كذب فؤاد عالي الهمة نبوءة عباس الفاسي الذي وصف حركة لكل الديمقراطيين بأنها ناد للتفكير والتأمل. الهمة وأصدقاؤه وضعوا طلب تشكيل حزب سياسي جديد لدى وزارة الداخلية، بعد أن أسس ذراعين برلمانيين في مجلس النواب ومجلس المستشارين، ويستعد لإطلاق مجموعة إعلامية للدعاية لحزبه في الانتخابات المقبلة. ما هي القيمة المضافة التي يحملها حزب الهمة؟ من السابق لأوانه التكهن بالجواب، لكن تشكيلة الحزب الجديد الذي بني على أنقاض أحزاب صغيرة، بعضها من صنع إدريس البصري وبعضها الآخر لم يحظ بأي اهتمام لدى الرأي العام.. هذه التشكيلة لا تساعد على الفهم. من الراجح أن الهمة اضطر إلى الحد من شهيته السياسية، وأن لجوءه إلى أحزاب «محروقة» لتشكيل حزبه الجديد عملية إخراج سياسي هدفها طمأنة الأحزاب المرعوبة من حركته، أكثر منها خطة مدروسة. لقد أراد لحزب «الأصالة والمعاصرة» أن يأخذ شكل حزب يجمع أحزاب مشتتة في حزب واحد، مضاف إليها شخصيات من حركة لكل الديمقراطيين، ليس فيهم من يحظى بوزن سياسي سوى فؤاد عالي الهمة الذي يستمد قوته من قربه من الملك أولا، ومن شبكة العلاقات التي راكمها في الإدارة على مر تسع سنوات من اشتغاله في وزارة الداخلية. منذ الأيام الأولى لحملة الهمة في بنجرير استعدادا للانتخابات التشريعية الأخيرة، زعمت أن الهمة يسعى إلى تأسيس حزب «فديك جديد»، فيما كان هو ينفي الأمر ويتحدث عن خدمة مسقط رأسه. الأمر لا يحتاج إلى ذكاء أو قراءة فنجان، فالذي جرب السلطة في المواقع الحساسة للقرار لا يمكن أن يخرج بالسهولة التي حاول الهمة أن يوهم بها الناس... إن خروج الهمة كان عملا مدروسا، وهو نفسه قال لمجلة «جون أفريك» إنه عندما تحدث مع الملك حول نيته الخروج من وزارة الداخلية، قال له الملك –والعهدة عليه- «هذا بالضبط ما كنت أفكر فيه...»، هذا يعني أن خروج الهمة من وزارة الداخلية جاء في إطار «مسلسل» للعودة من نوافذ أخرى، ولتحريك بركة الأحزاب الآسنة... الهمة هو عصا الملك التي يريد أن يضرب بها الأحزاب على رأسها حتى تستيقظ، فبعد أن لمح الملك عدة مرات إلى ضرورة تجديد دماء الأحزاب ونخبها وبرامجها، والعمل على ملء الفراغ المحيط بالبلاد، وعدم ترك الإسلاميين وحدهم في الساحة يحصدون ثمار اليأس من الأحزاب التقليدية، ويستغلون الأزمة الاجتماعية التي يحتاج إصلاحها إلى سنوات وربما إلى عقود... بعد كل التحذيرات التي أطلقها الملك والتي لم تلق صدى لدى الأحزاب لأسباب بعضها موضوعي وبعضها ذاتي، انتقل الجالس على العرش إلى محاولة رمي «أرنب سباق» إلى ملعب الأحزاب، عل هذا الأرنب يحفز الأحزاب الشائخة على الحركة وعلى نفض غبار الخمول الفكري والسياسي عنها. هكذا أتصور الخطوط العامة التي حركت مخطط ضخ «مشروع الهمة» في شرايين الحياة السياسية. ما هي الأدوات التي يتوفر عليها الهمة لمنافسة الإسلاميين في الساحة، ولدفع الأحزاب إلى الحركة أكثر؟ الهمة يملك أولا «رأسمالا سياسيا» يتمثل في علاقته بالملك، ورغم أن هذا الأخير لمح إلى أنه سيظل ملكا لكل المغاربة، فإن هذا التلميح لن يقنع الكثيرين الذين يرون في الهمة أحد تعبيرات «الإرادة الملكية»، ويعرفون أن الهمة حمل الكثيرين إلى مواقع المسؤولية، وبالتالي فإنه «رهان رابح»، ثم إن الهمة يمتلك دراية بالخارطة الانتخابية لأنه اشتغل لمدة كافية لمعرفة «أسرار» الهندسة السياسية التي تتحكم في هذه الخارطة (التقطيع، الأعيان، القبائل، التوازنات...)، وهذه الدراية يمكن توظيفها في الانتخابات المقبلة. الهمة كذلك يملك «حلا» لأزمة عدد من أحزاب الإدارة أو الأحزاب التي لم يعد لها من بوصلة (الحركة الشعبية، الاتحاد الدستوري، الأحرار...)، سيوجه قيادتها مباشرة بواسطة حزب سياسي وليس بالتعليمات كما كان البصري يفعل... سيحل مشاكل الزعامة والتوجيه السياسي بالنسبة إليها، بعد أن ظلت هائمة على وجهها منذ وفاة الحسن الثاني... ولهذا، فحزب الأصالة والمعاصرة قرص إسبرين وليس دواء شافيا لأمراض مستعصية.