تقول مخابرات دول أوربية إنّ ديكتاتور تونس السابق زين العابدين بن علي لم يغادر البلاد طوعا وإنما تم خلعه من منصبه، وأنّ بداية النهاية كانت مع إقالته لرئيس الأركان في جيش البرّ التونسيّ الجنرال رشيد عمار، الذي تحدى بن علي ورفض إطلاق النار على المتظاهرين. وكان زين العابدين طلب من الجيش التدخل لقمع الانتفاضة قبل أن تصل إلى العاصمة تونس، لكنّ رئيس أركانه تعهد بإنزال الجيش إلى الشارع لحماية الممتلكات العامة فقط، لكن ليس لإطلاق الرصاص على المحتجين، فاستشاط بن علي غضبا وقام بعزله ووضعه تحت الإقامة الجبرية، إلى أن أعاده رئيس الوزراء محمد الغنوشي إلى منصبه، بعد فرار بن علي إلى المملكة العربية السعوديّة بمساعدة ليبية، كما تشير إلى ذلك تقارير استخباراتية. يتحدر الجنرال عمار (63 عاما) من الساحل التونسي، وتحديدا من بلدة صيادة في ولاية المنستير، وهي منطقة ظلت هادئة نسبيا وبعيدة عن التحركات الاجتماعية التي عصفت بالبلاد منذ أكثر من شهر، احتجاجا على ما قالوا إنه تفشي البطالة والمحسوبية والفساد. وظل عمار محل احترام وقبول شعبي لموقفه الرافض لإطلاق الرصاص على المتظاهرين. ويرى كثيرون أنه هو من يمسك الآن بزمام الأمور بمعية الفريق أول بحري طارق فوزي العربي، والفريق أحمد شبير، من الأمن العسكري، والفريق الطيب العجيمى، والفريق منصور الحداد، والفريق محمد الهادي عبد الكافي. ورغم أن الرئيس المخلوع بن علي كان القائد الأعلى للقوات المسلحة التونسية، فقد كانت لرشيد عمار الشجاعة الكافية لمعارضته عندما أمر الجيش بالتدخل لقمع المتظاهرين في القصرين وتالة وسيدي بوزيد حيث أحرق محمد البوعزيزي نفسه مطلقا شرارة «ثورة الياسمين». ونقل عن عمار قوله: «نعم لنشر الجنود حتى تهدأ الأوضاع، لكن الجيش لن يطلق الرصاص على الشعب»، وهو موقف كلفه الإقالة المباشرة وفرض الإقامة الجبرية ضده، غير أن محمد الغنوشي أعاده إلى منصبه في 14 من الشهر الحالي للمشاركة في حكومة وحدة وطنية. وجنّب قرار عمار بلاده حماما من الدم، وظل وفيا لتقليد رسخه الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة تمثل في عدم التدخل في الشؤون السياسية للبلاد، غير أنه كان السبب الأول في رحيل بن علي. ولا يمكن التأكد من حقيقة موقف الرجل القوي في الجيش التونسي، وما إذا كان الجيش قد قرر الوقوف موقف الحياد، وإن بدت لذلك شواهد منها حماية بعض التشكيلات العسكرية للمتظاهرين في مدينة الرقاب في محافظة بوزيد، حيث أشهر بعض الجنود سلاحهم في وجه قوات مكافحة الشغب التابعة للداخلية التي حاولت إلقاء القبض على المتظاهرين. ويذكر أن الموقع الرسمي لقصر قرطاج على الأنترنيت كان قد أورد أن الرئيس التونسي السابق قد كرم الفريق أول عمار قبل اندلاع الأحداث ومنحه وساما من الطبقة الأولى، وذلك في ذكرى الانطلاقة العشرين للتحول الذي قاده بن علي وأزاح فيه الرئيس السابق الحبيب بورقيبة من منصبه كرئيس للبلاد. ومن ناحيتهم، أعرب مراقبون غربيون للإذاعة الألمانية عن اعتقادهم بإمكانية تولي رئيس أركان الجيش التونسي، الجنرال رشيد عمار، مهمة رئاسة البلاد في حال حدوث فراغ قيادي في البلاد، أو صعود تحدي الإسلاميين للسلطة الذين استبعدوا من الساحة السياسية خلال عهد الرئيس السابق.