقبل»، مؤكدا: «نعول على تغيير سلمي». أما عن وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، فقد شدد على ضرورة «انتقال سريع، ولكن هادئ» في مصر، موضحا: «ندرس بدقة ما قاله رئيس مصر ونائبه». وأضاف: «دعونا منذ بداية الأزمة إلى انتقال سريع ولكن منظم (للسلطة) في مصر إلى حكومة موسعة». واعتبرت رئيسة الحكومة الأسترالية جوليا غيلارد أن «التغيير يجب أن يبدأ في مصر». وقالت: «نعتقد أنه يجب أن يكون هناك إصلاح جوهري (...) التغيير يجب أن يبدأ». وأضافت أن «الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر، ولكن نريد رؤية السلام في العملية الانتقالية». صحف العالم تنتقد خطاب مبارك وعلى صعيد آخر، وجهت صحف أوربية، صدرت أمس الجمعة، نقدا لاذعا للخطاب الذي ألقاه الرئيس المصري حسني مبارك ليل الخميس/الجمعة. وقالت صحيفة «ذا تايمز» البريطانية: «بعد 30 عاما في السلطة، صار واضحا أن مبارك غير قادر على تركها. يستغرب المرء من قيامه بإلقاء خطاب لا يقول شيئا في مثل هذا الموقف الحاسم». ورجحت الصحيفة أن يكون العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز هو من شد من أزر مبارك، وأشارت إلى محاولة العاهل السعودي إضعاف التأثير الأمريكي من خلال إعلانه أن بلاده ستقدم مساعدات إلى مصر في حال ما إذا قررت أمريكا وقف المعونات عنها. ورأت الصحيفة أن الموقف الذي يجب أن يأخذه البيت الأبيض الآن هو «الإصرار على رفع حالة الطوارئ بالكامل، مع إجراء المزيد من الإصلاحات». وأضافت: «يجب أن تقوم القاهرة بالحوار مع كل أطياف المعارضة وتتفق معهم على الانتقال المنظم نحو الديمقراطية». ورأت صحيفة «لاستامبا» الإيطالية أن «حسني مبارك يهتم بدعم السعودية أكثر من اهتمامه بالانتقادات القادمة من واشنطن». وكتبت الصحيفة أن هذا يضع الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمام تحد جديد، وقالت إن أوباما لم يبق أمامه الآن سوى التخلي عما أعلنه البيت الأبيض من نيته مناقشة فترة ما بعد مبارك. وكانت مجلة «الفورين بوليسي» الأمريكية أوردت نقدا لاذعا أيضا على لسان كاتبها مارك لينش الذي وصف الخطاب بكونه الخطاب الأسوأ على الإطلاق. وقال لينش إن «خطاب مبارك كان مليئا بالعبارات الخشبية ولم يقدم أي شيء جديدا، بل إنه من الصعب حتى التخفيف من سوء وقع هذا الخطاب». وأضاف أن خطاب نائب الرئيس عمر سليمان قد زاد الطين بلة وجعل من خطاب مبارك أسوأ وقعا وأكثر كارثية.