أثار تقرير المهمة الاستطلاعية للجنة البرلمانية حول ثمن الأدوية جدلا واسعا، بسبب ما تضمنه من حقائق صادمة حول واقع الأدوية في المغرب، والتي اعتبرها مرتفعة بشكل غير عادي، كيفما كانت المعايير المعتمَدة. وقد حمّل التقرير مسؤولية الغلاء لصانعي الأدوية وكذا للمساطر الإدارية المتّبعة لتحديد ثمن الدواء ولمساطر التعويض عن الأدوية من طرف التغطية الصحية. واعتبر التقرير أن أثمنة الأدوية في المغرب، عموما، أعلى من مثيلاتها في دول أخرى، إذ إن الدواء الأصلي مرتفع بنسبة ما بين 30 إلى 189 في المائة مقارنة مع تونس، بالنسبة إلى الأدوية الأصلية، وبما بين 20 و70 في المائة مقارنة مع فرنسا. كما حمّل التقرير المسؤولية، أيضا، لوزارة الصحة، التي قال إنها لم تتمكن، على مدى عدة عقود، من الدفع بأثمنة الأدوية نحو الانخفاض، نظرا إلى تطبيقها نصوصا تنظيمية متجاوَزة تعرف عدة ثغرات تستغلها شركات الأدوية للحصول على أثمنة مرتفعة كما لم تسع الوزارة، إلا مؤخرا، إلى تعديل هذه النصوص، لجعلها أكثر حماية لمصالح المرضى، كما ورد في نص التقرير. وتختلف أثمنة الدواء نفسه في المغرب حسب العلامات التجارية بنسب قد تصل إلى 600 في المائة، كما تختلف أثمنة نفس الدواء تحت نفس العلامة التجارية حسب المكان الذي يشترى منه بنسب تصل أحيانا إلى 300 في المائة. وقد عقدت اللجنة مقارنات تعتمد على عدة معايير مختلفة وأفضت هذه المقارنات إلى نتيجة واحدة، هي ارتفاع ثمن الدواء، فعلى سبيل المثال هناك اختلاف كبير بين أثمنة نفس الدواء تحت علامات تجارية مختلفة، وهو ما أصاب الساهرين على التقرير بالدهشة، فعلى سبيل المثال، يوجد في المغرب 137 عرضا مختلفا ل«الأموكسيسيلين»، و62 من «الأموكسيسيلين كلافولانيك»، و60 من «الباراسيتامول»، و53 من «ديكلوفيناك»، و34 من «أوميبرازول»... وقد يصل الفرق بين أثمنة العلامات المختلفة إلى 600 في المائة، وهو غالبا ما يناهز 200 في المائة. ويدل تعدد العلامات التجارية، وخصوصا فوارق الثمن بين مختلف هذه العلامات، على وجود اختلال عميق في نظام تقنين وعرض الأدوية وتحديد أثمانها. ولم يتمكن أعضاء المهمة، كما جاء في التقرير، من الحصول على أي مبرر معقول لهذه الفوارق. ومن المفارقات التي رصدها التقرير أن أغلى علامات نفس الدواء هي الأكثر مبيعا، إذ إنه في المغرب، حيث القدرة الشرائية منخفضة، من المفترَض أن تكون العلامات التجارية الأكثر مبيعا من نفس الدواء هي الأقل ثمنا، إلا إن الواقع عكس ذلك، فالعلامات الأغلى هي الأكثر مبيعا. ويختلف ثمن نفس الدواء المكلف حسب العلامة التجارية، والاختلاف في هذه الحالة أكثر منه أهمية مما هو عليه بالنسبة إلى الأدوية العادية، وكمثال من بين العشرات من الأمثلة دواء «دوسيطاكسيل»، وهو دواء يُستعمَل في علاج بعض أنواع السرطان، إذ يتراوح ثمنه بين 11243 درهما و7800 درهم، حسب العلامة التجارية. أكثر من ذلك، فثمن هذا الدواء في صيدلية الصندوق الوطني لمنضمات الاحتياط الاجتماعي لا يتجاوز 2984 درهما، علما أن ثمن هذا الدواء في طايلاند، مثلا، هو 950 درهما. وقد أوصت اللجنة، التي قامت بالمهمة الاستطلاعية، بألا يبقى تحديد ثمن الدواء من اختصاص وزارة الصحة وحدها، بل أن يوكل لهيأة تضم، زيادة على وزارة الصحة، هيآت التغطية الصحية والهيآت المهنية للأطباء والصيادلة وكذا مجلس المنافسة، على أن تضع هذه الهيأة مسطرة جديدة لتحديد ثمن الدواء، تشكل قطيعة مع المسطرة الحالية. ودعت اللجنة إلى إعادة النظر في نسب التعويض عن الأدوية، التي تحددها التغطية الصحية، بهدف تشجيع الأدوية الأقل ثمنا وليس العكس، كما هو الحال حاليا. كما أوصت اللجنة بالتوقف الفوري عن التعويض عن كل دواء مكلف يوجد مماثل له أرخص ثمنا تحت علامة مختلفة، وهذه وسيلة فعالة لخفض ثمن وتكلفة هذه الأدوية. ومن بين التوصيات لخفض أثمنة الأدوية المكلفة استعمال نظام «الرخص الإجبارية» بالنسبة إلى الأدوية التي ما زالت خاضعة لبراءة الاختراع، وهي مسطرة قانونية منسجمة مع توصيات منظمة التجارة العالمية ومنظمة الصحة العالمية، كما أنها لا تتعارض مع اتفاقيات التبادل الحر التي وقعها المغرب. واعتبرت اللجنة أن تطبيق هذه التوصيات سيمكن من خفض التكلفة الإجمالية للأدوية العادية بنسبة تتراوح بين 30 و50 في المائة وكذا خفض التكلفة الإجمالية للأدوية المكلفة، بنسبة تتراوح بين 50 و80 في المائة. وتجدر الإشارة إلى أن المهمة الاستطلاعية منبثقة عن لجنة المالية في مجلس النواب، وجاءت عقب النقاش الذي دار أثناء دراسة قانون المالية لسنة 2009. وقد بدأت اللجنة مهمتها الاستطلاعية في فبراير من سنة 2009، وكانت أهم مكونات التقرير جاهزة في ماي -يونيو 2009 ونُشِر التقرير في نونبر من سنة 2009.