شهدت نهاية الأسبوع حركة غير مسبوقة بين أسوار حزب التجمع الوطني للأحرار، حيث تم عقد سلسلة من الاجتماعات المغلقة في فيلات في أحياء فاخرة في الرباط والدار البيضاء لمناقشة الوضع المتأزم الذي يعيشه الحزب، بسبب التسيير السيئ الذي يعرفه هذا المكون الرئيسي في التحالف الحكومي. ويعزى هذا التوتر الذي تعرفه الأجواء إلى عناد رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، صلاح الدين مزوار، الذي يفرض على رأس الإدارة العامة للحزب رجلا يفتقر إلى الحنكة والتجربة في تسيير أمور الحزب، في الوقت الذي يملك هذا الأخير أطرا مؤهلة أثبتت حنكتها في العمل السياسي. ويتهم قادة ونشطاء حزب التجمع الوطني للأحرار صلاح الدين مزوار بإصراره على إبقاء جعفر هيكل في منصبه، ولو كان ذلك على حساب مصلحة الحزب، مع العلم أن الأغلبية تطالب بتنحية جعفر من منصبه، فهذا الأمر بالنسبة إليهم مسألة «مبدأ». «فمثلما أنشأ صلاح الدين مزوار «تياره التصلحيحي» سنة 2009 لينتخبوه في 2010، فالتجمع الوطني للأحرار قادر أيضا على إنشاء تيارات تصحيحية أخرى، إذا لم يحترم صلاح الدين مزوار ضوابط العمل المقررة من طرف اللجنة المركزية للحزب». وبالرغم من عدم إعلان ذلك صراحة، يبدو هذا تهديدا ضمنيا في حقه. ويمكن أن تفسر هذه الضجة في طرحين لا ثالث لهما: الطرح الأول هو أن مناضلي حزب التجمع الوطني للأحرار يعتبرون أن جعفر هيكل غير مخلص لأجندة الحزب، بل أكثر من ذلك، فهو يخدم مصالح حزب الأصالة والمعاصرة لا غير. وحسب مسؤول وازن في المكتب التنفيذي لحزب التجمع الوطني للأحرار، فإن «جعفر هيكل موالٍ، بشكل تام، لحزب الأصالة والمعاصرة ويخدم مصالحه حتى من داخل أسوار حزب التجمع الوطني للأحرار». ويضيف نفس المئؤول قائلا إن «العلاقة الوثيقة التي تجمع جعفر بفؤاد عالي الهمة تخلق نوعا من الارتباك والتشويش لدى أعضاء حزب التجمع الوطني للأحرار. أما الطرح الثاني، فيقول إن جعفر هيكل لم يواجه يوما صناديق الاقتراع، فهو لم ينتخب كنائب لا على المستوى المحلي ولا الجهوي. وبالنسبة إلى أطر الحزب فهو شخص يفتقر إلى الشرعية الموجبة لإبقائه في منصبه. ويزعم أحد أعضاء اللجنة المركزية لحزب التجمع الوطني للأحرار أن صلاح الدين مزوار حين يوكل نفسه «محاميا» على هيكل، يعرّض رئاسته للخطر. وبالنسبة إلى هذا المسؤول، الذي فضل عدم التصريح بهويته، «فقد حان الوقت ليوضح صلاح الدين مزوار موقفه من حزب الأصالة والمعاصرة ويفسر ماهية العلاقة التي تجمعه بالحزب»، مضيفا أن «صلاح الدين مزوار رئيس حزب في الأغلبية الحكومية وعضو في الحكومة، فما هي، إذن، طبيعة هذه العلاقة الوثيقة التي تجمعه بحزب الأصالة والمعاصرة، باعتباره حزبا معارضا؟». كما تطالب أصوات أخرى داخل الحزب بأن يحسم صلاح الدين مزوار في علاقته «الخطيرة» بحزب الأصالة والمعاصرة، فبدون ذلك ستكون رئاسته على المحك. ومن جهة أخرى، وحسب مصادر مطلعة، فإن صلاح الدين مزوار استشار مع فؤاد عالي الهمة حول مصير جعفر، تفاديا لوقوع الفتنة داخل الحزب. وهذا ما أثار غضب الأغلبية داخل حزب التجمع الوطني للأحرار، الذين رفضوا أي تدخل للأصالة والمعاصرة في شؤونهم الداخلية. وتفيد نفس المصادر أن موقف كل من مزوار والهمة يقول مؤداه أنه إذا نجح مزوار في تهدئة العاصفة داخل الحزب ،فسنُبقي على جعفر هيكل، أما إذا تعالت الأصوات المطالبة بتنحيته من منصبه، فسنخرجه من هذا المستنقع. ولتعويض جعفر هيكل عن الخدمات التي قدمها، يفكر الهمة وصلاح الدين مزوار في اقتراح مهام أخرى عليه. وللإشارة فقط، فجعفر هيكل هو طبيب تم اختياره على رأس إدارة الحزب، رغم معارضة الأغلبية، ويعتبر هذا المنصب في حد ذاته سابقة في الحزب، إذ إن مزورا خلقه ليتحرر من مهامه في وزارة المالية بغية «تحديث إستراتيجية عمل الحزب، بتسييره كما تسير الشركات». وقد عُهدت إلى جعفر مهمة تحديث عملية تسيير الحزب، وهذا هو «الخطأ الأكبر»، يقول أحد المسؤولين في الحزب. «فالحزب ليس شركة خاصة، الحزب هو كتلة من التيارات والحساسيات والانتماءات التي لاتخضع لضوابط التسيير الحديث، بل على العكس، الحزب في حاجة إلى التواصل والتعبئة والعمل الميداني والمشاورات والمفاوضات، وهذا ما لا يجيده جعفر هيكل فهو بعيد كل البعد عن هذا». وحسب مراقبي الساحة السياسية، فإن الأزمة الحالية التي يعيشه ا الحزب أهم بكثير من تلك التي أدت سنة 2009 إلى إنشاء تيار إصلاحي داخل الحزب، والتي انتهت بطرد مصطفي المنصوري وإحلال صلاح الدين مزورا مكانه سنة 2010 في مراكش. وحسب أحد القدماء في الحزب، فإنه «إذا لم يتم حل هذه الأزمة بشكل فوري، فإن الحزب سيتجه نحو الباب المسدود» ويضيف نفس المصدر قائلا إن الأحزاب السياسية تكون جد حساسة، خصوصا قبل انتخابات هامة كتلك المنتظرة في 2012، وإذا لم يحل حزب التجمع الوطني للأحرار هذه الأزمة، فهذا سيفسح المجال لحزب الأصالة والمعاصرة» قبل أن ينهي حديثه قائلا: «ربما كان هذا ما يريدونه».