في أصيلة، وبعد اليوم الأول تدخل إلى «كناش الحالة المدنية»، المدينة تراقبك، وتنقط على سلوكك، لا يمكن أن تختبئ مثلا وسط الزحام، أو أن تتلف بين الأزقة، فالمدينة تؤدي إلى بعضها البعض، وحين تظن أنك غير مرئي، تصبح مشاعا للناس.. الكل يراك ويتفرج على «نفاجتك». أمس رأيت أغلب الأصدقاء، على الإطلالة البحرية، يأكلون، يلتقطون صورا لأطفالهم، أو «مبلطين» على أرصفة المقاهي، آو لنقل على وجه التدقيق على رصيف أصيلة، فأصيلة، كلها رصيف واحد ممتد خلفا وقدما. الشاعر والرسام عبد العزيز أزغاي يلتقط صورا لأطفاله، وهو دائما يجد المكان والزمان كي يمارس أبوته. هناك الناقد الجمالي فريد الزاهي والناقد الأدبي عبد الرحيم العلام وزوجته الشاعرة والكاتبة إكرام عبدي. وبين الحين والآخر، يظهر الروائي التونسي حسونة المصباحي صاحب «هلوسات ترشيش» والذي يعتبر من الوجوه المعروفة التي تزور المهرجان كل سنة، وهو صديق لابن عيسى، وهناك الروائي السعودي هاني النقشبندي المقيم في دبي، والذي يملك بيتا هنا في أصيلة، ويأتي إلى هذه المدينة كي يختلي بنفسه ويكتب. روايته الأولى «اختلاس» لاقت نجاحا، واعتبرت إضافة إلى المتن الروائي السعودي. في الصباحات الباكرة أصادف أحمد ماهر وزير الخارجية المصري الأسبق، يتمشى على كورنيش أصيلة، ما يزال الرجل يسير بشكل مستقيم وبقامة فولاذية، يحضر بابتسامته المميزة، ابتسامة وزير خارجية لا تنال من بين شفتيه شروى بعير، عدا بسمة ناشفة، وهناك أندري أزولاي الذي يحضر إلى جانب صديقه بن عيسى في مهرجانه، هو الذي يفتخر بأنه يستطيع أن يجمع أكثر من 400 ألف في مهرجان كناوة في الصويرة. وهناك الصحافي والكاتب عمر الأنصاري، الذي يحضر إلى المهرجان، صحافي متخصص في شؤون الطوارق، وقد سبق له أن أصدر كتابا مهما عن حياة شعب الطوارق في جنوب مالي وفي حوض النيجر، وهو الآن يعد رواية عن الصحراء هناك، صحراء ليست كباقي الصحاري، يهيم فيها شعب بكامله، شعب تذوب خصوصياته يوميا ويتأثر مثل غيره بالعولمة ومستتبعاتها. يريد عمر الأنصاري أن يكتب شيئا مختلفا عن عبد الرحمان منيف وعن إبراهيم الكوني. لا بد أن يكتب الجيل الشاب شيئا مختلفا كما يحب أن يقول. المدينة القديمة لأصيلة تمنح إحساسا بتحجر الزمن، هنا مرت أقدام وجمال رشيق وحيوات، هنا كان ألم وفرح، وهنا مرت عصور وأزمنة، والشرفة البحرية هي ذاتها، شاهدة على تحولات الموج وتدرجات الزرقة. في المساء تعبر امرأة بخفة شارع مولاي الحسن بن المهدي وهو شارع الكورنيش المكتظ، تقول المرأة.. كاين لعواول بزاف هذا العام.. أضحك في سري على صيغة الجمع، أقهقه بصوت مسموع، وأنظر إلى العواول، وكيف أن العواول قد كبرت، في المدينة الصغيرة، في المغرب الكبير.. العواول يدخنون على الشاطئ ويتبادلون النكات ويصخبون، والليل يمضي إلى مستقره، بينما الإخوة المكسيكيون يعرضون فنهم.. أتذكر مسلسل «أنت أو لا أحد» ورويدريغو والقبعات والفراهة... يا ألله كم الصورة في الأفلام خادعة جدا ومبهرجة.