قدرت الاستخبارات الأمريكية يوم اندلاع المظاهرات في القاهرة بأن «مبارك مُنْتَه». وعليه، فقد عرض قادتها على أوباما ثلاثة بدائل سياسية في ضوء ما وصف كتغيير نظام مؤكد في دولة أساسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وكان الخيار الأول هو السكوت، فالسكوت من ذهب. أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون رفضاه رفضا باتا. فقد استخلص الدروس من صمت الإدارة حيال مظاهرات الحرية في طهران في 2009. وفقط بعد عدة أيام من القمع المضرج بالدماء، بادر الرئيس أوباما إلى تحطيم الصمت وإطلاق تصريحات تأييد مترددة للطلاب الإيرانيين المتظاهرين. وهكذا، فقد منح عمليا يدا حرة لأحمدي نجاد وأجهزة أمنه لأن يخنقوا بوحشية الشرارات الأولى للتمرد الديمقراطي في إيران. مع مرور الوقت، اعترف أوباما بخطئه وأقسم على ألا يكرره.. محظور السكوت. الخيار الثاني كان تأييد مبارك حتى النهاية المريرة. الكثير من الإسرائيليين وغير قليل من الأمريكيين واثقون اليوم أيضا من أن أوباما وكلينتون أخطآ خطأ شديدا حين لم يتخذا هذا الخيار. الإدارة في واشنطن، كما يقولون، انكشف أمام العالم العربي أنها سند متهاوٍ. إدارة خائنة، تهجر رفاقها الجرحى في ميدان المعركة، ولا يمكن الاعتماد عليها. وفي رأي هؤلاء المنتقدين، كان على أوباما أن يبذل كل جهد مستطاع أو، على الأقل، أن يظهر كمن يبذل كل جهد مستطاع كي يحافظ على مبارك في الحكم رغم تقدير الاستخبارات القاطع، الذي لا لبس فيه، أن لا أمل في إبقائه في الحكم. بعد بعض التروي النسبي، رفض أوباما هذا البديل أيضا. وقد علل قراره بالايدولوجيا والاستراتيجية. أمريكا كما أقودها أنا، قال لمستشاريه، لن تؤيد رئيس دولة يتمسك بكرسيه خلافا لإرادة الشعب، بعد أن وجدت هذه الإرادة تعبيرها بهذا القدر البارز. أمريكا بقيادتي لن تؤيد رئيس دولة يزود الانتخابات ويستعد لنقل الحكم من نفسه إلى ابنه. بمسؤوليتي أن أقول له: يا صديقي، انتهى طريقك، انصرف. وفوق التعليل الإيديولوجي القيمي يقف، كما شرح أوباما، التعليل الاستراتيجي. مصر تعتبر حجر أساس للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، ومحظور على أمريكا أن تخسرها للراديكاليين المسلمين مثلما خسرت مصر للسوفيات في الخمسينيات من القرن السابق. يتبقى، إذن، على الطاولة الخيار الثالث فقط: الدور النشط للولايات المتحدة في تغيير النظام في القاهرة. هذا الدور أعمق بكثير مما يبدو من الخارج. وهو يتسلل، سواء إلى داخل المداولات الداخلية للقيادة المصرية المدنية والعسكرية أو إلى الشارع، إلى تنظيم المظاهرات. فأوباما يعرف أن الثورة الديمقراطية في العالم العربي يصعب عليها أن تكون مؤيدة لأمريكا. وهو يرغب في أن يضمن ألا تكون مناهضة لأمريكا، فكلما اتخذت أمريكا صورة القوة التي تحرك التغيير ولا تنجر وراءه رغم أنفها، هكذا يزداد نفوذها (كما يعتقد أوباما) على بلورة النظام الجديد في مصر، وليس فقط في مصر. الفرصة، كما يقدر أوباما، هي فرصة تاريخية. إذا ما أفلح بالفعل في المساعدة على أن يقيم في مصر ويثبت نظاما ديمقراطيا حقيقيا قابلا للحياة وذا قدرة على الحكم، نظاما يثق به المواطنون ويرونه كمعبر عن طموحاتهم، فإن شيئا لن يوقف الثورات الديمقراطية في باقي أرجاء العالم العربي والإسلامي. مصر الديمقراطية ستكون نموذجا للاقتداء وبؤرة جذب لقوى الحرية في دمشق، في طهران وفي مقديشو. المصلحة الاستراتيجية الأمريكية ستخرج من هذا بمثوبة، وستثاب بقدر لا يقل المصلحة ُ الاستراتيجية الإسرائيلية. شرق أوسط ديمقراطي، كما يشرح أوباما، يتوفر فيه تعبير برلماني نزيه أيضا للأحزاب الإسلامية (باستثناء تلك المؤيدة للإرهاب) سيحافظ على اتفاقات السلام مع إسرائيل ويعقد معها اتفاقات جديدة. اليوم الحكام العرب خائفون من الاعتراف بإسرائيل لأنهم خائفون من شعوبهم، ولكن أحدا لم يسأل الشعوب عن رأيها. باراك أوباما مقتنع بأنه في المحيط الديمقراطي سيكون رأي الأغلبية العربية مع السلام. إذا كان مخطئا، فإن أمريكا في مشكلة وإسرائيل في مشكلة أكبر. عن «يديعوت» هيئة التحرير